• ×

د.عبدالرحمن الدهش

تفسير سورة العلق

د.عبدالرحمن الدهش

 0  0  27.3K
زيادة حجم الخط مسح إنقاص حجم الخط
تفسير سورة العلق.. (اقرأ)

هذه السورة قال الله تعالى فيها: (اقرأ باسم ربك الذي خلق) هذه السورة سورة العلق..
وهي مكية بالاجماع لا خلاف في ذلك..
يقال لها سورة العلق, وربما قيل لها سورة (اقرأ باسم ربك) وربما سميت سورة (اقرأ), وكذلك تسمى وهي قليلة بسورة القلم, ولكن من سماها سورة القلم يسمي السورة الأخرى التي تسمى بالقلم يسميها نون والقلم, وهذه التسميات الأمر فيها واسع, إلا أن أشهر الأسامي فيها: سورة العلق..
هذه السورة في نزولها على جزأين:-
جزؤها الأول: إلى آخر الآية الخامسة.. إلى قوله تعالى (علم الإنسان ما لم يعلم) هذا هو أول ما نزل من القرآن على النبي صلى الله عليه وسلم -.. وبدء الوحي مشهور في ذلك:- فإن النبي عليه الصلاة والسلام لما أراد الله تعالى إكرامه بتكليفه بالنبوة ثم الرسالة أرسل إليه جبريل عليه السلام في غار حراء.. لما كان يتعبد هناك.. ثم أمر جبريل النبي عليه الصلاة والسلام أن يقرأ, ثم قال: ما أنا بقارئ, ثم غطه الغطات الثلاث حتى بلغ منه الجَهْد, ثم أوحى إليه بأول سورة اقرأ.. علمَه الآيات الخمس.. ثم ذهب النبي عليه الصلاة والسلام إلى أهله خائفاً وجلاً حتى تتابع عليه الوحي بعد ذلك..
هذا هو نزول أولها..
ثم آخرها.. نزل بعد ذلك.. على خلاف في الفترة الزمنية بين أولها وآخرها.. لكن الذي يهمنا أنها لم تنزل مرة واحدة إنما نزل أولها ثم لُحِق آخرها.
قال الله تبارك وتعالى.. مخاطباً نبيه عليه الصلاة والسلام
الآية الأولى:
(اقرأ باسم ربك)
هنا أمر له عليه الصلاة والسلام بالقراءة.. (اقرأ باسم ربك)
وقوله تعالى هنا (باسم) الباء هنا.. للاستعانة يعني.. اقرأ مستعيناً بربك.. هذا هو المعنى..
لكن الاستعانة لا تكون بالرب سبحانه وتعالى بذاته لكن تكون باسم من أسمائه.. فلذلك قال:-
(اقرأ باسم ربك)
الإعانة من الله عز وجل لكن الاستعانة حصلت بالإسم..
(اقرأ باسم ربك) والمعنى.. أنك تستعين بالله..
والاسم هنا توسطه لا يُشكل.. فإن المعنى واضح..
وهو على حَدِّ قوله تعالى (بسم الله الرحمن الرحيم)
قال الله تعالى (اقرأ باسم ربك) ثم وصف نفسه فقال:-
(اقرأ باسم ربك الذي خلق)
وصف الله تعالى نفسه بهذه الصفة.. وأنه عز وجل خلق..
ماذا خلق؟ لم تقيد الآية شيئاً
إذن:
اقرأ باسم ربك الذي خلق كل شيء..

قاعدة:-
حذف المعمول هنا.. ليفيد العموم..

