• ×

د.عبدالرحمن الدهش

خطبة الجمعة 24-12-1433هـ بعنوان إلا ثلاث

د.عبدالرحمن الدهش

 0  1  12.2K
زيادة حجم الخط مسح إنقاص حجم الخط
الحمد لله
أما بعد :-
فالأعمار قصيرة، والأعمال قليلة، والأماني عريضة، والنقلة من هذه الدنيا قريبة، غير بعيدة .
ولكن الله لطف بعباده فسد نقصهم، وعوض ضعفهم، ومن عليهم بوصل في أعمالهم بعد انقطاع آجالهم، فهو في عالم الغيب عاين ما يوعد به ومع ذلك فأجره لم ينقطع .
فما أعظم الربح، وأكرم بهذه التجارة!
يقول الله تعالى (إنا نحن نحيي الموتى ونكتب ما قدَّموا وآثارهم)
(فما قدموا) هي أعمالهم التي باشروها، وحرصوا عليها في حياتهم .
فعلوا ما استطاعوا من الواجبات، واستعانوا بالله على ترك المنهيات تمثلوا قول النبي صلى الله عليه وسلم (ما نهيتكم عنه فاجتنبوه وما أمرتكم به فائتوا منه ما استطعتم)
فهل لك أيها الموفق بعمل بل بأعمال لا ينقطع أجرها بانقطاعك من الدنيا فهي أجور تتوالى عليك يرفع الله بها درجاتك، ويحط بها من خطيئاتك .
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث : صدقة جارية أو علم ينتفع به أو ولد صالح يدعو له ) رواه مسلم .
فأولها الصدقة الجارية فهي ليست لقمة أكلها فقير، أو لباسا أبلاه مسكين، بل جارية يتعاقب أناس على الانتفاع بها، يرثها جيل بعد جيل إلى ما شاء الله فما أعظم النفع !
فمن الصدقة الجارية الأوقاف التي تسمى الأسبال كبناء المساجد والمدارس لتعليم العلم النافع ودور القرآن، وكذا المساكن للفقراء واليتامى ونحوهم .
وكل شيء تبقى عينه فهو من الصدقة الجارية الذي ينفع الله به.
فالصدقة الجارية هي وقف، والوقف: هو تحبيس الأصل وتسبيل المنفعة لعموم المنتفعين فلا يباع، ولا يورث ولا يوهب
وحينما يذكر الوقف فلا ننسى الوقف الأول في الإسلام وقف الفاروق عمر بن الخطاب يقول ابن عمر: أصاب عمر أرضا بخيبر فأتى النبي صلى الله عليه وسلم يستأمره فيها، فقال يا رسول الله: إنى أصبت مالا بخيبر لم أصب مالا أنفس عندى منه فما تأمرنى فيه ؟ فقال: إن شئت حبست أصلها وتصدقت بها غير أنه لا يباع أصلها ولا يوهب ولا يورث قال فتصدق بها عمر في الفقراء وفي القربى والرقاب وفى سبيل الله وابن السبيل والضيف لا جناح على من وليها أن يأكل منها بالمعروف أو يطعم صديقا غير متمول فيه" وفى لفظ "غير متأثل" متفق عليه .
وفي هذا الحديث عدة دلالات لعلها تبقى على ذكر منك فأول ما يلحظ في هذا الوقف أن عمر رضي الله عنه استشار في وقفه ماذا يفعل به وأين يجعله ؟
وهذا هو الذي يتعين على كل من أراد أن يوقف بيتاً أو مزرعة أو غيرها فاستشر طلبة العلم والعارفين بأحوال الناس وحاجة البلد الذي توقف فيه ولا تمش على طريقة الأجداد والآباء السابقين؛ فلكل زمن ما يناسبه فلقد كانت الأضحية والعشاء في رمضان، أو عموماً من أنفس الصدقات .
وأما الآن فقد وسع الله على المسلمين فصارت الوصايا بهذه من أكلف الوصايا وأقلها نفعاً وصار الورثة يتدافعونها كل يتنصل منها ويرجو السلامة من مسؤوليتها
فالحكمة والنصح للموصي أن يقال انظر إلى ما يكون أكثر حاجة للناس، ووسع دائرة النفع وأعط صلاحية للوصي بتبديل ونقص وزيادة حسب المصلحة بعد المشاورة وقد سمعت مصارف وقف عمر رضي الله عنه
فتصدق بها عمر في الفقراء وفي القربى والرقاب وفى سبيل الله وابن السبيل والضيف لا جناح على من وليها أن يأكل منها بالمعروف أو يطعم صديقاً.
