• ×

د.عبدالرحمن الدهش

خطبة الجمعة 26-8-1434هـ بعنوان استقبال رمضان

د.عبدالرحمن الدهش

 0  0  3.3K
زيادة حجم الخط مسح إنقاص حجم الخط
الحمد لله ، يبدئ ، ويعيد ، وهو الغفور الودود ، ذو العرشِ المجيد . وأشهد ألا إله إلا الله فعَّال لما يريد ، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله أفضل الأنبياء وأكمل العبيد صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه ذوي الرأي السَّديد ، ومن سار على دربهم إلى يوم المزيد .
أما بعد:-
فمن منا معاشر الإخوة يضيف ضيفاً قرب مجيئه، وحانت وفادته، وهذا الضيف لن يطيل المقام فينا لأنه دورته لا بد أن يتمها، فهو مغادر حسب سنة كونية، ودورة فلكية.
فهو جاد في مجيئه، وهو جاد في مغادرته ورحيله!!
لن يحابي أحداً، ولن ينظر متأخراً.
أتدري من ضيفنا ؟
إنه ضيف هو المضيف! لنا يأتي كل عام في مثل هذا الوقت يعرض بضاعة ربانية، ومسابقة إيمانية تزيد بها درجات الجادين، وتسمو فيها نفوس الراغبين، وفي هذا فليتنافس المتنافسون .
من حقه عليك أيها المسلم ألا تتقدم بين يديه بصيام يوم ولا يومين إلا لمن كانت له عادة في شيء من ذلك فعن أبي هريرة رضي عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :" لا تقدموا رمضان بصوم يوم ولا يومين إلا رجل كان يصوم صوماً فليصمه " متفق عليه .
هذا الضيف سوف يسألك عن أيام طويت، وشهور سلفت فاللقاء بهذا الضيف مضى عليه أحد عشر شهراً، فشهر الضيف هو الشهر الثاني عشر .
حول كامل ..
فلله كم من ليلة سلخنا منها النهار
(وآية لهم الليل نسلخ منه النهار)
فخذها عظة ليالي تسلخ وهي منك يا ابن آدم تنهش وتسلخ.
ضيفك القادم سيسألك عن وجوه لم يرها، ونفوس لم يعد يسمع نفسها، وكانت ممن استقبلته في العام الماضي وابتهجت بقدومه، وباركت ببلوغه !
كانت على وجه الأرض معنا تمشي، وفي مجالسنا تحضر وتتكلم وتحدث وتنبي .
فأين هم الآن ؟
فخذها عظة ثانية !!
نعم طويت أعمارهم، ثم طويت صحائفهم إلى يوم يلقون ربهم .
فليس لهم من صيام، ولا قيام إلا ما قدموا.
(ومن مات انقطع عمله) (وأن ليس للإنسان إلا ما سعى)
أيها المبارك: هذه حالنا وحال ضيفنا.
تفرطت منا الأيام حتى حضر المستقبل، وعاينا الغائب فصار شاهدا حاضرا.
يقلب الله الليل والنهار في سرعة لا نشعر بها (لا تقوم الساعةُ حتى يتقارب الزمان فتكون السنة كالشهر ، والشهر كالجمعة ، وتكون الجمعة كاليوم ، ويكون اليومُ كالساعة، وتكون الساعة كاحتراق السَّعَفَة في النار) حديث صحيح رواه أحمد وغيره
فاتقوا الله عباد الله وتأمَّلوا سرعة الأيامِ، وتفلت الأعوام !
(وتلك الأيام نداولها بين الناس وليعلم الله الذين آمنوا)
عباد الله : إنَّ الناس يستقبلون شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن . شهراً جعل الله صيام نهاره فريضة ، وقيام ليله نافلة .
شهراً تواترت النصوص في بيان فضله، وعظيم أجره، تعددت فيه أسباب المغفرة والرحمة، فمن حرمها فهو المحروم ، ومن فرط فيها أو بعضها فهو الملوم .