كما هو في قوله تبارك وتعالى (الله خالق كل شيء)
إذن.. هذا الحذف.. لهذه الفائدة
ثم.. خص الله تعالى شيئاً مما خلقه.. فقال:-
الآية الثانية:
(خلق الإنسان من علق)
ولما عمم بطريق الحذف.. خص بطريق الذكر فقال (خلق الإنسان) والإنسان هذا المخلوق الذي يرجع أصله إلى أبيه آدم..
وقوله تعالى (من علق) هذه مادة الخلق, وأن الله تعالى جعله من العلق..
والعلق.. هذه المادة تدل على أن هناك تعلقاً والتعلق معروف.. شيء يرتبط بشيء والأمر كذلك..
فإن هذه المادة متعلقة.. بالرحم..
والمراد بها هي.. قطعة الدم الصغيرة جداً.. هذه هي العَلَق..
وسميت هذه القطعة من الدم بعلق لأنها متعلقة بالرحم..
فبيّن الله تعالى هنا.. مادة الإنسان الأول.. وأن مادته من العلق..
قال الله بعدها:-
الآية الثالثة:
(اقرأ وربك الأكرم ( 3 ) )
أعاد الأمر على نبيه بالقراءة فقال (اقرأ) قال: (وربك الأكرم)
بيّن سبحانه وتعالى وصفاً جديداً في حقه.. وأنه.. أكرم..
وأكرم صيغة تفضيل..
فنقول:-
إن الله سبحانه وتعالى أكرم من كل شيء..
فربنا سبحانه وتعالى أكرم من كل أحد,,
والمراد بقوله (الأكرم) يعني المتفضل.. فهو صاحب الفضل سبحانه وتعالى على كل أحد.. قبل كل أحد..
فأمر الله تعالى كما قلت
-بالقراءة..
- وبيّن هذا الوصف العظيم في حقه (وربك الأكرم)
الآية الرابعة:
قال الله تبارك وتعالى (الذي علم بالقلم)
هذا وصف آخر.. متعلق بالموضوع الذي في أوله أشارت السورة وهنا المفعول محذوف.. علم مَن؟ أو عَلَمَ ماذا فنقول:- علم الإنسان بدليل الآية التي بعدها..
(علم الإنسان)
فقوله تعالى (الذي علم) أي الإنسان..
قال: (بالقلم)
والقلم معروف..
فأشار الله تعالى إلى وسيلة حصل بها تعليم الله تعالى للإنسان.. وأنه علمه بالقلم..
والقلم معروف.. من قديم الزمان..
والكتابة معروفة.. إلا أنها في العرب على سبيل الخصوص قليلة
فلم يكن العرب يهتمون بها.. فيهم من يكتب.. لكنهم ليسوا مشتغلين بها شغلاً كثيراً كما هي الحال في أهل الكتاب اليهود والنصارى هم الذين يعتنون بذلك..
لكن.. على كل حال.. هي وسيلة الذي علم بالقلم
الآية الخامسة:
قال الله تعالى:-
(عَلَّم الإنسان ما لم يعلم )
علمه سبحانه وتعالى ما لم يعلم..
قد تقول إن قوله تعالى (ما لم يعلم) كأنه تحصيل حاصل لأن الشيء الذي يعلمه لا يحتاج أن يُعَلَم إياه..
إذن:-
ما معنى قوله (علم الإنسان ما لم يعلم) ؟.
لأنه:-
لو قيل علمه الذي يعلم صارت عديمة الفائدة..
ثم لما قال علمه ما لم يعلم صارت تحصيل حاصل..
إذن:- نقول لأن هذه ليست تحصيل حاصل..
بل إن منها إشارة ودلالة على سعة تعليم الله سبحانه وتعالى لهذا الإنسان أنه علمه ما لم يعلم..
لأن:
(ما) هذه.. اسم موصول تفيد العموم
يعني:
علمه الشيء الكثير الذي لا يعلمه..
علمه ما يتعلق بأمور دينه, وعبادته.. وهذا أهم ما يكون..
ثم علمه أيضاً أمور دنياه.. وأنه يفعل كذا وكذا..
يفعل الشيء الفلاني في الوقت الفلاني ويترك في الوقت الفلاني.. أشياء كثيرة..
لولا تعليم الله سبحانه وتعالى.. لبقي الإنسان عالَة لا يستطيع أن يفعل شيئاً, ولأصبح كَلّاً على غيره.. فعلمه سبحانه وتعالى كل شيء, حتى علمه كيف يأكل.. وكيف يحضر طعامه.. وكيف يستر عورته.. وكيف يجهز ثيابه.. أشياء كثيرة.. كلها داخلة في قوله تعالى:
(علم الإنسان ما لم يعلم)
إذن.. هذه الآيات الخمس..
التي ابتدأ بها الوحي.. وفيها الموضوع العظيم..
وهو الإشادة بمنّة الله تعالى على عباده في التعليم وفي القراءة على سبيل الأخص.. باعتبارها سبيل العلم..
بعد ذلك قال الله سبحانه وتعالى..
الآيتان السادسة و السابعة:
(كلا إن الإنسان ليطغى (6) إن رءاه استغنى (7) )
هذه الأية, وإن كان بينها وسابقاتها فاصلٌ زمني لكنها بينها وسابقاتها اتحاد معنوي.. بينها ارتباط.. كيف ذلك؟
لما سبق أن الله تعالى.. علم الإنسان وجعله يقرأ وعلمه ما لم يعلم هذه نِعَم, كيف قابل هذا الإنسان هذه النِعَم قال الله تعالى:
(كلا إن الإنسان ليطغى ( 6 ))
