• ×

د.عبدالرحمن الدهش

من حسن إسلام المرء‎

د.عبدالرحمن الدهش

 0  0  8.6K
زيادة حجم الخط مسح إنقاص حجم الخط

إن الحمد لله نحمده ونستعينه ، ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا ،من يهدي الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له وأشهد أن لا إله إلا الله ... أما بعد :- فإن خير الحديث كتاب ، وخير الهدي هدي رسول الله ألا وأن من هدى رسول الله ذلكم الميزان الذي يزن به الإنسان أعماله دقيقها وجليلها قوليها وفعليها علانيتها وسرها . ذلكم فيما حدث به النبي صلى الله عليه وسلم أصحاب يوم أن سأل جبريل عليه السلام سأل عن الإحسان فقال عليه الصلاة والإسلام" الإحسان أن تعبد الله كأنك تراه فإن لم تكن تراه فإنه يراك " إن هذا الميزان وهذه القاعدة العظمى تستقيم بها أحوال المسلم وتصلح علانيته وسره وتستوي حضرته وغيبته فهمه مراقبة الله أشفق من ذنبه وخاف أن يرد عمله بذنبه ألمَّ به . إن من تمثل هذا التوجيه في حياته في بيته مع أسرته وأولاده في وظيفته ، في متجره وسوقه في صناعته ومهنته استشعر رؤية الله له حين أوصد باب بيته وحين انفرد يسير في سيارته . إن من كان هذا شأنه لا شكَّ أن حياته سوف تتغير ملامحها ، وسوف تأتي إليه السعادة والطمأنينة من أوسع أبوابها ، وإن من تمثل هذا التوجيه في حياته سوف يجد في نفسه وفي نقصانها مشغلاَ شاغلاَ عن عيوب الآخرين وتقصانهم . فطوبى لمن شغله عيبه عن عيوب الناس . وهنيئاً لمن اشتغل بما يعنيه عما لا يعنيه فقد روي عن النبي صلى الله عليه وسلم ما أخرجه الترمذي وغيره وقال النووي إن الحديث حسن (من حسن إسلام المرء تركه ما لا يعنيه) ، وإن كثيراً من الناس في غفلة عن تطبيق هذا الحديث فانشغلوا فيما لا يعنيهم عما يعنيهم فعاد ذلك إساءة في إسلامهم وفاتهم من حسنه بقدر ما اشتغلوا به ، ووقع طائفة من هؤلاء في أعراض إخوانهم على وجه الغيبة أو البهتان وربما نقل كلاماً من شخص لآخر بقصد الإفساد بينهما فوقع في النميمة التي هي من أسباب عذاب القبر . عباد الله : وإن من انشغال بما لا يعني تتبع عورات الناس والتطلع على أسرار البيوت من الجيران والأقارب وغيرهم فيصبح هم بعض الفضوليين من الناس معرفةَ ماذا يفعل فلان في بيته ؟ وكيف يقضي وقته ؟ وبماذا ؟ وكيف يعامل أهله وأولاده ؟ وما مقدار مرتبه ودخله ؟ وكيف يصرفه في حاجته وشؤونه فتجده إذا سأل ألحًَّ، وإذا خاطب استدرج كأنه بعث على الناس رقيباً، ولأعمالهم شهيداًَ، وإن هذا مع ما فيه من السؤال المذموم الذي كرهه الله لنا ومع ما فيه من التدخل فيما لا يعني سبب لسوء العشرة وكراهية الناس لهذا الفضولي واستثقالهم مجالسته ولقد أدَّب الله صحابة نبيه صلى الله عليه وسلم الذين تابعوا بعض المنافقين ووقعوا في شيء مما تناقله المنافقون وروجوه حول براءة أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها عاتبهم بقوله (لولا إذ سمعتموه ظن المؤمنون والمؤمنات بأنفسهم خيراً وقالوا هذا إفك مبين) وقال (لولا إذ سمعتموه قلتم ما يكون لنا أن نتكلم بهذا سبحانك هذا بهتان عظيم يعظكم الله أن تعودوا لمثله أبداً إن كنتم مؤمنين) إذن يا عباد الله: الكلام في الناس لا سيما في أعراضهم والتتبع لشؤونهم هو من صفات المنافقين الذين يسوؤهم أنت تصفو الحياة للمسلمين أو أن تستقيم سيرتهم فعملوا على التنقيب عما خفي من أحوالهم ودقائق أسرارهم لا لقصد النصيحة وإنما يسعون في الأرض فساداً (وإذا قيل لهم لا تفسدوا في الأرض قالوا إنما نحن مصلحون) وإن من ذلك ما ابتلي به مرضى القلوب من التعرف على أحوال الناس والكشف عن خفاياهم عن طرق صغار أهل البيت وصبيانهم سواء كان ذلك مباشرة أو عن طريق الهاتف فيستنطقونهم ويسألهم الأسئلة الكثيرة وهؤلاء الصغار يجيبون بمقتضى براءتهم وصدق نيتهم وربما كذب هذا الصبي لسبب أو لأخر فأصبحت المسألة قضية كبرى، والذي تولى كبرها وأوقد نارها سؤال هذا الفضولي . ألا فليتق الله هذا الصنف من الناس وليدع الناس وأسرارهم فإن للبيوت أسراراً يجرُّ تتبعها على أهلها شروراً