• ×

د.عبدالرحمن الدهش

خطبة الجمعة 17-10-1432 هـ

د.عبدالرحمن الدهش

 0  0  3.8K
زيادة حجم الخط مسح إنقاص حجم الخط

الحمد لله جعل في أخبار السابقين عبرة وعظة للمتأملين وخص منهم الأنبياء والمرسلين ففي قصصهم عبرة لأولي الألباب ، ليحيى من حيّ عن بينة ، ويهلك من سبق عليه الكتاب وأشهد أن لا إله إلا الله رب الأرباب ، وأن أن محمداً عبده ورسوله أمر بالتوكل مع أخذ الأسباب صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الحساب وسلم تسليماً كثيراً ، أما بعد : فإن من حكمة الإنسان ورجاحة عقله ألا يطالب غيره بما لا يستطيع تحقيقه ، وألا ينشد هو أيضاً لم يقارفه ، بل يقارف مقدماته من هنا وجب على الإنسان أن يوطن نفسه على نقص الآخريين وقصور فيهم ونقص منهم ، فهو لا يزال يغض الطرف ويتقاضى عما يمكن التغاضي عنه ، فلا يضخم الأخطاء ، ولا يفتش عما يخفي ، ولا يعيد ماضياً ذهب بحره وقره وبرجه وعجره . عباد الله : لقد سعدنا كثيراً وسعدت مجتمعاتنا بزواجات كثيرة ، سعى كثير من الأولياء في تحقيقها وإتمامها ، فهم مبتهجون بتلك الزواجات إدراكهم أنها خطوة صحيحة في حفظ أبنائهم وتحصين مجتمعاتهم ، وإرغام مريدي الفساد لشبابهم ، وحق علينا بعد هذا أن نتواصى فيما شأنه أن يديم هذه الرابطة الشرعية والعلامة الفطرية . أعلم أيها الموفق ، أن هناك أموراً كثيرة للمحافظة عليها ومراعاة جانبها تدوم بإذن الله ــ الحياة الزوجية ــ وتستمر الشركة العمرية وتتحقق آية الله في السكن إلى الزوجة ( ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجا لتسكنوا إليها وجعل بينكم مودة ورحمة إن في ذلك لآيات لقوم يتفكرون ) نعم عباد الله إنه سكن إلى الزوجة ، وليس سكن معها فحسب ، بل هو سكن إليها ، فيه معنى الاستقرار والهدوء والطمأنينة وكيف لا يكون كذلك وعماده الرحمة مع المودة ، وليست مودة المصالح فتقضى بانقضاء تلك المصلحة بل إنها مودة تقترن بالرحمة ، فهي علامة روحية تمتد مدى الحياة ، ويرجو المؤمن وصلها بعد الممات في ظلال الجنات ( إن أصحاب الجنة اليوم في شغل فاكهون هم وأزواجهم في ظلال على الأرائك متكئون ) ( جنات عدن يدخلونها ومن صلح من آبائهم وأزواجهم وذرياتهم ) . معاشر السامعين : إن لدوام هذه العلاقة الزوجية أسباب كثيرة : فمن اسباب نجاح الزواج ودوام العشرة ، تعظيم عقد النكاح والرابطة بين الزوجين ، وفي خطبة حجة الوداع يقول النبي صلى الله عليه وسلم  استوصوا بالنساء خيراً فإنما هن عوان عندكم أي : أسيرات أخذتموهن بأمان الله ، واستحللتم فروجهن بكلمة الله ) رواه مسلم وغيره . تعظيم عقد النكاح من تعظيم حرمات الله ( ومن يعظم حرمات الله فهو خير له عند ربه ) ، ومن تعظيم عقد النكاح أو قبله تم قبلها والتزم بها طائعاً مختاراً فلا يحل له نقضها ، بل ولا التحدث بنقضها والتهديد بعدم الوفاء بها أو أنه يدعي أنه وافق إكراماً لمجلس العقد أو حياء من وليها ، كل هذا لا يغني عن واجب الوفاء شيئاً ، فمن شرط عليه أن تعمل زوجته ، أو أن تكمل دراستها ، أو فرضت عليها زيارات محددة لأهلها ، أو نحو ذلك فواجب عليه أن يفي بالشرط ، والنبي صلى الله عليه وسلم يقول : " إن أحق الشروط أن توفوا بها ، ما استحللتم به من الفروج ) متفق عليه . أيها ألأخوة :حينما يذكر وفاء الأصهار بالشروط والعهود ، لا نغفل ذلك العهد الوفي الشهم اذلي قال فيه النبي صلى الله عليه وسلم ، وهو يخطب أصحابه : حدثني فصدقني ، ووعدني فوفى لي ، أتعرفه ؟ هو أبو العاص ابن الربيع ــ صهر النبي صلى الله عليه وسلم في بنته زينب حدث النبي صلى الله عليه وسلم ، حينما أسر مشركاً مع أسرى بدر ، أنه إذا أطلق سراحه وخلصه من الأسر ورجع إلى مكة ليبعثن بزينب إلى المدينة ، وكانت وقتها من المستضعفات في مكة ، لم تستطيع أن تهاجر مع أبيها ، ففك اسر أبي العاص ورجع إلى مكة ، فوفى رضي الله تعالى عنه ، ملتزم به وأرسل زينب إلى أبيها معززة مكرمة فأكرم بابي العاص من صهر ، وأكرم بالوفاء من خلق . أيها ألأخوة : فمن أوجبه الله تعالى في النكاح ــ وهو من أسباب نجاحه المعاشرة بالمعروف ، والحذر من ظلم النساء واحتقارهن ، أو استغلال ضعفهن والنبي صلى الله عليه وسلم يقول : اللهم إني أحرج حق الضعيفين اليتيم والمرأة ، من المعاشرة بالمعروف ، بل هي أهمها ، العناية بالدين وإنكار المنكر على الزوجة ــ إن وجد ــ فلا تقر أهلك على منكر علمته ، لا تقرهم على تساهل في صلاة أو على قطيعة رحم ، أو تساهل في حجاب ، أو نقص في حشمة أو حياء ، فالرجال قوامون على النساء . ومن المعاشرة بالمعروف : ـ واستمع هذه جيداً ــ الترفع عن مال الزوجة وعن مرتبها والدندنة حول مرتبها متابعة لاستلامه ، ثم تدقيق في صرفه ومناقشتها فيما تدخره ، كل هذه دناءة تحط من قدر الرجل ، ما لم يكن سبب شرعي لهذه المتابعة ، وإلا فالمرأة حرة في مالها بما شاءت وتهب والديها وأقاربها من مالها ما شاءت ، وتقرض من مالها ما شاءت لمن شاءت / فرقفاُ بنفسك أيها الزوج ، ولا تكن الدنيا سبباً في كرهك لأهلك ، والتضييق عليهم ، وأن تدب الغيرة على غير وجهها الشرعي . من المعاشرة بالمعروف : ألا يغيب الزوج عن البيت غياباً غير معتاد فيهجر بيته الساعات الطوال ، وربما ألأيام والليالي يقضي وقته مع أصحابه في سفر أو حضر ، وأهله يحتاجون إلى من يزيل وحشتهم ويقضي حاجاتهم ، ويعينهم على أمور دينهم ودنياهم . من أسباب نجاح الزواج : أن يتغافل الزوج عن ماضي زوجته ونخص بهذا حديث الزواج ، فلا يفتش عن سالف زمن مضى وسبق وماضي قد ذهب فهذه مجلبة للشكوك ، وسبب للظنون السيئة وليس الغبي السيد في قومه ، لكن سيد قومه المتغابي ، فقد أخذتها برضا ، فابن علاقتك على الرضا ، ثم الحذر من المقارنة التي تعود بالزهد بالنعمة التي بين يديك ، فالذي خلق الخلق ، فرق بينهما لحكم ومصالح والدنيا والدين قاما على إقرار الفروق ، وإثبات التباينات الخلقية والخلق ( انظر كيف فضلنا بعضهم على بعض ، وللآخرة أكبر درجات وأكبر تفضيلاً فاشكر نعمة الله عليك بهذا النكاح ، فلا تبدل نعمة الله كفراً ، والزواج من أعظم الأسباب لغض البصر ، فأحفظ بصركم عما لا يحل النظر إليه من النساء الأجنبيات في الأسواق أو المستشفيات أو عبر وسائل الإعلام ، فيوشك من صار يقلب نظره بالنساء الكاشفات الكاسيات العاريات ويوشك أن يصرف الله قلبه عن زوجته عقوبة عاجلة ، ثم يتعلق قلبه بتلك العاهرات السافلات حاملات الإيدز ، فلا يزال يلاحقهن عبر القنوات . إن من أهم أسباب نجاح الزواج ، هو قناعة الزوج بزوجته ، ورضاه بما قدر الله له ، فإن لم تحصل القناعة التامة فليسدد وليقارب ثم ليعلم أنما قد يفوت من الجمال في خلقتها وحسن وجهها ، قد يجده في خلقها خدمة لزوجها وقياماً على مسؤوليتها أو تجده في طيب أصلها أو معدن عائلتها ، وفي هذا يقول النبي