• ×

د.عبدالرحمن الدهش

خطبة الجمعة 15-12-1432هـ

د.عبدالرحمن الدهش

 0  0  2.4K
زيادة حجم الخط مسح إنقاص حجم الخط

[size=5]

الخطبــــــــــة الأولــــــى : إن الحمد لله نحمده و نستعينه و نستغفره.. و نعوذ بالله من شرور أنفسنا و سيئات أعمالنا ، من يهده الله فلا مضل له، و من يضلل فلا هادي له ، و أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، و أشهد أن محمداً عبده و رسوله صلى الله عليه و على آله و أصحابه و من سار على دربه إلى يوم الدين، و سلم تسليماً كثيراً .. أمـا بعـــــــــــــد ؛؛ فما أقرب القاصي من الداني .. و كل ما هو آتٍ فإنه آتي .. تطلع الناس إلى حج بيت الله ، فاستعَدوا و بادروا ، و ودعهم أهلون داعين لهم بالتيسير و القبول و العود الحميد .. فأتمّ الله للحجاج حجهم بموسم متميّز ، فضلاً من الله و نعمة .. و طُويت أيام الحج : يوم عرفة ، و ليلة مزدلفة ، و يوم الحج الأكبر، و أيام التشريق ، و ليالي مِنى .. طُويَت أيامٌ أُودعت أعمالاً عِظاما ، ليجدها أهلها أحوجَ ما يكونون إليها .. { يوم تجد كل نفسٍ ما عملت من خيرٍ مُحضراً } .. أُودعت في كتابٍ عند من أحصى كل شيء عدداً ، و كلهم آتيه يوم القيامة فرداً .. { في كتابٍ لا يضل ربي و لا ينسى } .. ثم لا يعودون لهذه العبادات العظيمة ، و المواسم الكريمة ، إلا من عام قابل .. و الله أعلم من يدركها ، و هو أعلمُ بمن يُدركه مُفَرِق الجماعات .. { فإذا جاء أجلهم لا يستأخرون ساعة و لا يستقدمون } .. فاحمدوا الله تعالى على فضله ، و اشكروه على تيسيره .. و نية المؤمن خيرٌ من عمله .. فأبواب الخير للراغبين مُشْرَعة ، و طرق تحصيل الثواب متنوعة .. و جماع ذلك كله ، تقوى الله عز و جل - ، و هي وصية الله للأولين و الآخرين ، و لا أنفع من وصية الله .. { و لقد وصينا الذين أُوتوا الكتاب من قبلكم و إياكم أن اتقوا الله } .. و النبي صلى الله عليه و سلم يقول : ( يا معاذ ؛؛ اتق الله حيثما كنت ، و اتبع السيئة الحسنة تمحها ، و خالِق الناس بخلق حسن ) .. فأَمَر النبي صلى الله عليه و سلم بتقوى الله في كل مكان ، في حضر و سفر ، في سِرّ و علانية ، حيثما كنت .. ثم بعد تقوى الله عز و جل مجتهداً في فعل أمره ، تاركاً كل نهيه ، يأتي التسديد و الإصلاح لما قد يقع فيه العبد من زلة إثر غفلة ، أو معصية بسبب جهالة ، ( و اتبع السيئة الحسنة تمحها ) .. { إنّ الحسنات يذهبن السيّئات } .. معــــاشر الأخـــــــــــوة ؛؛ السيئة .. نكتة سوداء في صحيفة ابن آدم ، و إنما سُميّت سيّئة لأنها تسوء صاحبها ، فهي ضيقٌ في صدره، و سبب لنزع البركة من عمره و عمله و ماله ، و هي كذلك حسرة في آخرته .. { يوم تجد كل نفس ما عملت من خير محضرا و ما عملت من سوء تودّ لو أن بينها و بينه أمداً بعيداً } .. إن نعمة الله تعالى على العبد بالعمل الصالح نعمةٌ عُظمى ، الناس غافلون ، و أنت مشتغلٌ بعبادة الله .. رَخُصت أوقات قومٍ فهم على لهوهم يُقيمون .. و أنت أدركت فضائل الأوقات ، و تبصرت مواسم الأجور ، فَشَحّت نفسك بدقائقها ، و استمسكت بلحظاتها ، فماذا بعد نعمة العمل؟ .. بعد نعمة العمل ، تأتي نعمة القَبول .. و معنى القبول أن عملك مرضيٌ عند الله عز و جل - ، موافق لسنة نبيه صلى الله عليه و سلم .. فهو مسطر في صحيفة حسناتك تزداد به درجاتك ، و يَحُطُّ الله به ما شاء من سيّئاتك .. و استمع ، استمع إلى خسارة من عمل عملاً لم يُصادف قبولاً عند الله .. يقول الله تبارك و تعالى : { وجوه يومئذٍ خاشعة (*) عاملة ناصبة (*) تصلى ناراً حامية (*) } فهي خاشعةٌ ذليلة ، أجهدت نفسها .. عاملة نصبت أي تعبت من العمل ، ثم نهايتها تصلى ناراً حامية .. لأنها كانت مرائية في عملها ، فهي خاشعة خشوع النفاق ، أو هي عاملة على وفق الهوى ليس على وفق الهدى .. هم على يهودية محرفة ، أو نصرانية باطلة ، و مِن هؤلاء الفرق التي أجهدت نفسها بعبادات ما أنزل الله بها من سلطان ، فهم من أصحاب تعظيم القبور ، و تأليه الأسياد ، و الترنم بالأدعية و التوسلات الشركية . { خسر الدنيا و الآخرة ذلك هو الخسران المبين } .. فاطلب يا عبد الله اطلب القبول بعد تيسير العمل .. { و إذ يرفع إبراهيم القواعد من البيت و اسماعيل ربنا تقبل منا إنك أنت السميع العليم } .. فأحسِن الظنّ بالله ، مع خوفك بأن يكون في عملك شيئاً من موانع القبول و ردّ العمل. ألا و إن من أعظم أسباب عدم القبول العُجبَ بالعمل ، و المنة به على الله .. { قل لا تمنوا عليّ اسلامكم بل الله يمنّ عليكم أن هداكم للإيمان } و الله تبارك و تعالى يقول لنبيه صلى الله عليه و سلم : { و لا تمنن تستكثر } .. قال الحسن البصري في معنى الآية : " لا تمنن بعملك على ربك تستكثره " .. و قد أثنى الله تبارك و تعالى على الذين عملوا و اجتهدوا و مع ذلك خافوا عدم القبول .. { و الذين يؤتون ما آتوا و قلوبهم وجلة أنهم إلى ربهم راجعون } أي يعطون العطاء ، و هم خائفون وجلون ألا يُتقبل منهم ، لخوفهم أن يكونوا قد قصروا في القيام بشرط الإعطاء .. و هذا من باب الاشفاق و الاحتياط .. فعن عائشة رضي الله تعالى عنها قالت : ( يا رسول الله { الذين يؤتون ما آتوا و قلوبهم وجلة } من هؤلاء أهو الذي يسرق و يزني و يشرب الخمر و هو يخاف الله عز و جل - ؟ ، قال : لا يا بنت الصديق و لكنه الذي يصلي و يصوم و يتصدق و هو يخاف الله عز و جل - ) رواه أحمد .. و في رواية ( لا يا ابنة الصديق ، و لكنهم الذين يصلون و يصومون و يتصدقون و يخافون ألا يُتقبل منهم ) .. فأعظم يا عبد الله أعظِم الرجاء ، و أكثر الدعاء ، و الزم الاستغفار ، فمهما حرص الإنسان على تكميل عمله ، و على تحصينه ، فإنه لا بد من نقص أو تقصير .. و بالاستغفار بعد العبادات يُسَدُّ الخلل ، و يُستدرك ما