وأضراراً . ولينقبوا عن عيوبهم وليراقبوا أنفسهم وليعلموا أن من علامة إعراض الله عن العبد أن يجعل شغله فيما لا يعنيه . وقال بعض السلف : كلام العبد فيما لا يعنيه خِذلان من الله عزَّ وجلًَّ . نعوذ بالله من الخذلان أيها الناس إن التمييز بين ما يعني وما لا يعني يحتاج لفقه دقيق ونظر فاحص فليس مما لا يعني أن يسأل الإنسان عن أهله وأولاده ويتفقد أحوالهم وأصحابهم وجلساءهم ، وليس مما لا يعني أن تتبع أخبار المفسدين وأن يراقب نشاطه المخربين ممن لهم ولاية في ذلك بل إن هذه كله مما يعني، بل مما يجب لأنه من تمام الرعاية والولاية التي ولاهم الله إياها كل بحسبه (كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته) وإن الاشتغال بما لا يعني كما هو في الكلام وإطلاق اللسان يكون أيضاً في عيره من مدراك الإحساس عند الإنسان فلقد رأى النبي صلى الله عليه وسلم : رجلاً يطلع في بعض حجره فقام إليه يختله ومعه مشقص (وهو آلة حادة) يريد أن يطعنه في عينه . وقال النبي صلى الله عليه وسلم (لو أن رجلاً اطلع عليك بغير إذنك فحذفته بحصاة ففقأت عينه ما كان عليك جناح) . كل هذا حفاظاً على حرمات الناس وصيانة لأعراضهم ودفعاً للفضولية والتطلع لما لا يعني . فنسأل الله أن يشغلنا بما يعنينا عما لا يعنينا ويشغلنا بطاعته عن معصيته ... أقول قولي هذا ... الثانية : الحمد لله الذي بصر أولياءه بمواقع نقصهم فكملوا، ووفقهم لما ينفعهم من الأعمال فشمروا . أحمده حق حمده ، وأصلي وأسلم على صفوة خلقه . أما بعد :- فبعد أن عرفت يا عبد الله أن تركك ما لا يعنيك هو من حسن إسلامك فاجتهد رحمك الله في تحسين إسلامك وأن ذلك شاق على نفس تعودت التطفل والتتبع لأمور الآخرين فلا بد في ذلك من مجاهدة النفس ومنع فضولها واستشعار مراقبة الله تعالى لأعمالك، وأيام الإجازة هي أيام فراغ تذهب على بعضهم اشتغالا فيما لا يعني، فأين هم من قوله تعالى (ما يلفظ من قول إلا لديه رقيب عتيد ) فيا من سود صحائف أعماله بالقيل والقال وكثرة السؤال ! كيف حالك إذا ملئت صحائف قوم بالذكر والتسبيح وكل عمل صالح ؟ وملئت صحيفتك بالسؤال عن حال فلان مع زوجه ولم طلقها ؟ وعن فلان ولماذا سافر ؟ إلى غير ذلك من أمور لا تعنيك بل إن الغفلة عنها أحسن في إسلامك وأسلم لقلبك . (ومن حسن إسلام المرء ترك مالا يعنيه) فألفاظك يا بن آدم محسوبة وأنفاسك معدودة فاجتهد في عمادة وقتك بما يكون سبباً في نجاتك يوم القيامة واعلم أن مما يكب الناس على وجوههم أو مناخرهم حصائد ألسنتهم . وقد نفى الله الخير عن كثير مما يتناجى به الناس بينهم فقال تعالى: ( لا خير في كثير من نجواهم إلا من أمر بصدقة أو معروف أو ا صلاح بين الناس ) ولقد بشر النبي صلى الله عليه وسلم من حسن إسلامه بما رواه أبو هريرة عن رسول الله صلى الله عله وسلم أنه قال (إذا أحسن أحدكم إسلامه فكل حسنة يعملها تكتب بعشر أمثالها إلى سبعمائة ضعف، وكل سيئة يعملها تكتب بمثلها حتى يلقى الله عز وجل ) رواه مسلم اللهم إنا نسألك حسن الإسلام وسلامة القلب من لآثام . اللهم أصلح لنا أقوالنا وأعمالنا . ثم صلوا - رحمكم الله على نبيكم الذي ما ترك خيراً إلا دلكم عليه ولا شراً إلا حذركم منه . اللهم صل على محمد ... اللهم ارزقنا محبته وإتباعه ظاهرا وباطناً ، اللهم احشرنا في زمرته واسقنا من حوضه، اللهم ارض عن صحابته وأزواجه وذريته ومن اقتدى بهديه واتبع سنته . اللهم أصلح أحوال المسلمين في كل مكان ، اللهم ول عليهم خيارهم واكفهم شر أشرارهم . اللهم اشغل المسلمين بما فيه عزهم وصلاح دينهم ودنياهم ، اللهم قِ المسلمين الفتن ما ظهر منها وما بطن . اللهم وفق ولاة أمورنا لما تحب وترضى وجنبهم ما لا ترضى اللهم اغفر لنا ولوالدينا ولجميع المسلمين الأحياء منهم والميتين برحمتك يا أرحم الراحمين . عباد الله: اذكروا الله يذكركم واشكروه على نعمه يزدكم ولذكر الله أكبر والله يعلم ما تصنعون .



التعليقات ( 0 )

جميع الأوقات بتوقيت جرينتش +4 ساعات. الوقت الآن هو 05:48 صباحًا الأربعاء 15 أكتوبر 1445.