و(كلا) هنا.. يُفسرونها ويقولون فيها أنها كلمة ردع وزجر.. يعني يُزجر الإنسان ويُرْدَع حيث إنه قابل هذه النعمة بما ذكر الله تعالى..
(إن الإنسان ليطغى)
قوله تعالى (ليطغى).. الطغيان هو التجاوز.. يقال مثلاً طغى الماء يعني تجاوز وخرج من الإناء الذي هو فيه..
كذلك الإنسان ليطغى فيخرج ويتجاوز
في أي شيء يتجاوز الإنسان؟
في أشياء كثيرة..
هذا يتجاوز في ترك الواجب.. ولا يرفع رأساً فيما أمر الله تعالى به..
وهذا يتجاوز في النهي ولا يُقيم احتراماً لمناهي الله عز وجل ..
وهذا يجمع بين الثنتين
وهذا يكون طغيانه يصل إلى غيره بظلم أو عدوان أو ما أشبه ذلك.. كل هذه داخلة تحت قوله : (إن الإنسان ليطغى)
وهذا لا يليق.. لأنه الآن كُرِم وعُلِم..
فحقُ النعمة أن تُقابل بالشكر لكن تفاجأ الإنسان بهذه الحال.. أنه طغى.. (كلا إن الإنسان ليطغى)
قال:
الآية السابعة:
(أن رءاه استغنى ( 7 ) )
هذا تعليل.. لماذا يطغى؟
لأنه رآه؟ رأى مَنْ..
رأى نفسه استغنى..
استغنى عن مَن؟
استغنى عن خالقه عز وجل
وهذا منتهى الحماقة في الإنسان..
أن يظن أنه مستغن عن خالقه..
هذا جهل عظيم..
وكيف يستغني الإنسان عن خالقه
أو: كيف يظن أنه مستغن عن خالقه؟
يظن ذلك.. إذا أحاطت به النعم من كل جانب حينئذٍ يظن.. ويغفل.. ويقع في خلده أنه مستغنٍ عن خالقه..
فإذا انغمس مثلاً.. في نعمة المال.. ربما ظن أنه مستغن عن خالقه..
إذا انغمس في نعمة الصحة.. وصار صاحب البدن القوي الذي لا تعتريه الآفات وليس عنده أمراض.. ربما ظن أنه مستغن عن خالقه..
كذلك.. إذا أحيط بأهله وعشيرته وقومه وتكثر بهم.. ربما يظن أنه مستغن عن خالقه
إذن.. أعود فأقول:
إن قوله تعالى (أن رءاه استغنى) هي من حيث المعنى.. تعليلية..
لماذا يطغى؟..
لأنه رآه, أو رأى نفسه استغنى..
قال الله تبارك وتعالى منبهاً هذا المستغني الذي غرّه ما وجد في نفسه..
الآية الثامنة :
قال: (إن إلى ربك الرجعى)
يعني: يا أيها الإنسان.. إلى ربك عز وجل.. الرُجعى
و(الرجعى) هنا.. بمعنى المرجع والنهاية..
فالمرجع والنهاية إلى الله عز وجل
إذن.. لا غنى عن الله عز وجل إطلاقاً..
وكيف يكون غنىً.. وأنت ترجع إلى خالقك..
لأنك: لو كنت مستغنياً استغناءً تاماً.. لم ترجع إلى خالقك..
وقوله تعالى: (إن إلى ربك الرجعى)
هل هو في يوم القيامة.. كما هو المتبادر؟
بمعنى إذا مات الإنسان يُبعث ويُرجع إلى ربه..
أو لنا أن نعممها بما هو أشمل من ذلك..
الجواب الثاني.. (إن إلى ربك الرجعى)
حتى فيما دون الممات..
أرأيتم لو أن إنساناً استغنى..
ثم صار عنده شيئاً من الطغيان.. ثم أصيب بشيء يسير في صحته, أصابه مرض.. إلى مَنْ يرِجع؟!
إلى الله عز وجل.. ويبدأ يعيد حساباته ويُقلِب ويندم ويعرف أنه الآن أخطأ..
هذا المرض جعله يرجع إلى ربه.. (إن إلى ربك الرجعى), كذلك الذي اغتر بماله.. لو تعكرت تجارته ولَحِقَه شيءٌ من الخسارة الكثيرة أو القليلة فإنه يرجع إلى الله عز وجل هذا هو المفترض..
نعم.. قد يُكابر الإنسان.. لكنه لو كابر ما كابر.. فإن مصيره يرجع إلى الله عز وجل إما أنه يرجع باختياره أو يرجع قهراً عنه..
إذن.. نقول.. إن قوله تعالى: (إن إلى ربك الرُجعى) هي في الرجوع الأكبر الذي في يوم القيامة, وفي الرجوع الذي قبل ذلك.. في رجوعه عندما تحل به كارثة أو مصيبة وما أشبه ذلك وهذا الواقع شاهد بذلك..
فإنك تجد أفسق الناس حينما يَعثُرُه الله عز وجل بانكسار في تجارة أو بمرض أو بمصيبة بأحد.. تجده يتغير في كلامه, في تصوراته, في أشياء كثيرة.. رجع إلى ربه..
كل هذا تحقيق..
لكن.. انتبه أن يكون رجوعك من باب الضرورة.. من باب الضرورة على حدّ ما يفعله المشركون.. (فإذا ركبوا في الفلك دعوا الله مخلصين له الدين فلما نجاهم إلى البر إذا هم يشركون) هذا الرجوع لا يُغني كثيراً.. لكن الرجوع الذي يُغني = الرجوع الذي يكون بالاختيار..
وهذا يكون في حال السراء قبل الضراء..
نعود للآية.. قال الله تعالى:-
