• ×

د.عبدالرحمن الدهش

خطبة الجمعة 29-5-1436هـ بعنوان حياة الجد

د.عبدالرحمن الدهش

 0  0  4.1K
زيادة حجم الخط مسح إنقاص حجم الخط

الحمد لله فاضل بين الهِمَم والرَّغَباتِ ، شرفت هممُ قومٍ فحصلوا المعالي والدرجاتِ، وتأخَّرَ آخرونَ، واستكثروا من السيئات . وأشهدُ ألا إله إلا الله أيَّدَ رسوله بالآياتِ الواضحاتِ . وأشهدُ أنَّ محمداً عبده ورسوله ذو السبْقِ والكرامات . صلى الله عليه وعلى آله ومن تيعهم بإحسانٍ إلى يوم الدين . أما بعدُ : - فاعلموا أن للنفس شروراً، ومن الأعمال الأعمال سيئاتٍ، فالمجاهد من جاهد نفسه في طاعة الله ، والمهاجرُ من هجر ما نهى عنه مولاه . وإنَّ النفس – يا عباد الله – داعيةٌ للكسلِ ، محبَّةٌ للراحة مؤثرةٌ العاجلَ على الآجلِ ، ولو كان في العاجل ضررها ، وفي الآجلِ نفعها . ] كلا بل تحبون العاجلة وتذرون الآخرة [ ولكنَّ الكيس من دان نفسه ، أي: حاسبها ، وعَمِل لما بعد الموتِ ، والعاجزُ من أتبعَ نفسه هواها ، وتمنَّى على الله الأمانيَّ . وإنَّ حال الإنسانِ لا تستقيمُ ، وأمورُه لاتنقضي إلا بحزمِ يدفع به التسويفَ والتأخيرَ ، وهمةٍ يقضي بها على الكسل ، وهذه هي القوة التي أمر الله بها ، فقال تعالى ]خُذوا ما آتيناكم بقوة [ . قال ابن سعدي – رحمه الله – في تفسيرها : " أي : بجدٍ واجتهادٍ ، وصبرٍ على أوامر الله " وإنَّ من نظرَ في سيرة النبي r وجدها سيرة عطرة ، كلُّها جدٌّ ، واجتهادٌ ، وبذلٌ وعطاءٌ ، إمَّا في أمر دينٍ ، أو أمرِ دنيا يُعينُ على الدِّين . ليس للتسويفِ ، واللغوِ مجالٌ في حياته . دعاه عتبانُ بن مالكٍ – رضي الله عنه – ليُصَلِّيَّ في بِيْته ، فجاءه النَّبي r ، ومعه ، وأبو بَكْرٍ ، حينَ ارتفع النهارُ ، فاستأذن النبي r قال عتبانُ : فأذنتُ له ، فلم يجلس حتى دخلَ البيتَ ، ثم قال : أينَ تحبُّ أن تصلي في بيتك ؟ قال : فأشرتُ له إلى ناحيةِ من البيت ، فقامَ رسول الله r ، فكبر ، فصلى بهم ركعتين ثم سلَّم ، ثم قدَّموا له r طعاماً ، فأكل ، ومن معه ثم انصرف . ولمَّا دعاه أنس بن مالك لطعامٍ أجابَ النبي r دعوته ، فأكل من طعامهم ، ثم صلَّى بأنس ، ومن معه . كلُّ هذا مبادرة منه ، r لما جاء من أجله ، لما دعي للصلاة صلَّى ثمَّ أكل من الطعام . ولما كانت الدعوة للطعام طعِمَ ثمَّ صلَّى . وهذه السنة – يا عباد الله – أن تبدأ بما جئت من أجله ، ولا تؤخر ؛ فإنَّ للتأخيرِ آفاتٍ ، قد لا تتوقعها . ولمَّا بال الأعرابي في مسجده r أمر r فوراً بذنوبٍ من ماءٍ ، - وهو الدَّلو الكبيرِ – أن يصبَّ على مكانِ بوله . بل لما بال الصَّبي في حَجْرِه r دَعا بماءٍ فنَضَحَه على ثوبه بمثل هذه تكونُ القوةُ والجدية في قضاء المصالحِ ، وإنهاء المشاغل ، فيأمن الإنسانُ من آفةِ النِّسيانِ ، ويُسْرِعُ في إبْراءِ ذِمَّته . عن عقبة بن الحارث – رضي الله عنه – قال : صلَّى بنا النبي r العصرَ ، فأسرعَ ، ثمَّ دخل البيتَ، فلم يلبث أن خرجَ . فقال : كنتُ خلَّفْتُ في البيتِ تبراً من الصدَّقة ، فكرهتُ أن أبيتهُ ، فقسمتُهُ ) فكره النبي r أن يدخلَ عليه الليلُ ، وفي بيته شيء من الصدقةِ ، لم يعطَ مستحقه . فلقد سبق نبينا r القائلينَ (لا تؤجل عمل اليومِ إلى الغد) . فهو لم يؤخر عمل النَّهارِ إلى الليل . وكان ابن عمر رضي الله عنه – يقولُ : (إذا أمسيتَ فلا تنتظرُ الصباحَ ، وإذا أصبحت فلا تنتظر المساء ) . ولما كان الجادُ في حياته ، لا يأمنُ مانعاً ، قاهراً ، أو شغلاً ملحاً ، ربما منعه عن عمل يعمله أو خيرٍ اعتاده ، فإنَّ عندنا سنةً أخرى يستدركُ بها ما فاته أو بعضه . فلقد تأخر النبي r ليلةً على أصحابه عن الوقتِ الذي كان يأتيهم فيه ، فلمَّا خرجَ عليهم ، قالوا : يا رسول الله ، أبطأتَ علينا الليلة ، قال : إنه طرأ عليَّ حزبي من القرآنِ فكرهت أن أجيء حتى أتمه ) رواه أحمد وأبو داود. وفي صحيح مسلم عن النبي r أنه قال (من نامَ عن حزبه من الليل ، أو عن شيء منه ، فقرأه ما بين صلاة الفجر وصلاة الظهر، كتبت له كأنما قرأه من الليل) واشتغل النبي r يوماً بوفدٍ جاءه من بني عبد القيس ، حتى لم يستطع أن يصلي سنة الظهرِ البعدية ، فصلاها بعد العصر قضاءً فبالقضاء ، فيما يشرعُ قضاؤه ، يدركُ الإنسانُ شيئاً مما فاته ، ويغلقُ على نفسه باب الدَّعة ، والكسل . أيها المسلمون : - من كان جاداً في علاقته مع ربِّه في أمر عبادته لا يتأخرُ عن إجابة داعي الله للصلاةِ ، فحين يسمعُ النداءُ يعلمُ أنَّ واجباً ربَّانيّاً قد حضر وقته ، فلا يتأخرُ سواءً كان في يقظةٍ أو نومٍ في شغلٍ أو فراغٍ فلا خيرَ في عملٍ يمنعك من الصلاة . وإنَّ الجادَ في علاقته مع ربَّه لا يترددُ قبوله نصيحةٍ نصحها إياه مشفقٌ محبٌ له ؛ لأنه يعلمُ أنَّ هذا الناصح ما بذلَ شيئاً من وقته وجهده ؛ إلا مريداً له الخيرَ ] لا نريد منكم جزاءً ولا شكوراً [ . وإن الجادَ في علاقته مع ربِّه لا يتأخرُ أن يقلع عن معصية، طالما عصى الله بها ، مستعيناً بالله آخذا بأسبابِ الهداية، والاستقامة بعد أن أسبغ عليه ربه نعمه وستره . أسأل الله أن يجعلني ، وإياكم من الجادين في أمورهم ، الصادقين في سيرهم إلى ربهم … أقول قولي … الثانية :- فتأتي إشارات حديثنا عن الجد في الأمور، وأخذ النفس في الحزم وأولادنا يستقبلون أسبوع إجازة لعلهم يدركون وندرك معهم أنه ليس للمؤمن في هذه الحياة إجازة ما دامت روحه في جسده، فهو مطالب بالعمل، ومأمور بالمسارعة والمسابقة في الخير وحقيقة أيام الإجازة أنها راحة عن عمل معين يستجمع بها الفطن نشاطه ثم يعاوده مرة ثانية بنفس راغبة، وهمة متجددة إن كان الأمر كذا فهي فعلا إجازة ناجحة . يقول عبد الله بن مسعود : (ما ندمت على شيء ندامتي على يومٍ غربت شمسه نقص فيه أجلي ولم يزدد فيه عملي) والله تعالى يقول ) وإن عليكم لحافظين كراماً كاتبين يعلمون ما تفعلون ( اللهم استعملنا في طاعتك ...



التعليقات ( 0 )

جميع الأوقات بتوقيت جرينتش +4 ساعات. الوقت الآن هو 04:09 صباحًا الجمعة 10 أكتوبر 1445.