فاجعل في وقفك مجالا لإطعام الطعام والكسوة في داخل البلد وخارجها .
وكذا دعما للمناشط الدعوية وطباعة الكتب والأشرطة والبرامج الحاسوبية النافعة والمواقع الالكترونية الموثوقة .
وكذا علاج المرضى وشراء الأدوية وتأمين الأجهزة الطبية لغسيل الكلى أو غيرها
ولا حرج عليك أن تجعلها استقلالا أو مشاركة إن قل مالك (ولكل درجات مما عملوا) .
فالمشاركة في العمل وإن كان أصل الوقف قائماً، واحتاج إلى توسيع أو تطوير فإن للمشارك ما يرجى لصاحب الأصل، وفضل الله واسع وهذا ما فهمه الصحابة رضي الله عنهم لما أراد عثمان (رضي الله عنه) توسيع مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم
فعن عبيد الله الخولاني: أنه سمع عثمان بن عفان يقول عند قول الناس فيه حين بنى مسجد الرسول صلى الله عليه وسلم إنكم أكثرتم أي بالإنكار عليه - وإني سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول ( من بنى مسجدا يبتغي به وجه الله بنى الله له مثله في الجنة )
فاعتبر عثمان رضي الله عنه تجديد المسجد وتوسعته داخلا في العمارة وموعودا صاحبه ببيت في الجنة .
فطيبيوا نفساً يامن ساهمت في عمارة مسجد أو تجديده على قلة من مالكم أو وفرة .
أيها الإخوة: لا يخفاكم أن الأوقاف كي يستمر نفعها فلا بد لها من ناظر ناصح فبعد أن وفقك الله لما وقفته تبتغي بذلك وجه الله فانظر بعد ذلك فيمن يكون ناظراَ يقوم على الوقف بعمارة أو إصلاح إن لزم ذلك، وكذا بجمع دخله وتفريقه واختيار الأنفع من جهات الصرف وهذه الأعمال ليست بالهينة في زمن الأشغال والانشغال فأعينوا أيها الموقفون النظار على نظارتهم وذلك بجعل نصيب من الوقف مقابل النظارة ولا تتكل على احتساب الناظر أو كونه من أولادك الصالحين فالنفوس قد تستشرف لشيء من المال إذا خرجت غلته فاقطع استشرافها بنصيب مجزئ وبالغ فيه ثم الناظر إن استعف أعفه الله وإن أخذ فهو أجرة أحلها الله .
أما ثاني الأعمال التي لا ينقطع بها الأجر وبستمر بها الفضل (فعلم ينتفع به من عبيده)
فأين المعلمون في المدارس والمعاهد والكليات والحلق في المساجد وغيرها؟
إي، والله تقول الكلمة أو تلقي الدرس ثم ينقلب المستمعون بعلم نافع تستنير به قلوبهم وتنشرح به صدورهم ويعرفون من خلاله شيئاً من شرعهم فتتهذب النفوس وتستقيم به السلوك وتحسن به الأخلاق فيكون ذلك عملا مستمرا ثم هذا المتعلم سوف ينقل شيئاً من علمه بقوله أو حاله إلى غيره فلا تزال سلسلة الأجر ممتدة لا ينقص ذلك من أجورهم شيئاً .
مع ما في ذلك من الذكر الحسن لمعلمي الناس الخير فضلاَ عن الأجر واستغفار الملائكة .
ومن العلم النافع من وفقه الله فألف كتاباً أو كتب مقالا نافعاً، أو سطر تغريدة فتناولتها الأيدي فقرئت في حياته أو من بعده .
أيها الأخ المبارك: لا يقف بك الطموح فتظن أن العلم النافع للعلماء وطلاب العلم فخذ ما تستبشر به !!
ألم تعلم ولدك من صغره توحيد الله، وتعرفه من نبيه ؟ .
أتذكر حينما كنت تقول له: من ربك؟ فيجيب بلسان الطفولة لا يكاد يبين الحروف .
ثم تسأله من نبيك؟ فيجيب بلسان مثله .
سبحان الله هل هذا من العلم الذي ينتفع به !!
إذن من أي شيء! .
فلعلك تقول: لقد علمته الصلاة ودربته الصيام وحسن إلقاء السلام، وأنا آخذه لأقاربي ليتعود على صلة الأرحام
فأقول هنيئاً لك العلم النافع وقد بذلته في أخص الناس بك .
فاللهم وفقنا للعلم النافع وتعليمه .
أقول قولي هذا ...