(كلا إن الإنسان ليطغى (6) أن رءاه استغنى (7) إن إلى ربك الرجعى (8))
ثم تنتقل الآيات لتصوير شيءٍ وقع للنبي عليه الصلاة والسلام
الآيتان التاسعة و العاشرة:
قال الله تعالى: (أرأيت الذي ينهى ( 9 ) عبداً إذا صلى (10 ) )
(أرأيت) بمعنى أعَلِمت.. وأسَمِعت بهذا الذي ينهى عبداً إذا صلى..
قال الله تعالى: (أرأيت الذي ينهى)
(عبداً) والمراد بالعبد هنا.. النبي عليه الصلاة والسلام -..
والمراد بــــ (الذي ينهى) أبو جهل بن هشام..
ذلك العدو المكابر الذي طالما آذى النبي عليه الصلاة والسلام بل آذى المسلمين عموماً..
فهذا هو المراد به.. أبو جهل.. وهذا لا خلاف فيه عند المفسرين أن الآية نازلة في حق أبو جهل..
قوله تعالى: (عبداً)
قلنا هو النبي عليه الصلاة والسلام لكن.. هذا التنكير له فائدة.. لم يقل: أرأيت الذي ينهى عبدنا, أو أرأيت الذي ينهى النبي إذا صلى.. قال عبداً..
هذا التنكير يا إخوان.. نقول عنه.. إنه للتعظيم فعليه نستفيد هذه الفائدة..
فائدة:-
من فوائد التنكير التعظيم
كما أن من فوائدة أيضاً التحقير
في سياق آخر..
س/ هل نجعل أيضاً من فوائد التنكير هنا.. التعميم؟
نعم.. كيف ذلك:
بحيث قال إنه نهى النبي عليه الصلاة والسلام ولكن الحكم ليس مربوطاً به..
الحكم مربوط بهذا الوصف.. وهو وصف العبودية فعليه..
من نهى عبداً.. وإن لم يكن هو النبي عليه الصلاة والسلام فإنه داخل في الوعيد الذي سوف يأتي..
إذن نقول:-
(عبداً) منكرة.. لإفادة.. التعظيم والتعميم.. في كل من يسير على طريق هذا الذي ينهى..
قال الله تعالى: (أرأيت الذي ينهى) (عبداً) .ز
قال (إذا صلى)..
( إذا ) .. هنا مرّ علينا نظير لها..
وقلنا:- هل هي شرطية؟
لا, قلنا: بمعنى الزمن = بمعنى وقت.. يعني:-
ينهى عبداً وقتَ صلى أو حينَ صلى..
والآية الكريمة.. تصور موقفاً وقفه ذلك المشئوم أبو جهل من النبي عليه الصلاة والسلام حيث لم يحتمل أن يصلي قرب الكعبة آمناً مطمئناً فأخذته العزة بالإثم..
فقال لأصحابه: إذا سجد النبي صلى الله عليه وسلم لأقومن وأطأن على عنقه..
هكذا وعد أصحابه.. ثم همّ بذلك..
همّ وذهب ليُحقق وعده المشئوم.. لكن الله تعالى يُدافع عن عباده فحال بينه وبين أبو جهل ثم رجع أبو جهل ناكصاً على عقبيه, خائفاً, هَلعاً, فضحك منه جلساؤه.. وقالوا أين وعدك.. فقال: حيل بيني وبينه, وجدت خندقاً وهولاً وأجنحة..
فلما أخبر النبي عليه الصلاة والسلام بذلك قال: نعم, لو تمادى أو لأقدم لأخذته الملائكة..
كل هذا من حماية الله عز وجل لنبيه عليه الصلاة والسلام
- صار وعده عاراً عليه, وسُطِرَت في هذه الآيات التي فيها ما فيها من الخزي والعار إلى يوم القيامة..
في قوله تعالى (أرأيت الذي ينهى)
فعل مضارع.. مع أن القصة وقعت وانقضت بمعنى: ما قيل: أرأيت الذي نهى عبداً..
فيقال:-
(ينهى) هنا أبلغ.. لماذا ينهى أبلغ؟
لأنها تعطيك التصوير للحال..
كأنه الآن من شدة فعله ومن قُبح ما أقدم عليه كأنه الآن ينهى..
فجرمه انقضى في الواقع.. لكنه لسوءه وقبحه كأنه مستمر
فالاتيان بهذا الفعل المضارع:-
لاستحضار الحال السيئة من هذا الشقي..
هل لهذا نظير في كلامك العادي؟ ممكن..
تقول: مررت على رجلين بالأمس, وأحدهما يَسُبُّ صاحبه..
المفروض: سبّ وانقضى, لكنك أتيت بالمضارع لاستقباح الحال التي عليها هذا الذي يسب..
فالتعبير بالمضارع يفيد هذا الشيء..
تقول مثلاً:-
المدرس يُلقى الدرس وأحدهم يتلفت في الدرس مع أنه تلفت وانقضى, لكن للتنبيه له, وبيان أن الالتفات لا يليق.. أوتي بفعل المضارع..
تبين لك الآن: السر بالاتيان بالمضارع..
الآية الحادية عشرة:
يقول الله تبارك وتعالى:
(أرأيت إن كان على الهدى (11) )
ونقول في (أرأيت) أعلمت كالتي قبلها أعلمت إن كان على الهدى..
الآية الثانية عشرة:
(أو أمر بالتقوى (12 ) )
والوصفان هنا لمن؟.. للنبي عليه الصلاة والسلام للعبد المذكور..
(أرأيت) يعني أعلمت (إن كان على الهدى)
ومع ذلك ينهاه أو ينهى عن الصلاة..
(أو أمر بالتقوى) وينهاه عن الصلاة..