فات .. { ثم أفيضوا من حيث أفاض الناس و استغفروا الله إن الله غفور رحيم } .. أيهــــــــــا العبــــد الموفــــــــــــق ؛؛ العمل الصالح ، شجرة مباركة بالسقي تزداد ثمارها، و تُورق أغصانها ، و سقيها بالعمل الصالح .. فمن علامة القبول ، صلاح الحال بعد العمل الصالح ، و الاتيان بعمل صالح آخر .. فالحسنة بعد الحسنة منَّة و نعمة ، و دليل على صدقٍ و رغبة .. فمن فضل الله و رحمته أن يُكرم عبداً من عباده إذا فعل حسنة ، و أخلص فيها لله ، أن يفتح له باباً و هِمَّة إلى حسنة أخرى ليزداد قُربه ، و تبقى صلته بخالقه .. قال الله تبارك و تعالى : ( ما تقرب إليَّ عبدي بشيء أحبَّ إليَّ مما افترضته عليه ، و لا يزال عبدي يتقرب إلي بالنوافل حتى أُحبه ، فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به ، و بصره الذي يبصر به ، و يده التي يبطش بها ، و رجله التي يمشي عليها ، و لئن سألني لأعطينه ، و لئن استعاذني لأعيذنه ) .. فالله ،، الله ،، بدوام العمل أقول قولي هذا،، و استغفر الله لي و لكم من كل ذنب، فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.. الخطبــــــــة الثانيــــــــــــة : الحمد لله رب العالمين ، و العاقبة للمتقين ، و لا عدوان إلا على الظالمين .. و أشهد أن لا إله إلا الله رب العالمين ، و أشهد أن محمداً عبده و رسوله بلغ عن ربه البلاغ المبين صلى الله عليه و على آله و أصحابه و من سار على دربه إلى يوم الدين .. أمـا بعـــــــــــــد ؛؛ فعظموا ما عظَّم الله ، و اعلموا أن حياة الإنسان الحقيقية هي بطاعة الله عز و جل - .. فبالطاعة يطمئن الإنسان في حياته ، ألا بذكر الله تطمئن القلوب .. و يأمن في عيشه ، و يهتدي في أموره .. { الذين آمنوا و لم يلبسوا إيمانهم بظلم أولئك لهم الأمن و هم مهتدون } .. و الطاعة يا عبـــــــــــــاد الله ؛؛ سبب لتفريج الكربات ، و الخروج من الورطات .. { و من يتق الله يجعل له مخرجاً و يرزقه من حيث لا يحتسب } .. و الطاعة أيهـــــــا الأخــــــوة - ؛؛ سبب للبسط في الرزق ، و التوسعة في العيش .. { و ألوا استقاموا على الطريقة لأسقيناهم ماءً غدقاً } .. و يبقى فوق كل ذلك ، أن الطاعة سبب لنيل رحمة الله التي يدخل الإنسان بها الجنة.. { تلك الدار الآخرة نجعلها للذين لا يريدون علوّاً في الأرض و لا فساداً و العاقبة للمتقين } .. { و من يؤمن بالله و يعمل صالحاً يدخله جناتٍ تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها أبداً قد أحسن الله له رزقاً } .. أيــــــــــــها الأخـــــــــوة ؛؛ إنّ الله عز و جل أمر بالتحدث بالنعمة بقوله : { و أما بنعمة ربك فحدث } .. و إنَّ من حج هذا العام ، أو كانت له متابعة لبعض أحوال الحجاج ، و ما جَدَّ في المشاعر يرى جهوداً هناك لا بد أن يقال لصاحبها " جزاك الله خيراً " .. فالزحام الذي كان عند