إنَّ الناس يستقبلون رمضان على أصناف شتى فمنهم المسلم البالغ العاقل المقيم السالم من الموانع فهذا يجب عليه الصيام أداء ، طاعة لله وامتثالاً لأمره وشكراً لله على نعمته قال الله تعالى (فمن شهد منكم الشهر فليصمه) .
والقسم الثاني ممن يستقبلون رمضان ، وهم عاجزون عن صيامه عجزاً مستمراً لكبر أو مرض فهؤلاء لا صوم عليهم لعجزهم عنه ، ويطعمون عن كل يوم مسكيناً فيطعم عن كل يوم بيومه أو يجعلها بعد عدد من الأيام أو يطعم في آخر الشهر عن جميع الشهر يخرجها طعاماً مطبوخاً أو حباً .
ولا يصح أن يخرجها قبل الشهر أو قبل اليوم لأنَّه لم تلزمه
وليعلم هؤلاء العاجزون عن الصيام أنهم شركاء للصوَّام مادامت نيتهم الصوم ولكن حبسهم العذر .
القسم الثالث : من شقَّ عليه الصوم لمرض عارض نزل به، أو ثبت أنَّ الصيام يؤخر برءه ، أو يزيد في مرضه فهذا بفطر ، والله يحب أن تؤتى رخصه ثم إذا أذن الله بشفائه صام الأيام التي أفطرها لقوله تعالى (فمن كان منكم مريضاً أو على سفر فعدة من أيام أخر ) .
وإن تضرر بالصيام حرم عليه الصوم لقوله تعالى (ولا تقنلوا أنفسكم) .
القسم الرابع: الرجل الذي سقط تمييزه لكبر أو حادث فصار يهذي ويخرف فهذا لا صيام عليه ولا إطعام لأنه أشبه الصبي غَيْر المميز إذ لا تكليف عليه .
ومثله المغمى عليه فلم يع من الدنيا شيئاً فهذا لا صيام عليه ولا إطعام إلا أن يأذن الله له بالشفاء فعليه القضاء إن استطاع أو الإطعام إن لم يستطع، فاحمدوا الله على تيسيره واشكروه على رخصة
(شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن هدى للناس وبينات من الهدى والفرقان فمن شهد منكم الشهر فليصمه ومن كان مريضاً أو على سفر فعدة من أيام أخر يريد الله بكم اليسرى ولا يريد بكم العسر ولتكملوا العدة ولتكبروا الله على ما هداكم ولعلكم تشكرون)
أقول قولي هذا واستغفروا الله لي ولكم
الحمد لله منَّ بمواسم الخيرات ، وأعظم للراغبين الأجور ورفعة الدرجات .
وأشهد ألا إله إلا الله رب البريات
وأشهد أن محمداً عبده ورسوله أحفظ الناس لصومه ، وأخشعهم في الصلاة ،صلى الله عليه
أما بعد
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال كان النبي صلى الله عليه وسلم : يبشر أصحابه يقول : قد جاءكم شهر رمضان شهر مبارك كتب الله عليكم صيامه فيه تفتح أبواب الجنان وتغلق فيه أبواب الجحيم وتغل الشياطين فيه ليلة خير من ألف شهر من حرم خيرها فقد حرم "
قال ابن رجب رحمه الله : قال بعض العلماء هذا الحديث أصل في تهنئة الناس بعضهم بعضاً بشهر رمضان.
ثم احذروا - عباد الله - أن يسرق منكم رمضان، وتستلب أوقاته فهو من فرص العمر .
أتدري فيم يسرق ؟
إنه يسرق بإضاعته في نومٍ كثير، وسهرٍ طويل .
إنه يسرق حينما يظنُّ أن رمضان وقت لتنويع المآكل وتعديد المشارب، والتفنن في شراء أصنافها .