الحمد لله
فثالث الأمور التي يستمر الأجر فيها للإنسان بعد موته
يقول فيه النبي صلى الله عليه وسلم (أو ولد صالح يدعو له)
أنتكلم عليها أو ندعها في زمن غفل فيها الأبناء عن الآباء الحيين فالغفلة أكبر عنهم ميتين !
أنتكلم عليها في زمن يتخطف فيها الأبناء من محاضن آبائهم فهم نهب للقنوات وضحايا الأنترنت !
أنتكلم عليها وأنتم تشهدون التسابق الغربي على أعلى المستويات ومن كبرى القيادات الغربية الكافرة يدفعون ويباركون جهود التغريب في هذه البلد المباركة، ويطالبون بالمزيد، زاعمين تحرير المرأة، وتنوير البلد .
(ويمكرون ويمكر الله والله الماكرين)، (ولا يحيق المكر السيئ إلا بأهله)
وعزاؤنا وقوتنا قول الله تعالى (وإن تصبروا وتتقوا لا يضركم كيدهم شيئاً إن الله بما يعملون محيط)
فالله احفظ بلاد وبلاد المسلمين من الذين يدعون الإصلاح وهم يفسدون .
إذن معاشر الإخوة والله لا ندعها، وقد عدَّها النبي صلى الله عليه وسلم وإن ند بعض الأبناء وركبوا الشطط من أمرهم فالأمل لم ينقطع وعودة الأبناء لرشدهم قريبة بتوفيق الله، ثم بدعاء آبائهم الذين يرجون دعاء أبنانهم .
يقول النبي صلى الله عليه وسلم (أو ولد صالح يدعو له) فأول درجات صلاح ابنك أن يراك صالحا في نفسك قدوة مشرفة له فأنت الأب المبادر للصلاة، المعظم لحرمات الله، فأنت مثاله المشرق في حفظ بصرك وسمعك وجوارحك، لا يحفظ عنك كلمات العهر والكذب والخيانة إن سئل عنك شرف أن يقول: هو ابن فلان لم يتردد أو يتلعثم؛ لأنه يعلم أنه سوف يقابل بعبارات التكريم والاحترام .
فكن لابنك كما تحب أن يكون لك، والجزاء من جنس العمل وبهذا تعد ولدا صالحاً !.
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (إن الله ليرفع الدرجة للعبد الصالح في الجنة فيقول : يا رب أنى لي هذه ؟ فيقول : باستغفار ولدك لك) رواه أحمد قال ابن كثير: إسناده صحيح ....
اللهم اغفر لآبائنا وأمهاتنا وجازهم عنا خيراً ....



التعليقات ( 0 )

جميع الأوقات بتوقيت جرينتش +4 ساعات. الوقت الآن هو 07:40 صباحًا السبت 18 أكتوبر 1445.