• ×

د.عبدالرحمن الدهش

خطبة الجمعة 22-12-1432هـ نجاة إلاهيه

د.عبدالرحمن الدهش

 0  0  2.4K
زيادة حجم الخط مسح إنقاص حجم الخط

الحمد لله لا كاشف للكرب إلا هو ، و لا مُغيث للمستغيثين إلا هو ،
أمر بطاعته ؛ و وعد من أطاعه بنجاته و جنته ،
و حذر معصيته ؛ و تـوّعد من عصاه بدار نقمته و زوال نعمته ،
و أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، و أشهد أن محمداً عبده و رسوله صلى الله عليه و على آله و أصحابه و من دعى بدعوته و اهتدى بهديه ، و سلم تسليماً كثيراً ..
أمـا بعـــــــــــــد ؛؛
فإن الله تعالى يُقَدّر المصيبة ، و يُنزِل النازلة ، ليَرجِع العبدُ إلى ربه و يُقلِعَ عن غفلته و غَيِّه ..
{ و نبلوكم بالشر و الخير فتنة و إلينا ترجعون } ،
{ و إن يمسسك الله بضرّ فلا كاشف له إلا هو } ،

أيــــــها الأخـــــــــــــوة ؛؛
حدّث النبي صلى الله عليه و سلم أصحابه يوماً ..
حدثهم قصة الثلاثة الذين آواهم المبيت إلى غار ، فدخلوه ، و لم يَجرِ في خاطرهم أن هذا الغار هو محلُّ فتنة لهم ،
و على ضيقه إلا أنه مكان اتصال بربهم، و صدقٍ مع خالقهم ،
انحدرت صخرة عليهم من أعلى الجبل ، فسدّت عليهم الغار ، فعظُمت حينئذ مصيبتهم ، و انعدمت بالناس صلتهم ،
فقالوا فيما بينهم : " لا ينجيكم من الورطة ، و لا يزحزح عنكم الصخرة ، إلا القادر على كل شيء ، الذي يجيب المضطر إذا دعاه ، فادعوه ..
قال بعضهم لبعض : " ادعوا الله بصالح أعمالكم " ..
و هكذا ،، هكذا يتوجه العارفون ، ولا ييأس من روح الله إلا القوم الكافرون ..
- فقال أوَّلهم : " اللهم إنه كان لي أبوان شيخان كبيران ، و كنت لا أقدم قبلهما أهلاً و لا مالاً " ؛ أي لا أقدم في الشراب قبلهما أحدا ، فتأخر عليهما ليلة ، تأخر الرجل حتى نام أبواه قبل أن يأتي إليهما ، فلما وجدهما نائمَين ، انتظر استيقاظهما ، و القدح في يده ، و لم يرض أن يسقي صبيته قبل أبويه ، و لم يستيقظ أبواه حتى طلع الفجر..
قال : " اللهم إن كنت قد صنعتُ هذا ابتغاء وجهك ، فافرج عنّا ما نحن فيه" ، فانفرجت الصخرة شيئاً قليلاً ، لا يستطيعون الخروج معه .

- ثم تقدم الآخر ، و توسل إلى الله تعالى ، بتركه الفاحشة بابنة عمه التي يُحبها لما قالت له : " اتقِ الله ، و لا تَفُض الخاتم إلا بحقه " ،
فقال : " اللهم إن كنتُ فعلتُ ذلك ابتغاء وجهك، فافرج عنا ما نحن فيه" ، فانفرجت الصخرة غير أنهم لا يستطيعون الخروج..

- ثم تقدم الثالث ، و قال : " اللهم إني استئجرت أُجراء ، و أعطيتهم أجرهم ، غير رجل واحد ، ترك الذي له و ذهب ، فثمرت أجره حتى كَثُر ، فجاء بعد حينٍ يريد أجره ، فقلت : " كلُّ ما ترى من إبل و بقر و غنم و قطيع هو أجرك ." ، قال : " يا عبد الله لا تستهزيء بي " ، قلت :" لا أستهزيء بك" ، فأخرجه كله فاستاقه " اللهم إن كنتُ فعلتُ ذلك ابتغاء وجهك، فافرج عنا ما نحن فيه" ..
فانفرجت الصخرة ، انفرجت ، فخرجوا يمشون ، هذه قصتهم رحمكم الله

قصــــــــــة عجيبــــــــة ، و كــــربٌ عظــــــــيم ، و مـــــــوت مُحَـــــقق ، نــــــجى الله مــــــنه ،
{ و كذلك يُنْجي الله المؤمنين } ..