كل هذا لا يليق, ولا يُقبل بحال من الأحوال..
هذا الوصف الذي أشارت إليه الآية.. يُفيد ويؤكد.. تقبيح وعِظم ما أقدم عليه هذا المشئوم..
يعني: أعلمت أنه ينهى عبداً إذا صلى وهو على الهدى..
وهو على التقوى ويأمر بالتقوى..
فهذا هو معنى الآيتين اجمالاً.. معناهما
تقبيح والتشنيع على هذا.. وأنه فعل فعلاً لمن لا يستحقه..
قال الله تعالى:- (أرأيت إن كان على الهدى)
بحيث كان مستقيماً مستمراً عليه.. كذلك
(أمر بالتقوى) إذن خيره متعدً..
بحيث يأمر غيره بالتقوى..
فمثل هذا.. حقه الاحترام والاتباع والتأييد ليس حقه أن يُنهى..
الآية الثالثة عشر:
قال الله تعالى:
(أرأيت إن كذب وتولى (13) )
هذا هو تصوير لحال هذا الذي ينهى عبداً إذا صلى.. هذا الناهي.. أرأيت إن كذب وتولى.. إذن هو على أقبح حال.. أنه كذب النبي عليه الصلاة والسلام وتولى.. وتولى عنه وأعرض..
إذن.. هذا الجرم لا يُقبل منه بحال من الأحوال..
لأنه لو كان هذا الفعل من أحد عنده قبول, عنده شيء من التصديق, لكانت المسألة إلى حدٍّ ما.. مقبولة..
لكن حاله ما ذُكِر.. وهو أيضاً على أقبح حال في نفسه.. أنه (كذب وتولى) هذا ظلم إلى ظلم.. على حد قولهم حَشَفٌ وسوء كيل..
قال الله تعالى: (أرأيت إن كذب وتولى) ثم توعده الله عز وجل قال:
الآية الرابعة عشر:
(ألم يعلم) ويدرك
(بأن الله يرى) فالله سبحانه وتعالى يرى يعني يُشاهد ويطلع على كل ما حصل..
وهذه.. بحدّ ذاتها زجرٌ لكل متهور متسلط على أحدِ من عباد الله..
يُقال: ألم يعلم بأن الله يرى..
إن قال: نعم أعلم.. نقول: استعد إذن لعقوبة الله عز وجل العاجلة أو الآجلة..
فإن قال: لا أعلم بأن الله يرى.. فنقول له: أنت الآن كافرٌ بالله عز وجل -.. كيف تعتقد أن الله الخالق.. لا يرى.
إذن.. أنت كافر ملحد..
إذن.. الآية الكريمة فيها من التهديد.. ما هو واضح..
- ألم يعلم بأن الله يرى
ثم عادت الآية للتهديد.. بأسلوب آخر..
الآية الخامسة عشر:
قال الله تعالى:-
(كلا) ونقول فيها ما قلنا في أختها كلمة ردع وزجر..
(لئن لم ينته لنسفعاً بالناصية)
لئن لم ينته.. عما توعد به النبي عليه الصلاة والسلام ويُقلع عن هذا الذي لا قِبل له به.
قال الله تعالى: (لنسفعاً بالناصية)
قوله (لنسفعاً) الألف التي في آخر الفعل هذه يقولون منقلبة عن نون.. وأصلها..
لنسفعن ن خفيفة.. وهذه النون الخفيفة هي نون التوكيد.. مثلما تقول: لأضربن, لآكلن نون توكيد.. لكنها كتبت بالألف يقولون: مراعاة للوقف..
على هذا:-
لو وقفت وقفاً اختبارياً أو اضطرارياً على نسفعن ستقف
كلا لئن لم ينته لنسفعا بالألف..
وإن وصلت.. معلوم أنها بالنون..
إذن.. نقول..
إن الله تعالى توعد هذا, بأنه إن لم ينته عما أقدم عليه.. فإن الله تعالى.. سوف يسفع منه بالناصية
فما هو السفع الذي تُوعِد به؟
السفع.. هو القبض.. ولكن ليس قبضاً عادياً..
بل قبضٌ.. جمع وصفين:-
- جمع الشدة - وجمع القبض
فهو سفعٌ يعني قبضٌ شديد، وكذلك فيه جذب يعني تقبض وتجذب.. هذا هو السفع
قال الله تعالى: (بالناصية)
هذه محل السفع, أنه يُقبض بالناصية.. قبضاً شديداً, وكذلك يُجذب جذباً شديداً..
والناصية معروفة.. هي مقدم الرأس..
ولذلك..
مَرّ عليك في صفة الوضوء.. أن النبي عليه الصلاة والسلام أنه مسح العمامة والناصية..
والناصية مقدمة الرأس..
قال الله تعالى: (لنسفعاً بالناصية)
إذن.. سوف يُقبض مع ناصيته ويُجذب..
والقبض مع الناصية.. يكون بواسطة الشعر الذي يكون عليها.. فيُقبض من هذا ويُجذب..
ما حال هذه الناصية؟ ما صفاتها؟.
الآية السادسة عشر:
قال الله تعالى: (ناصيةٍ كاذبةٍ خاطئة)
هذا وصفها.. أنها ناصية كاذبة..
وكذلك.. خاطئة..
يقولون: إن الآية الكريمة هي باعتبار صاحبها..
ناصية كاذبة يعني صاحبها..
خاطئة يعني صاحبها..
لأن الناصية جزء من الإنسان.. فهي ليست محل التهديد, ومحل العقاب بذاتها.. لكن:-
المتُوَعَد والمُهَدد هو نفس الإنسان
إذن: ناصية كاذبة خاطئة المعني بذلك صاحبها