إنه يسرق حينما نسمح لأنفسنا بالتردد في الأسواق أو نسمح لبناتنا ونسائنا يمضين معظم أوقاتهن في التسوق وتتبع ما يجد من البضائع ويقعن نهباً للباعة، وخدعة لمهرجانات التسوق، وألعوبة للسحب على الجوائز في تجمع وتزاحم، ودعوة لشر البقاع لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: شر بقاع الأرض أسواقها، وأبغض البقاع إلى الله الأسواق، وذلك لما فيها من الغش والحلف بالكذب، وتبرج النساء، وعبث قليل الدين والمروءة هذه أحوال الأسواق في عموم أحوالها فكيف إذا استنفر الناس ودعوا إلى لهو ما فحضر صاحب الحاجة وغير صاحب الحاجة، حمانا الله جميعا من الشر وأسبابه .
إنه يسرق حينما يقطع ليله ويفنى نهاره في تتبع قنوات فاسدة، ضلَّت عن سواء السبيل، وأضلت كثيراً من أبنائنا وأهلينا فصار رمضان عند هؤلاء هو الجديد في الأفلام والمسلسلات التلفزيونية التي يسمونها في دعاياتهم كذباً وخداعاً رمضانيات .
فمتى كان رمضان موسماً لمشاهدة الفساد، وسماعاً لما حرَّم الله ، إلا في عرف الذين ضلَّ سعيهم في الحياة الدنيا وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعاً .
ألا إن رمضان يبرأ إلى الله من هذا كله ، وهي أبعد ما تكونُ عن رمضان .
والعاقل خصيم نفسه، والعاجز من أتبع نفسه هواها .
ثم إن نذكر بشيء فنذكر إخواننا الذين ابتلوا بشرب الدخان فهم يشربونه لسنين طالت أو قصرت
هل لك أن تجعل من مكاسب رمضان بالنسبة لك أن تترك الدخان الخبيث الذي طالما منعك التبكير للمسجد ومنعك مجالس الصالحين وجعلك عصبياً في مزاجك ومضيعاً لمالك ومفاسده أنت أدرى بها من غيرك
هاهي فرصتك لتركه إن كنت جاداً في أمرك فاستعن الله على تركه تدرب نفسك على الإقلاق منه ليلاً بعد أن تركته نهاراً ثم رويداً رويداً حتى تكون له من التاركين .
فما أعظمها من طاعة تسجلها في أعمالك الرمضانية
وما أكرمها هدية تهديها لنفسك
بل ولأسرتك ولكل محب للخير لك
ومن يستعن بالله يعنه الله .
اللهم بلغنا شهر رمضان ، احفظ علينا شهرنا، واحفظنا في شهرنا، وارزقنا فيه عملاً صالحاً ترضى به عنا .
أيها الإخوة: يهل شهر رمضان على الأمة الإسلامية في شعوب تشردت، وأسر تفرقت، وأقوام قتلت وعذبت وشردت، يهل رمضان على أناس يمكر بها ساستها، ويتاجرون بمصائرهم، ويخدرون مشاعرهم .
وأحداث الساعة أكبر من الحديث ولكن لهؤلاء وهؤلاء نقول ما قاله الله تعالى .
(أليس الله بكاف عبده ويخوفونك بالذين من دونه ومن يضلل فماله من هاد أليس الله بعزيز ذي انتقام)
فلا نامت أعين الجبناء .
ولا هنئت نفوس الدخلاء .
(ليميز الله الخبيث من الطيب)
(وإنما أمره إذا أراد شيئاً أن يقول له كن فيكون)
فاللهم هيء لأمة محمد من أمرها رشدا ...
اللهم احفظ المستضعفين في بلاد الشام
اللهم احفظ الشعب المصري، واربط على قلوبهم
اللهم قهم الفتن ما ظهر منها وما بطن
اللهم من قام بأمرهم ناصحاً لهم فكن له ناصرا ومعينا، ومؤيدا وظهيراً .
ومن أخذ أمرهم غاشاً لهم ممكنا لأعدائهم فاللهم أفسد عليه أمره واجعل تخطيطه تدبيراً عليه يا قوي يا عزيز .


التعليقات ( 0 )

جميع الأوقات بتوقيت جرينتش +4 ساعات. الوقت الآن هو 12:41 صباحًا السبت 18 أكتوبر 1445.