فمن أعظم عـــــــــــــبر و فــــــــــوائد هذه القصة :
- فضيلة اخلاص العمل لله ..
فيعمل المؤمن من أجل الله ، لا يريد من أحدٍ جزاءً و لا شكوراً ..
- اخلاصهم كان سبباً في خلاصهم ..
فأوّلهم توسل إلى الله بعبادة عظيمة اخلصها لله ، توسل ببّرّ والديه ، و حرصه على راحتهما ، و عدم تنقيص النوم عليهما ، بل بايثارهما على أولاده ..
و حُبُّ الأولاد طبع ، و حُبُّ الوالدينِ طبعٌ و شرع ، و النفس ربما قدمت الطبعً على الشرع ، و لكن هذا غَلَّب الشرع على الطبع ، و هذا ما لا يستطيعه إلا من قَوي إيمانه ، و حَزَمَ مع نفسه ..

فيــــا من عَــــقَّ والديه ؛ أو أحدهما ، ماذا أعددت لنوائب الدهر ، ماذا أعددت للنوائب ، و نوازل المصائب ، أتتوسل لربك بعقوقك ، و تقديمك زوجك و ولدك ، بل أما علمتَ أن العقوقَ نفسه سببٌ للمصائب و النوازل ..
قال النبي صلى الله عليه و سلم - : ( اجتنبوا السبع الموبقات ) و ذكر منها ( عقوق الأمهات ) ..

- أما الرجل الثاني من الثلاثة ، فهو من ترك المُحَرَم لله ، نعم ، ترك المُحَرَم لله ، بعد أن تَمَكَّن منه ، و لم يَحُل دون ارتكابه حائلٌ إلا حائل التقوى ، حُرِّك في قلبه فتحَرك ، و ذُكِّر به فتذَكر ( اتق الله و لا تَفُضَّ الخاتم إلا بحقه ) ، فقام عن الفاحشة ، و انصرف عن الزنا ..
انصرف عن الزنا خاف مقام ربه ، فنهى النفس عن الهوى ..
قام عن الفاحشة تعظيماً لله ، ليس انطلاقاً نفسياً ، و اعراضاً لا إرادياً ، بل قام عن ابنة عمه و هي أحبُّ الناس إليه .. فأين هذا ..

أيـــــــــــن هـــذا ممن يبذل ماله ، و فكره ، و جهده ، و سلامة دينه ، يبذل هذا كله مقابل ما هو أقلّ من ذلك من نظرة ، أو نظراتٍ مُحَرمة ..
و يقال له اتق الله ، و يُخَوَّف بسطوة الله و قُرْبِ انتقامه ، { ثم لا يتوبون و لا هم يَذَّكرون } ، و الله تبارك و تعالى يقول : { يعلم خائنة الأعين و ما تُخفي الصدور ..
أيـــــــــــها الأخـــــــــــوة ؛؛
- ثالث الثلاثة تقرب إلى الله تعالى بالأمانة و حفظ حق الضعيف ، و لم يأكل عليه ماله بحجة أنه هو الذي تركه ، لِمَ لَمْ يأخذ مالًه ، هذا لَمْ يَقُلْـه ،
بل لم يقتصر عمل هذا أن حفِظ الأمانة على وجهها ؛ بل كان مُحسنا ، فنمَّى المال لصاحبه ، و لم يتردد بدفعه إليه ..
فغلب بهذا شُحَّ نفسه { و من يوقَّ شُحَّ نفسه فأولئك هم المفلحون } ، فتأمل هذا ..
تأمـــــله ، أيها المؤتمن على مال غيرك ، و يا أيها القائم على مال الأيتام ، و يا أيها الناظر على أوقاف أمواتٍ أو أحياء ، تأمل هذا ..
تأمل هذا أيها المُستهتر في أجرة ما استأجرته ..
تأمل هذا ثم تأمله ، أيها الكفيل في مرتبات من كفلته ، و في مستحقات من استخدمته ..
{ يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله و لتنظر نفسٌ ما قدمت لغد و اتقوا الله إن الله خبير بما تعملون } ..

بارك الله لي و لكم في القرآن العظيم ، و نفعني و إياكم بهدي سيد المرسلين ..
أقول قولي هذا ، و استغفر الله لي و لكم و لجميع المسلمين من كل ذنب ، فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم ..



الخطبــــــــة الثانيــــــــــــة : 9:50

الحمد لله على كل حال ، و نعوذ بالله من حال أهل الضلال ، و أشهد أن لا إله إلا الله الكبير المتعال ..
و أشهد أن محمداً عبده و رسوله الصالح في القول و الفِعال - صلى الله عليه - و على آله و أصحابه أولئك الرجال ، و سلم تسليماً كثيراً..