وهذا معروف.. أن العقاب لن يكون على الناصية وحدها بل سيكون على صاحبها..
وقوله تعالى (كاذبة) هذا وصف الناصية بأنها كاذبة..
يعني مُكذبة, وكذلك هي في ذاتها:-
كاذبة لما تنقله..
والمراد صاحبها كما أسلفت
(خاطئة) يعني آثمة..
ومن باب الفائدة:-
هناك: فرق بين خاطئة ومخطئة:-
أيهما أقبح؟ خاطئة.. لماذا؟
لأن الخاطئة عن عمد..
والمخطئة عن جهل أو عن غير تعمد..
مَرّ بجانبك شخص فضربت يده يدك مخطئة..
ثم لما نبهته..
أمرّ يده بقوه على يدك أصبحت خاطئة..
إذن:-
في الأول غير آثم..
وفي الثانية آثم..
إذن: نعود.. فنقول إن الله تعالى عاب على هذا الشخص هذه الصفة.. أن ناصيته كاذبة خاطئة..
- أصحاب الاعجاز القرآني.. العلمي.. يذكرون شيئاً في قوله (ناصية كاذبة خاطئة) ويقولون إن الله تعالى.. أضاف الكذب والخطيئة إلى الناصية.. قالوا: لأن الناصية هي محل ذلك..
الناصية التي هي جزء من الرأس.. هي محل التكذيب ومحل الخطأ, فمركزه في ذلك المكان..
وهذا ليس ببعيد لأن الله سبحانه وتعالى جعل لكل شيء قَدْراً.. ومكاناً في البدن
فإن كان كذلك.. فالأمر واضح وإن لم يكن فالمراد على كل حال.. صاحبها..
إذن.. هذا وعيد لهم..
الآيتان السابعة عشر و الثامنة عشر:
قال الله تعالى: (فليدعُ نادية, سندع الزبانية)
هذا تهديد لأبي جهل ليدعوا ناديهُ..
والنادي هو مكان الاجتماع..
ويقولون.. من باب الفائدة اللغوية.. أنه لا يُسمى نادياً إلا إذا كان أهله موجودين فيه
كيف ذلك؟.
يعني المكان بحد ذاته لا يُسمى نادي, متى يُسمى نادياً؟.
إذا اجتمعوا فيه.. يسمى نادياً..
وإذا انفضوا عنه.. يسمى مكاناً.. أو ما أشبه ذلك..
الشاهد هنا.. أن هذا توعد هذا فقال: فليدعُ نادِيَهُ
(فليدع ناديه (17 ) ) يعني:-
يدعو أصحابه.. الذين يجتمع معهم في ذلك المكان.. سواء كانوا من أولاده.. أو كانوا من عشيرته ومن يُجالسهم.. لِيَدْعُهْم يعني يناديهم..
فالمسـألة فيها تحدي..
قال الله تعالى:-
(سندعُ الزبانية ( 18 ) )
إذن.. شتان بين المدعوين..
هذا يدعو ناديَهُ.. رجال ضعاف..
وهذا وهو الله سبحانه وتعالى قال (سندع الزبانية)
والزبانية هم الملائكة..
والزبانية.. جمعٌ مفردها.. زباني..
ولكن:-
تسمية الملائكة بالزبانية فيها مراعاة للمعنى اللغوي..
لأنا قلنا: مفردها زباني..
إذن هي مشتقة من الزبن..
والزبن هو الدفع [ليس المنع]..
إذن.. هؤلاء الملائكة فيهم شدة.. حتى إنهم يدفعون من يقبضون عليه.. فغلب الوصف عليهم.. فسمْوا زبانية..
إذن..
تلاحظون أنه لا مقارنة ولا مقابلة بين نادي أبي جهل وبين من يدعوهم الله سبحانه وتعالى
لا مقارنة إطلاقاً..
إذن.. هذا وعيد شديد.. لهذا المتجرىُ..
(فليَدْعُ ناديهَ) قال الله تعالى (سندع الزبانية) إن كانت المسألة بالقوة, ولا مقارنة بل ولا مقاربة..
لما بيّن الله تعالى وعيده لهذا..
توجه لنبيه عليه الصلاة والسلام فقال:
الآية التاسعة عشر:
(كلا لا تطعه)
و(كلا) هنا.. كما قلنا في السابق.. إلا أنها ليست متعلقة بالتي بعدها.. إنما متعلقة بالتي قبلها..
بمعنى:
ردعٌ وزجرٌ له.. لا تطعه
قال الله تعالى ( لا تطعه) فيما يتهدد به ويتوعد..
ثم توجه إلى ربك..
(واسجد) (واقترب)
فأمر الله تعالى نبيه عليه الصلاة والسلام بالسجود..
لأن السجود قُرْبٌ من الله عز وجل ومناجاة.
لأن النبي عليه الصلاة والسلام يقول:-"أقرب ما يكون العبد من ربه وهو ساجد"..
وهذا الحديث لعله والله أعلم مقتبس من الآية..
وكثيراً ما يتكلم النبي عليه الصلاة والسلام هو في بعضه جمل أو كلامٌ من آية ما.. كذلك.. هنا..
إذن.. توجيه الله تعالى.. لنبيه عليه الصلاة والسلام -:-
أولاً: أنه لا يطيعه ولا يوافقه على ما هو فيه..
ثم:- ليتوجه إلى ربه.. وبالأخص السجود.. الذي هو قُرْبٌ من الخالق عز وجل
إذن.. هذه السورة كما تلاحظ.. سورة عظيمة..
أظهر الله تعالى فيها.. حق نبينا عليه الصلاة والسلام وبيّن فيها.. إثم هذا المتجرئ, وكيف أن حاله تردت إلى أن يقابل نبي الله عز وجل بل يقابل الله عز وجل في كلام ادعاه..


