• ×

د.عبدالرحمن الدهش

خطبة الجمعة 28-1-1433هـ بعنوان نعمة السمع

د.عبدالرحمن الدهش

 0  0  8.9K
زيادة حجم الخط مسح إنقاص حجم الخط

إنَّ الحمد لله نحمده أما بعد :- فنعمة كبرى غفل عنها من يعيشها ، وغابت عمن هو فيها فأصبحت إلفاً عادياً ، ولكن من فقدها عرفها ، ومن ضعفت عنده شقَّ عليه ضعفها . إنها حاسة السمع ، بل والله نعمة السمع ، بها يدرك الإنسان ويسمع ما يقال حوله . وبفقدها ينقطع الإنسان عن الناس وإن كان معهم، ويغيب عنهم وهو حاضر بينهم . يقلب فاقد السمع ناظريه فيرى شفاها تتحرك، يقرأ في وجوه أصحابها فرحاً حيناً ، وتعجباً حيناً، وحزناً حيناً ، وهو لا يدرك سبب هذا ولا ذاك ، فأحس بثقل حضوره، وحرج وضعه أينصرف عنهم ؟! أم يطلب إشارة منهم تفهمه كل كلامهم فهذا ما لا يستطيعه ، وقد لا يجد من يتطوع له به . (والله أخرجكم من بطون أمهاتكم لا تعلمون شيئاً وجعل لكم السمع والأبصار والأفئدة لعلكم تشكرون) فالسمع طريق العلم ففاقد السمع لا يتعلم ، بل من نشأ فاقد السمع لن يتكلم لأنَّ الكلام بالسمع والمحاكاة . قدَّم الله السمع في كتابه على البصر لعظم أثره ، وعموم إدراكه فيسمع الإنسان ما يراه ، وما لا يراه . يسمع آيات الله تتلى عليه . ويسمع حديث النبي صلى الله عليه وسلم ينقل إليه . يسمع كلام الناس وأحاديثهم فيقف على أحوالهم ومستجدات حياتهم . ومع عظم هذه الحاسة ، وعظم مصيبة من فقدها أخفق كثيرٌ من الناس في حفظها ، وضيع آخرون أمانة الله فيها فصار سمعهم حجة عليهم . استمعوا في آذانهم ما لم يأذن بهم خالقهم " والأذن تزني وزناها السمع " (إنَّ السمع والبصر والفؤاد كل أولئك كان عنه مسؤلاً) إنه مما يحزُّ في النفس ما تساهل فيه طوائف من المسلمين من سماعهم للمعازف والآلات الموسيقية مصحوبة بالأغاني أو مجردة فصارت ديدناً لبعضهم في بيوتهم ومحلاتهم وسياراتهم وغيرها . يسمعونها من الإذاعات وعبر التلفاز والقنوات ، وعبر المواقع في الأنترنت أو التسجيلات . يسمعونها ولم يرفعوا رأساً بنهي النبي صلى الله عليه وسلم عنها وتحذيره من قوم يأتون في آخر الزمان يستحلونها . يسمعونها و لم يهتموا لخطرها ، ولضررها وإفسادها للقلب والفطرة . أما تحذير النبي صلى الله عليه وسلم منها ففيما رواه البخاري عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : " ليكونن من أمتي أقوام يستحلون الحر و الحرير والخمر والمعازف " . فهؤلاء قوم يأتون في آخر الزمان يستحلون المعازف وهي آلات اللهو ، والطرب ، كما يستحلون معها الحر ، وهو الفرج المحرم بالزنا واللواط ، ويستحل رجالهم الحرير ترفاً وتخنثاً ، ويستحلون كذلك أمَّ الخبائث الخمر فيُذْهِبون عقولهم باختيارهم . وهؤلاء الذين أخبر النبي صلى الله عليه وسلم عنهم وحَّذر منهم وجدوا لا كثَّرهم الله يزيدون وينقصون بحسب إعراض الناس عن دينهم وتعظيمهم حرمات الله في قلوبهم . فهذا المعازف والآلات الموسيقية مع أثرها الظاهر على القلوب فهي خرابها ، ومستمعها أزهد الناس بسماع القرآن والذكر اشترى لهو الحديث بآيات الله (ومن الناس من يشتري لهو الحديث ليضل عن سبيل الله بغير علم ويتخذها هزواً أولئك لهم عذاب مهين ، وإذا تتلى عليه آياتنا ولى مستكبراً كأن لم يسمعها كأنَّ في أذنيه وقراً فبشره بعذاب أليم ) قال ابن مسعود رضي الله عنه في معنى (لهو