أمـا بعـــــــــــــد ؛؛
فقد رأيتم رحمكم الله و دريتم في قصة أصحاب الغار الثلاثة أموراً عِظاماً ..
و تبيَّن أنه لا ملجأ من الله إلا إليه ..
مهما زيَّن الشيطان للإنسان استغناءه عن ربه ، و استقلاله بنفسه ، إنها دعوى سرعان ما يتبين للإنسان زيفها ، و مخادعة نفسه عن طريق يتبين بطلانها ..
{ ثم إذا مسكم الضُّرّ فإليه تجأرون } ,
{ و إذا مسَّ الناسَ ضُرٌّ دعوا ربهم منيبين إليه } ،
{ أمَّن يجيب المضطر إذا دعاه و يكشف السوء و يجعلكم خلفاء الأرض أإله مع الله قليلاً ما تَذَكَّرون } ..
أدركــــوا هذا رحمكم الله و تبصروا به جيداً ، لا سيَّما في هذه الحِقبَة من الزمن و أنتم تسمعون و تتابعون أحداثاً عظيمة لإضطراباتٍ متنوعة ، تتابعون قتلاً و تفجيراً ، و حروباً و تدميراً ، شعوباً يموت بعضها في بعض ، و أنتم في منأى عن هذا كله .
لئن ابتلي أولئك القوم بفتنة الضراء و صروف الدهر ، فإنا نعيش فتنةً أخرى ، نعيش فتنة السراء ، و نعمة التمكين في الأرض و رغد العيش ، و هذه الفتنة الابتلاء فيها لا يَقِلُّ عن الابتلاء في فتنة الضراء ,,
و الله تبارك و تعالى يقول : { و نبلوكم بالشر و الخير فتنة } ..

فاصــــدقوا الله عبــــــــــاد الله اصدقوا الله ، و اعلمـــــــــــوا
أنَّ للنِعَـــم قيّـــداً تقيّـــد به ؛ و هــــو شُـــكرها ، و بـــذلها فيما يُعين على طاعة الله ، و أنّ لها أسباباً تزول بها ، و تُمحَقُ بركتها ، و ذلك إذا استعين بها على ما يبغض الله ، أو كانت سبباً في ترك ما أوجب الله و الوقوع في محارمه .

عبـــــــــــــاد الله ؛؛
تعرف يا عبدَ الله على الله في الرخاء ، يعرفك الله تعالى في الشدة حينما يهجم عليك ما لا طاقة لك بدفعه من مرض أو قلق نفسيّ ، أو حاجة من حوائج الدنيا لك فيها مصلحة استعصى عليك حصولها ، و الله كاشف المُهِمَّات ، و مُزيلٌ بلطفه الكربات ..
فاحفـــــــــــظ الله يا عبدَ الله يحفظك ..

فاللهم احفظ علينا ديننا ، و احفظ علينا أمننا ، و احفظ لنا إمامنا ، و لا تؤاخذنا بما فعل السفهاء منا ..
اللهم أصلح لنا ديننا الذي هو عصمة أمرنا ، و أصلح لنا دنيانا التي فيها معاشنا ، و أصلح لنا آخرتنا التي إليها معادنا ، و اجعل الحياة الدنيا زيادة لنا في كل خير ، و الموت راحة لنا من كل شرّ .

اللهم أصلح أحوال المسلمين في كلِّ مكان .
اللهم هيء للمسلمين من أمرهم رَشَداً ، اللهم أصلح أحوال المستضعفين في بلاد الشام ، اللهم هيء لهم فرجاً عاجلاً ، و تمكيناً عاجلاً ، اللهم عليك بالذين يصدون عن سبيلك ، و يؤذون عبادك ، اللهم عليك بهم فإنهم لا يعجزونك .
اللهم أصلح أحوال المسلمين في كلِّ مكان ، مكِّن لهم في ديارهم ، و آمنهم في دورهم ، و استر عوّراتهم ، و آمن روعاتهم ،
يا قوي يا عزيز ، يا من بيده مقـــاليد الأمور ، و هو على كل شيءٍ قدير .

عبــــــــــــاد الله ؛؛
حاجتنا إلى ربنا في غيث السماء لا تزال مستمرة فارفعوا أكفكم علَّ الله سبحانه و تعالى يجيبكم :
اللهم أنت الله ، اللهم أنت الله ، لا إله إلا أنت ، الواحدُ الأحد ، تفعل ما تشاء ، و تحكم ما تريد ، اللهم اسقنا الغيث و الرحمة ، و لا تجعلنا من القانطين ، اللهم اغثنا ، اللهم اغثنا ، اللهم اغثنا ..
اللهم إنا نستغفرك إنك كنت غفاراً ، فأرسل السماء علينا مدراراً ..
اللهم إنا خَلقٌ من خلقك ، ليس بنا غنىً عن فضلك ، اللهم فأنزل علينا غيث السماء ، و لا ترد دعائنا بعيوبنا ، و لا تحرمنا بذنوبنا ، و لا تؤاخذنا بما فعل السفهاء منا ، نتوب إليك ربنا و نستغفرك ، لا حول لنا و لا قوة إلا بك .
اللهم استجب دعائنا ، اللهم استجب دعائنا ، اللهم استجب دعائنا ..
اللهم صلِّ و سلم على عبدك و نبيّك محمد ، و على آله و صحبه أجمعين



التعليقات ( 0 )

جميع الأوقات بتوقيت جرينتش +4 ساعات. الوقت الآن هو 04:28 صباحًا السبت 18 أكتوبر 1445.