نسجل أموراً تتيسر في فوائد السورة العظيمة..
فوائد هذه السورة العظيمة:-
قال الله تعالى: (اقرأ باسم ربك الذي خلق (1) خلق الإنسان من علق (2))
1-الآية.. وما بعدها أيضاً.. واضح في:-
فضيلة القراءة في الشريعة الإسلامية كيف هي واضحة:-
أولاً: هي أول كلمة في السورة (اقرأ)
ثانياً: وأيضاً.. هي أول سورة نزلت على النبي عليه الصلاة والسلام ففضيلتها على القراءة من هذه الناحية.

2- يستفاد من هذه الآية والآية التي بعدها أيضاً..
أن القراءة.. والكتابة أيضاً (لأنه لا يمكن أن يقرأ إلا لشيء مكتوب).. فضل من الله عز وجل..
كيف ذلك:-
لأنه إذا صار يقرأ ويكتب.. فهذه مصلحة, وتنقضي بها أيضاً حوائج..

3- يستفاد من هذه أيضاً: أن العِلْمَ يُقيد بالكتابة..
وهذه مسألة مهمة.. لأن بعض الناس.. يهتم بالعلم, لكن لا يُقيد العِلْم.. ويعتمد على أنه فَهِمَ المسألة, ووضحت عنده..
ثم ما هي إلا فترة تطول أو تقصر.. يبحث عما فهمه, فإذا هو نسيه.. يبحث عما فهمه وإذا هو ضاع بعضه.. أو انقلب عليه.. فالعلم يُقيد بالكتابة..
فلذلك.. أنا أحثُ الأخوان على أن يُقيدوا معلوماتهم بالكتابة ولا يقول هذه سهلة فإنها تكررت علينا.. أنت لا تدري عن مستقبلك.. ربما يعتريك شيءٌ من النسيان..
ربما لا تنساها بعينها, لكن تنساها في موضعها.. يعني لو تذكرتها من مكتوبك استفدت منها.. وإن كانت عندك في ذهنك بالجملة..
فأنا أقول: الكتابة هي سبب من أسباب تقييد العلم وكما قال الأول:-
العلم صيدٌ والكتابة قيده قيّد صيودك بالحبال الواثقة..
والكتابة ليست عيباً في الطالب أيضاً كان السلف الجهابذة الذين هم جبال في الحفظ كانوا يعتنون بالكتابة..
وقد ذكروا أن الإمام أحمد رحمه الله أنه لا يُحدِث إلا من كتاب.. مع أنه حافظ الدنيا في وقته, وبعد وقته والله أعلم.. لكن لا يُحَدِث إلا من كتاب, ولا يعتبر هذا نقصاً فيه, بل يعتبر هذا من ضبطه ومن ثقته..

