• ×

د.عبدالرحمن الدهش

خطبة الجمعة 20-2-1436هـ بعنوان رؤيا وعقوبات

د.عبدالرحمن الدهش

 0  0  2.1K
زيادة حجم الخط مسح إنقاص حجم الخط

إن الحمد لله نحمده و نستعينه و نستغفره.. و نعوذ بالله من شرور أنفسنا و سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، و من يضلل فلا هادي له، و أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، و أشهد أن محمداً عبده و رسوله صلى الله عليه و على آله و أصحابه و من سار على دربه إلى يوم الدين، و سلم تسليماً كثيراً .. أمـا بعد ؛؛ ففي مجلس من مجالس النبي صلى الله عليه وسلم ، و بعد صلاة مشهودة، بعد صلاة الفجر أقبل النبي صلى الله عليه وسلم ليَقُص على أصحابه رؤيا رأها من ليلته السابقة ، رؤيا منامية رآها النبي صلى الله عليه وسلم في منامه، ورؤيا الأنبياء حق لا مرية فيها ، و هي جزء من الوحي الذي أوحى الله تعالى إليه. هذه الرؤيا هي في أمر غيبي، وفي أحوال من أحوال الآخرة، و لعظمها بادر النبي صلى الله عليه وسلم بقصّها على أصحابه في المسجد . يقول سَمُرَة بن جندب رضي الله تعالى عنه : ( أقبل علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات غداة فقال : إنه أتاني آتيان، و إنهما قالا لي : انطلق، انطلق، و إني انطلقتُ معهما ، و إنا أتينا على رجل مضطجع، و إذا آخر قائم عليه بصخرة يهوي بها على رأسه، فيثلغ بها رأسه أي يكسره ، ثم يعود رأسه صحيحاً، فيعود هذا القائم على رأسه ليثلغه مرة ثانية. قال النبي صلى الله عليه وسلم قلت: سبحان الله ، ما هذان ؟. قال الملَك : انطلق، انطلق [ أي: اترك هذا سترى عجباً آخر ] . قال النبي صلى الله عليه وسلم فانطلقنا، فأتينا على رجل مستلق على قفاه، و إذا رجل قائم عليه بكلّوب من حديد، و إذا هو يأتي أحد شقي وجهه، فيشرشر [ أي : يشقّ شدقه إلى قفاه ، و منخره إلى قفاه ، و عينه إلى قفاه ]، ثم يتحوّل إلى الجانب الآخر فيفعل به مثل ما فعل بالجانب الأول، فما يفرغ من ذلك الجانب حتى يصح ذلك الجانب كما كان، ثم يعود عليه فيفعل مثل ما فعل المرة الأولى. قلت : سبحان الله ما هذان ؟ قال الملَك : انطلق، انطلق. قال النبي صلى الله عليه وسلم فانطلقنا فأتينا على مثل التنوّر فإذا فيه لغط وأصوات، قال: فاطلعنا فيه، فإذا رجال ونساء عراة، و إذا هم يأتيهم لهب من أسفل منهم، فإذا أتاهم ذلك اللهب ضَوضَوا [ أي ارتفعت أصواتهم ] قلت : ما هؤلاء؟ قال الملكان : انطلق ، انطلق. قال النبي صلى الله عليه وسلم فانطلقنا، فأتينا على نهر أحمر مثل الدم، و إذا في النهر رجل يسبح، وعلى شط النهر رجل يجمع عنده حجارة كثيرة. وإذا ذلك الرجل الذي يسبح يأتي ذلك الرجل فيفغر له فاه [ أي : يفتحه ]، فيلقمه حجراً ، فينطلق يسبح ثمّ مرة ثانية، ليلقمه حجراً آخر ... وهكذا . قال النبي صلى الله عليه وسلم : ما هذان؟ قال الملكان: انطلق، انطلق قال النبي صلى الله عليه وسلم : انطلقنا حتى بلغنا مكاناً ، فقال الملكان لي : هذه جنة عدن، و هذا منزلك. قال النبي صلى الله عليه وسلم : فسَما بصري صعوداً، فإذا قصر مثل الربابة البيضاء [ يعني السحابة ]، قال : قلت بارك الله فيكما، ذراني فأدخله. قالا لي: أما الآن فلا، و أنت داخله. قال : فقلت لهما : فإني رأيت الليلة عجباً، فما هذا الذي رأيت؟ . قال الملكان: أما إنا سنخبرك. أما الرجل الأول الذي أتيت عليه يثلغ رأسه بالحجر، فإنه الرجل يأخذ القرآن فيرفضه، و ينام عن الصلاة المكتوبة. و أما الرجل الذي أتيت عليه يشرشر شدقه إلى قفاه، فإنه الرجل يغدو من بيته فيكذب الكذبة تبلغ الآفاق. و أما الرجال و النساء العراة الذين في مثل التنور، فهم الزناة و الزواني. وأما الرجل الذي أتيت عليه يسبح في النهر ويُلقَم الحجر، فآكل الربا هكذا فسرها الملكان للنبي صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح المتفق على صحته. رؤيا عجيبة؛؛ ما كان النبي صلى الله عليه وسلم ليُفزِع أصحابه بأضغاث أحلام، وهو بالمؤمنين رؤوف رحيم، و لكنه خبر صدق { ما كان حديثاً يُفترى } قصّه على أصحابه ليعتبروا و لينظروا في هذه العقوبات ، بل ولينظروا في أسبابها، ( فإن