رمي الجمار في الأعوام السابقة يوشِك أن يُقضى على سببه بتلك التوسعة الكبيرة لمكان رمي الجمار ، ثم بهذه الجسور الضخمة التي قامت على أعمدة كالجبال فيها طبقات متعددة ، ثم هاهو قطار يقلهم من منازلهم إلى مشاعرهم ليؤدوا مناسكهم .. من رأى ذلك ، علم أن للبيت رباً يحميه ، و قد هيأ أناساً صادقين في معالجة مشاكل الحج أتبعوا القول الفعل .. فالدعاء لهؤلاء بالسداد ، و مزيد التوفيق و الرشاد ، لا يقوى عليه إلا الناصحون لأمتهم و لحكومتهم ، بل و لأنفسهم .. و الدعاء للمحسن بإحسانه ، هو اعتراف لأصحاب الفضل بفضلهم .. و الله تبارك و تعالى يقول : { و لا تنسوا الفضل بينكم } . فاللهــــــــــم وفق ولاة أمرنا لما تحب و ترضى .. اللهم اجزهم على ما قدموا خيراً من عندك ، و تمكيناً في أرضك ، و محبة و نصحاً لهم في القول و العمل من خلقك .. اللهم و ابعد عنهم كل بطانة السوء ، تسعى لمصلحتها و لو أضرّ بغيرها .. اللهم و اجعل فيما فتحت به علينا من خزائن الأرض ، و أغدقته علينا من النعم ، اللهم و اجعل في ذلك البركة ، تقام به أمور الدين ، و تُستصلح به أمور الدنيا .. فاللهم استعملنا في طاعتك و أعنا على ذكرك .. اللهم تقبل من الحجاج حجهم ، اللهم تقبل من المضحين ضحاياهم .. اللهم أجزل للعاملين ثوابهم .. ربنـــــا إننـــا ظلمنا أنفسنا و إن لم تغفر لنا و ترحمنا لنكونن من الخاسرين .. اللهم أصلح أحوال المسلمين في كل مكان .. اللهم هيء للمسلمين من أمرهم رشدا .. اللهم أصلح أحوال المسلمين في بلاد الشام ، و اكتب لهم فرجاً عاجلاً ، و ولي عليهم خيارهم ، و احقن دماءهم ، و آمن روعاتهم ، اللهم مكّن لهم في ديارهم ، يا حــــــــــــي يا قــــــــوي يا عـــــزيز يا رب العالمين .. اللهم أًصلح أحوال المسلمين في كل مكان .. ربنا لا تجعلنا فتنة للقوم الظالمين ، و نجنا برحمتك من القوم الكافرين .. ثم ارفعوا عباد الله قلوبكم بعد رفع أيديكم ، علَّ الله سبحانه و تعالى أن يغيثنا .. اللهم أنت الله لا إله إلا أنت ، الواحد الأحد ، الفرد الصمد ، الذي تحكم ما تشاء ، و تفعل ما تريد .. اللهم تابع علينا فضلك ، اللهم أنزل علينا غيث السماء .. اللهم أغثنا ، اللهم أغثنا ، اللهم اسقنا الغيث و الرحمة ، و لا تجعلنا من القانطين ... اللهم سقيا رحمة لعبادك تحيي به البلاد ، و ترحم به العباد ، يا حـــــــــي ، يا قيــــــوم .. اللهم عاملنا بفضلك ، و اسبغ علينا نعمتك ، و لا تحرمنا بذنوبنا ، و لا تردنا بعيوبنا ، و لا تؤاخذنا بما فعل السفهاء منا .. لا إله إلا أنت ، لا حول لنا و لا قوة إلا بك ، سبحانك إنك أنت العزيز الغفار .. اللهـــــــــــــــــــم استجب دعائنا .. و صلِّ اللهم على نبينا و على آله و أصحابه أجمعين .. 



التعليقات ( 0 )

جميع الأوقات بتوقيت جرينتش +4 ساعات. الوقت الآن هو 04:58 مساءً الجمعة 19 سبتمبر 1445.