4- يستفاد من قوله تعالى:
(كلا إن الإنسان ليطغى (6) أن رءاه استغنى (7) ) أن النعم.. قد تكون سبباً للطغيان عند من لم يقدرها قدرها..
وهذا شاهده في الواقع كثير.. فلذلك لابد من انتباه.. فكما أن الله تعالى يبتلى بالنِقَمَ كذلك يبتلى بالنعم.. وعليه الحديث الذي يُروى عن النبي عليه الصلاة والسلام فيما يذكره عن ربه: (إن من عبادي من لو أغنيته لأفسده الغنى وإن من عبادي من لو أفقرته لأفسده الفقر) فلكل ما يُناسبه لكن ليكن الإنسان على حذر.

5- من فوائد هذه السورة المباركة:-
بيان أن المرجع في الشأن كله إلى الله عز وجل
(إن إلى ربك الرجعى(8) )
وكما قال تعالى.. (ألا إلى الله تصير الأمور)

6- أيضاً.. مما تفيده السورة, من قوله
(أرأيت الذي ينهى (9) عبداً ..) الخ...
وعيد الله عز وجل لكل من حال دون خير..
فالذي يحول دون صلاة لمصلي مُتَوَعد..
الذي يحول دون صيام
الذي يحول دون تطبيق سُنّة ظاهرة أو خفية.. أيضاً هذا محل وعيد الله عز وجل

7- في قوله تعالى:
(أرأيت إن كان على الهدى (11) )
يستفاد من هذا أن الصلاة هدى, فالمصلي مَهْدي..

8- يستفاد من قوله تعالى:
(أرأيت إن كذب وتولى (13) ألم يعلم بأن الله يرى (14) )
احاطة الله سبحانه وتعالى.. بشؤون عبادة جميعاً المطيعين والعاصين.. والتي معنا الآن في العاصين..

9- يستفاد من الآيات الأخيرة في السورة.. وعيد الله عز وجل على من افتخر بجاهه بالباطل..
تؤخذ من قوله (فليدعُ ناديه (17) )

10- مما يستفاد من آخر السورة..
عِظَم الملائكة.. الذين منهم الزبانية الذين وصفهم الدفع بشدة..

11-ويستفاد أيضاً من آخر آية..
(كلا لا تطعه واسجد واقترب (19) )
فائدة مهمة..
وهي أن:- مما تُدفع به أذية أعداء الدين وكيدهم هو العبادة لله عز وجل
وعلى الأخص.. الصلاة.. التي بعضها سجود..
- وهذه الفائدة واضحة في الآية.. التي دل عليها قول النبي عليه الصلاة والسلام
"العبادة في الهرج كهجرة إليّ"
وهذه مسألة قد لا يتصورها الإنسان في بادئ الرأي.. فيقال:-
كيف الآن زمن أعداء وزمن فتن وزمن كيد, ثم تندبون الناس للعبادة.. تقولون لهم: صلوا وصوموا وما أشبه ذلك.. لكن نقول: لا غرابة..
لأن حفظ هذا الدين بالسبب الظاهر والسبب الخفي
السبب الخفي هو صلاح الأمة, واستقامة أهلها.
والسبب الظاهر هو بالجهاد ومنازلة الأعداء..
فأحدهما لا يُغني عن الثاني..
ولذلك.. كان الصحابة رضي الله عنهم قبل جهادهم أعدائهم.. كانوا يتفقدون الجيش فإذا وجدوه على عبادة وقيام ليل وصيام في النهار شرعوا في قتالهم القتال الحسي.. هذه مسألة لا تستهن بها..

إلى هنا.. ينتهي ما تيسر على السورة الكريمة..
سائلين الله عز وجل أن ينفع بكلامه.


التعليقات ( 0 )

جميع الأوقات بتوقيت جرينتش +4 ساعات. الوقت الآن هو 05:02 مساءً الجمعة 17 أكتوبر 1445.