• ×

د.عبدالرحمن الدهش

خصال الفطرة

د.عبدالرحمن الدهش

 0  0  9.0K
زيادة حجم الخط مسح إنقاص حجم الخط

 

 

نقاط الخطبة: الفطرة نوعان الإسلام علم أهله حسن اللباس ، ... خمس من الفطرة .. الألفاظ الواردة في حكم الشارب . لا تترك خصال الفطرة أكثر من أربعين يوماً. التأكيد على تحريم حلق اللحية . النهي لمن أكل بصلا أو ... من دخول المسجد .

 

إن الحمد لله نحمده ونستعينه ، ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضلَّ له، ومن يضلل فلا هادي له ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسانٍ إلى يوم الدين . أما بعد :-

فأوصيكم ونفسي بتقوى الله حيث أنعم علينا بالإسلام ديناً، ورضيه بعد أن أكمله (اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام ديناً) فطر عباده على فطرة الإسلام فعمروا بها قلوبهم إخلاصاً لله وحُباً لطاعته، ومتابعة لرسوله صلى الله عليه وسلم، وهي الفطرة العلمية الباطنية، وفطر عباده على خصال الخير ومحبة كل حسن وفاضل وهي الفطرة العملية الظاهرة. وقال تعالى في الفطرتين (فأقم وجهك للدين حنيفاً فطرة الله التي فطر الناس عليها لا تبديل لخلق الله ذلك الدين القيم ولكنَّ أكثر الناس لا يعلمون) وإنَّ من أبرز مظاهر دين الإسلام وما فطر عليه الأنام أنَّه علَّم أهله حسن اللباس، وجمال الظاهر، ونظافة البدن، فالطهور شطر الإيمان، والوضوء نقاء من الأدران قال النبي صلى الله عليه وسلم : (أرأيتم لو كان باب أحدكم على نهر جار يغتسل منه خمس مرات أيبقى من درنه شيء). ثم إنَّ هناك تلازماً بين لباسِ الظاهر وحسن ما يَظْهر وجمال الباطن وحسن ما يُسَر. (يا بني آدم قد أنزلنا عليكم لباساً يواري سواءتكم وريشاً ولباس التقوى ذلك خير). فما أجمل اجتماع اللباسين، لباس الباطن، ولباس الظاهر ومن خصال الفطرة التي بها جمال الظاهر، وراحة النفس ما جمعه النبي صلى الله عليه وسلم بقوله: (خمس من الفطرة: الختان والاستحداد، وقص الشارب، وتقليم الأظفار، ونتف الإبط) متفق عليه. فهذه مفاتيح النظافة، فبالختان وهو قطع الجلدة التي تغطي الحشفة؛ يحصل كمال التطهير، وبقاؤها يسبب احتقان النجاسة فيخلُّ بالطهارة، ويضر بالصحة. وبالاستحداد، وهو حلق شعر العانة، وهو الشعر النابت حول القبل والدبر، بل هو في شعر الدبر أولى. بذلك يحصل إزالة ما يكون سبباً في علوق النجاسة، ونتن الرائحة. وثالث خصال الفطرة قصُّ الشارب، وجاء عن النبي صلى الله عليه وسلم في الشارب مع القصِّ ثلاثة ألفاظ: (أحفوا الشوارب) و (جزوا الشوارب) و (أنهكوا الشوارب). وكلُّ هذه الألفاظ تدلُّ على المبالغة في الأخذ من الشارب خلافاً لحال كثير من المتساهلين في أمر الشارب فصاروا يتركونها بل يربونها كأنما - والله أمروا بإعفائها، وتركها مع ما فيه من مخالفة السنة والفطرة هو قبيح في أشكالهم وإن حسن ذلك الشيطان في أعينهم، فهو سبب لتجمع الأوساخ حول أفواههم. ونعيذك بالله أن تكون ممن قال الله فيهم: (أفمن زين له سوء عمله فرآه حسناً فإن الله يضل من يشاء ويهدي من يشاء), واستحب كثيرٌ من العلماء الأخذ من الشارب حتى يبدو طرفُ الشفة العليا، وأما حلقه فليس من السنة بل قال بعضهم: إنَّ حلقه مثلة. ومن خصال الفطرة تقليم الأظفار لأنَّ في تركها تشبهٌ بالحيوانات والسباع، وبقاؤها يسبب تجمع الأوساخ وسوء المنظر. ولقد زيَّن الشيطانُ لبعض الناس توفير أظفارهم أو توفير ظفر الخنصر خاصة تشبهاً ببعض الكافرين أو الفاسقين، وربما كان هذا في النساء أكثر لجهلهن وسرعة تأثرهن بغيرهن. وخامس هذه الخصال نتف الإبط فيزال شعر الإبط بنتفه أو حلقه أو غير ذلك، والنتف أفضل ويسبب إضعاف أصوله فيضعف خروجه فيما بعد. ولعظم تعاهد هذه الأشياء، وكونها من الفطرة يؤمر الإنسان بأخذها وإزالتها ما دام حياً، وتؤخذ منه قبل تغسيله وتكفينه إذا كان ميتاً. فيقص مغسله شاربه ويأخذ ظفره، و كذا شعر إبطيه وعانتِه إذا كثر، وكشفُ عورته هنا للحاجة. يفعل به ذلك وإن اختار في حياته غير ذلك لأنَّ هذه من سنن الفطرة، والمغسل يفعل بالميت أكمل الأحوال وأتمها.