من خاف أدلج، و من أدلج بلغ المنزل ) . نفعني الله و إياكم بما قيل أقول قولي هذا،، و استغفر الله لي و لكم و لجميع المسلمين من كل ذنب، فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.. الخطبة الثانية : الحمد لله رب العالمين، و العاقبة للمتقين، و لا عدوان إلا على الظالمين.. و أشهد أن لا إله إلا الله رب العالمين، و أشهد أن محمداً عبده و رسوله بلغ عن ربه البلاغ المبين صلى الله عليه و على آله و أصحابه و التابعين و سلم تسليماً كثيراً.. أمـا بعد:- فرؤيا النبي صلى الله عليه وسلم في تلكم الليلة حقاً عجيبة . رجل يثلغ رأسه، مرأى تقشعر منه الجلود، و تتقزز منه النفوس! لو كان يكسر في عظم رجله أو يده فكيف بعظم رأسه مجمع الحواس و منتهى الإحساس . وكيف أيضاً وهو يُكرر معه هذا العمل ، كلما التئم رأسه و صحّ عاد يُكسَر مرة ثانية. ولكن العقوبة من جنس العمل . ألم يأخذ القرآن ويدرسه و يحفظه أو يحفظ شيئاً منه، ثم يتركه معرضاً عنه أو يستبدله بكلام البشر وحَثالة ما يُكتب، أو يكون ممن سلبتم تلك الأجهزة أوقاتهم، وسرقت منهم أعمارهم فهم يتصفحون، ويشاهدون، ويكتبون ويراسلون، فالوقت القصير الذي يستطيله في قراءة آيات من كتاب هاهو يبذل أضعافه في تلك المتابعات، وربما غالب النوم، وجاهد نفسه ليظفر بأكبر قدر من فتح المقاطع، وملاحقة الجديد، وكلنا ذلك الرجل إلا أن يمن الله علينا بيقظة رشد، وحزم رشاد . وكان من خبر ذلك الذي يثلغ رأسه أن ثَقُل رأسه عن الصلاة المكتوبة، يسمع النداء فلا يرفع له رأسه، و ينام بتفريطه عن الصلاة الواجبة، فلا يجيب داعي الله، و النوم في الرأس ، فعوقب في رأسه. وحيث تكرر منه هذا العمل، وهو مُصّرٌّ عليه كُرر عليه كما قال النبي صلى الله عليه وسلم . فيا عــــبد الله ؛؛ الليل يطول فما ظنك بصلاة الفجر في هذا الليل البارد الذي يطيب فيه النوم، نعم إنها ليالي امتحان، يتميز فيها قوي الإيمان، وأثقل الصلوات على المنافقين صلاة العشاء وصلاة الفجر . أعانا الله وإياكم على أنفسنا، وقو إيماننا، وسلمنا من صفات المنافقين . و أما ثاني المذكورين في هذه الرؤيا فهو الذي يشرشَر شدقه و أنفه و عينه إلى قفاه، فما ذنبه؟ إنه صاحب الأكاذيب المُرَوّج لها الذي يزيد فيها ، تبلغ الكذبة بنقله وخداعه الآفاق فربما أفسد بيوتاً بكذبه، و ربما طُلّقت نساءٌ بكذبه، و ربما منع صاحب حق بكذبه، و ربما أفسد ودا أو قضى على صحبة بكذبه، حتى ضاقت كذباته بفمه، فهو يُشَرشَر في فمه ليكون أوسع مما هو عليه. و أما الذين عَلَت أصواتهم في التنور، مجتمعين، عُراة، فهم الزناة و الزواني، اجتمعوا في مكان منعزل للذة المُحَرّمة في أماكن أُعِدّت، و ربما ركبوا لها ظهر السفر، و قطعوا لها التذاكر، فعَلَت أصواتهم بنشوة المُحَرّم، و ربما صحبه طرب المعصية، فهم الآن تعلو أصواتهم من شدة كربهم ، و عَنَت عذابهم . أما الرجل الذي أتي عليه وهو يسبح في النهر يلقم الحجر، أي أنه يسبح في نهر ماؤه كالدم، و الدم تكرهه النفوس بمجرد رؤيته، فكيف بأحد صار يتردد فيه ، يسبح فيه، إن هذا هو آكل الربا. و أمر الربا واضح وضوح الدم بلونه، إلا أنه أقدم عليه مع كثرة المُحَذرين له، و تواتر المفتين فيه، ثم هو لا يقنع بقليله، و لهذا صار مَثَلُه أنه يَلقُم حجراً في فمه، ثم يعود مرة بعد مرة، و هو في كل مرة يفتح فمه، إشارة واضحة منه إلى نهمه، و شدة طمعه في أكل الربا، و ملاحقة مظانه وتتبع تسهيلاته. فاللهم أجرنا من خزي الدنيا و الآخرة، اللهم إنا نسألك سلامة في إيماننا، و صحة في مسارنا. اللهم انفعنا بما بيّنه لنا نبيّنا صلى الله عليه وسلم . اللهم اجعلنا ممن إذا سمعوا القول اتبعوه، و أخذوا به ، و طبقوه في حياتهم ، يا رب العالمين. اللهم أصلح لنا ديننا الذي هو عصمة أمرنا، و أصلح لنا دنيانا التي فيها معاشنا، و أصلح لنا آخرتنا التي إليها معادنا. واجعل الحياة الدنيا زيادة لنا في كل خير، و الموت راحة لنا من كل شرّ. اللهم أصلح أحوال المسلمين في كل مكان.



التعليقات ( 0 )

جميع الأوقات بتوقيت جرينتش +4 ساعات. الوقت الآن هو 02:10 مساءً الخميس 9 أكتوبر 1445.