صلى الله عليه وسلم : لا يغرك مؤمن مؤمنة أي لا يبغض ــ إن كره منها خلقاً رضي منها خلقاً آخر ) رواه مسلم ، وربنا عز وجل يقول : ( وإن كرهتموهن فاصبروا عسى أن يكون في صبركم ) عليهن مع الكراهة عسيى أن يكون فيه خير لكم في الدنيا والآخرة . ربنا هب لنا من أزواجنا وذرياتنا قرة أعين واجعلنا للمتقين إماماً . الخطبة الثانية الحمد لله وكفى ، وصلى الله وسلم على نبيه الذي اصطفى وعلى أله ومن بهداهم اقتدى ، وسلم تسليم كثيراً ، أما بعد : فلا تنس يا عبدالله ، لا تنس آية الزوج الزوج الموفق حق من كان سبباً في وجودك ، فلا لا تنس حق والديك اللذين فرحا بك حملاً ، ثم ابتهجا بك طفلاً رضيعاً ، يريان في كل حركة دلالة على مستقبل مشرف ، يتفاءلون في الكلمة متعثرة في فمك ، وتسرها الحركة البريئة في طبعك ، فأنت سراج بينهما وسعادة حياتهما ، ثم ها أنت الشاب الذي قد تكاملت بنيته وتسامت أفكاره وعلت منك أهمته فهما يبحثان لك عن زوجة تكون لك قراراً وسكنا لنفسك وعونا لك في مستقبل عمرك ، وغاية مقصودهما سعادة في زواجك وطمأنينة في حياتك ، يرقبان لك ذرية صالحة ، فهي امتداد حياتهم وريحانه عيشهما ، فمن هذه أوصافهم ، كيف ينسى فضلهم؟ ومن تلك معروفهم وإحسانهم ، فما موقفك من إحسانهم ، ألا فلتعلم قول الله تبارك وتعالى ( هل جزاء الإحسان إلا ألإحسان ) والنبي صلى الله عليه وسلم يقول : ( من لا يشكر الناس لا يشكر الله ) أجل أيها الابن الموفق ــ إن من الأخطاء التي يقع فيها بعض المتزوجين لجهل أو غفلة ، يجهل حقيقة الأمر أو يتغافل عنه ، وعن سوء عاقبته ، وهو نسيان لحق الوالدين أو تناسي لهذا الحق العظيم ، فبيت قام على تعميش حق الوالدين مما أقرب أن يهوي على عروشه وأن يخر السقف على من فيه حتى وإن ادعى أنه ساكن قريب منهم ، لم يغادر حبهم بل وإن قال أنه فضل البقاء مهم في بيتهم واكتفى بجزء من أجزاءه وقنع به ، كل هذا لا يغني عن القيام بحق الوالدين ، ومراعاة شعورهما ، وإبداء المنة لهما ، فشكرهما بعد شكر الله عز وجل ( ان اشكر لي ولوالديك ) ثم اعلم أنك مهما فعلت أيها الزوج من تسجيل ومقاربه ، فلن تستطيع أن تنهي بيتك من الخلاف العارض ومن نزعات الشيطان الجامحة ، ولو خلا بيت من الخلافات لخلا منه بيت النبي صلى الله عليه وسلم ، ولكن الشأن والكيس كيف يقضى على الخلاف في مهده وكيف تحتوى المشكلة حتى لا ينفخ الشيطان فيها فتصبح معضلة يتعسر حلها ، إن من أهم ما يذكر به أن تبقى المشكلة في حدود البيت ، فلا تخرج خارج جدرانه ، فإدخال الأهل من الرفين أو تدخلهم في المشكلة هو في الغالب وقود لها ، ويتحول ما ليس بشيء من القضية إلى أن يكون شيئاً ، وليس الزوجان في طلب الحل للمشكلة والخصومة ولينصف كل منهما صاحبه من نفسه ، ولا يمنعنك أيها الزوج المبارك من الرجوع إلى الحق وإبداء الأسف وعدم التمادي ، لا يمنعنك عن ذلك شيء ، فالحق ضالة المؤمن والتمادي في الخطأ خطأ أخر ، واحذر أن تأخذك العزة بالإثم أو تظن أن رجوعك منقصة في قدرك أو أنه يحبط من كرامتك فكل بني آدم خطاء ، وخير الخطاءين التوابون . اللهم أصلح بيوت المسلمين ، واجعلها عامرة بطاعتك ، مجتمعة على محبتك ، اللهم انشر الطمأنينة والسكينة في بيوتنا واجعلها بيوتاً مؤسسة على البر والتقوى .



التعليقات ( 0 )

جميع الأوقات بتوقيت جرينتش +4 ساعات. الوقت الآن هو 07:39 مساءً الثلاثاء 14 أكتوبر 1445.