عباد الله: جمِّلوا ظواهركم بحسن المظهر ونظافته، وبواطنكم بتقوى الله وخشيته. يقول أنس رضي الله عنه قال : (وقت لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم في قص الشارب وتقليم الأظافر ونتف الإبط، وحلق العانة لا نترك أكثر من أربعين يوماً وليلة). رواه مسلم. فلا يترك المسلم هذه الخصال أكثر من هذه المدة، وإن احتاجت إلى تعاهد قبل ذلك فالسنة تعاهدها، والتجمل بأخذها. ولما قال الصحابة للنبي صلى الله عليه وسلم: (إنَّ الرجل يحب أن يكون ثوبه حسناً ونعله حسناً)، قال النبي صلى الله عليه وسلم: (إنَّ الله جميل يحبُّ الجمال)متفق عليه. رزقني الله وإياكم تجميل بواطننا بالتقوى، وظواهرنا من العمل ما يرضى

أما بعد :- لئن كان الحديث عن بعض خصال الفطرة فلا ننسى خصلة من أهم خصال الفطرة، وسنة من سنن المرسلين توفرت النصوص على الأمر بها يقول صلى الله عليه وسلم: (أعفوا اللحى), (خالفوا المشركين) (وفروا اللحى), (أوفوا اللحى), (أرخوا اللحى). هذه ألفاظ النبي صلى الله عليه وسلم في الأمر بوجوب توفير اللحى، وتحريم حلقها، وقصها. فأين أنتم يا حالقي اللحى عن هذه الأحاديث ؟ ألا فليتق الله أمرؤٌ قدَّم هواه على أمر الله وأمر رسوله صلى الله عليه وسلم (فليحذر الذين يخالفوا عن أمره أن تصيبهم فتنة أو يصبيهم عذاب أليم). استعينوا بالله على تركها تعظيماً لأمر نبيكم، وتشبهاً بالمرسلين، وموافقة لعمل المؤمنين. وإياكم من التأخير، أو الخجل من الناس، أو الخوف أن يقال فلانٌ ربى لحيته، فلئن يقولوا فلانٌ ربى لحيته خيرٌ من أن يقولوا ما زال فلانٌ يحلق لحيته. وإذا أراد أحدٌ أنْ يُعَرِّف به تجده يقول فلانٌ الحليق، أو فلانٌ الذي يحلق لحيته، فما أقبحه وصفه، وما أعظمه من جرم شهد به الناس عليك. إنَّ مداومة حلق اللحية إصرار على المعصية! كيف تطيب نفسك بالإصرار على معصية الله؟ أغرك كثرة من يحلقون لحاهم وعلو جاههم وعظم مناصبهم ؟ أو غرك إمهال الله لك ؟ صحةٌ في بدنك، ورغدٌ في عيشك، وأمن في وطنك. وربما كان فعلك هذا سبباً في تساهل أبنائك وأقرانك ومنهم تحت يدك فحلقوا لحاهم فصرت داعية سوءٍ من حيث لا تشعر . يقول الشيخ السعدي (رحمه الله) : أما ترون وجوه الحالقين لها كيف يذهب بهاؤها ووقارها، لا سيما عند المشيب، وتكون وجوههم كوجوه العجائز قد ذهبت محاسنهم، وهذا من أعجب العجب .(الفتاوى 125) فاللهم أعنا على أنفسنا عن ابن عباس رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: طهروا الأجساد طَهَّركم الله فإنَّه ليس عَبدٌ يبيت طاهراً إلا بات معه في شَعارَه مَلك لا ينقلب ساعة من الليل إلا قال: (اللهم اغفر لعبدك فإنه بات طاهراً). رواه الطبراني بسند جيد .

وإن العناية بنظافة الأجساد وطيب ريحها متأكد في وقت لا سيما في أوقات الحر، وبعد الأعمال المكلفة. وقد نهى النبي صلى الله عليه وسلم من أكل بصلا أو ثوماً أو كراثاً نهى من أكل هذه أن يقرب المسجد، وقال إن الملائكة تتأذى مما يتأذى منه بنو آدم. ومثل هؤلاء من يتعاطى علاجاً ذا رائحة بأكله أو يدهن به فإن عليه أن يقطع الرائحة قبل حضوره المساجد ومجالس الناس وإن كان محتاجاً لذلك ولا بد له منه فإن له رخصة أن يصلي في بيته حتى تزول حاجته لهذا الدواء الذي له رائحة مؤذية. فاتقوا الله عباد الله وطيبوا روائحكم بنظافة أجسادكم بالاغتسال خصوصاً في يوم الجمعة. وبتعاهدها بالطيب الطيب تتأسون بسنة نبيكم محمد صلى الله عليه وسلم، وتنشرح صدوركم، ويأنس بكم جليسكم. وفي ثواب هذه الأعمال يقول النبي صلى الله عليه وسلم: (من اغتسل يوم الجمعة ومس من طيب إن كان له ، ولبس من أحسن ثيابه، ثم خرج وعليه السكينة حتى يأتي المسجد ثم يركع إن بدا له ولم يؤذ أحداً ، ثم أنصت إذا خرج الإمام حتى يصلي كانت كفارة لما بينهما). رواه أحمد وصححه ابن خزيمة . وفي حديث آخر (وزيادة ثلاثة أيام).[1]

 

[1] عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من توضأ فأحسن الوضوء ثم أتى الجمعة فاستمع وأنصت غفر له ما بينه وبين الجمعة وزيادة ثلاثة أيام ومن مس الحصى فقد لغا). رواه مسلم

 



التعليقات ( 0 )

جميع الأوقات بتوقيت جرينتش +4 ساعات. الوقت الآن هو 02:12 مساءً الجمعة 17 أكتوبر 1445.