الحديث) : " والله الذي لا إله إلا هو إنه الغناء !! " قال شيخ الإسلام ابن تيمية " مذهب الأئمة الأربعة أنَّ آلات اللهو كلها حرام " . وحكى الإجماع غير واحد على تحريمها، ولم يثبت عن أحد ممن يعتد بقوله أنه أباح آلات اللهو . عباد الله : إنَّ التساهل في أمر المعازف والموسيقى بوابٌ لكل شرٍّ ، فهي تصدُّ عن ذكر الله وعن الصلاة، والغناء رقية الزنا ، يهون على سامعيه الفحش في القول والعمل . والغناء ينبت النفاق في القلب كما ينبت الماء الزرع . قال ابن القيم : " والذي شاهدناه نحن وغيرنا ، وعرفناه بالتجارب أنه ما ظهرت المعازف وآلات اللهو في قوم وفشت فيهم ، واشتغلوا بها إلا سلط الله عليهم العدو ، وبلوا بالقحط والجدب ، وولاة السوء " . فاحذر يا عبد الله : هذه المعازف ولا تغتر بتساهل كثير من المسلمين فيها، وعكوفهم عليها . ولا تنخدع بتسمية الغناء فناً، والمغني فنَّاناً، أو نجماً فالبعرة بعرة وإن قيل عنها : إنها تمرة . ولا يهوِّن عليك أن ترى الاحتفاء بالحفلات الغنائية والدعايات الإعلامية والإعلانات عن أوقات بثها ودعوة إلى سماعها . فهؤلاء دعاة على أبواب جهنم من أجابهم قذفوه . والمغني مرتكب لما حرَّم الله وإن سمي عمله رسالة، أو خدمة وطنية . أيها المسلمون : لقد بلغت الأغاني في زمننا هذا مبلغاً يحزن له المسلم ويشفق منه الغيور فمع اصطحابها المعازف المحرمة صارت تغني بالكلمات الفاحشة، وعبارات الرذيلة ناهيك عن كون من تغني تلك الأغاني امرأةً أو أمردَ مخنث ، فكانت من نتاجها ميوعة في بعض الشباب وتخنث من رجال وما هم برجال . فإنا لله وإنا إليه راجعون . اللهم إنا نعوذ بك من مضلات الفتن . أقول قولي هذا الحمد لله أبان السبيل للراغبين، وأقام الحجة على المعاندين، وأشهد ألا إله إلا الله أما بعد :- فإنَّ من عظم الفتنة وشدة البلية أن يمتحن الإنسان فتتيسر له أسباب المعصية فهي في مقدوره ، ولو شاء لوقع فيها فهو مستدرج من حيث لا يشعر . وإنه بما منَّ الله به علينا من هذا الانفتاح على الدنيا أصبح الإنسان قد يحمل في جيبه ما يكون عوناً للشيطان عليه ، فهذا هذه الجوالات لا يشك أحد في نفعها فهي نعمة من نعم الله على أهل هذا العصر، ولو حدِّث أجدادنا وآباؤنا الذين لم يدركوا هذه الجوالات لو حدِّثوا أنَّه بإمكانك أن تكلم من تريد في أي مكان كان، ومن أي مكان كنت فيه بواسطة شيء تخرجه من جيبك لبادروا إلى تكذيب ذلك، أو على الأقل لتعجبوا منه . فكيف إذن تكفر هذه النعمة و يسيء ثلة من الناس استخدامها فتكون وسيلة لسماع المعازف المحرمة وتبين لك شيء من ضررها . وعذر بعضهم أنه لم يقصد ، أو أن هذه النغمات إنما هي تنبيه للمكالمات لا يريد منها ما أكثر من ذلك . كم يحز في النفس أن ترى السيارة فيها من فلذات الأكباد من البنين والبنات وقد تعالت من هذه الأصوات المنكرة من ابتلى بشيء من هذه المحرمات فلا يجمع إلى إثمه إثماً فلا يسمع هذه الأصوات المنكرة أحداً من الناس ولا يكن سمساراً لهذه الأغاني المحرمة فتهدي شريطاً مسجلا، أو تدل على موقعها، أو ترسل رابطاً له . فبئست الهدية أن تصد الناس عن خير، أو تدلهم على شر. (ومن دعا إلى ضلالة كان عليه وزرها ووزر من عمل بها إلى يوم القيامة) .



التعليقات ( 0 )

جميع الأوقات بتوقيت جرينتش +4 ساعات. الوقت الآن هو 09:21 صباحًا الخميس 16 أكتوبر 1445.