• ×

د.عبدالرحمن الدهش

خطبة الجمعة 8-2-1437هـ بعنوان حسن الفأل

د.عبدالرحمن الدهش

 0  0  1.6K
زيادة حجم الخط مسح إنقاص حجم الخط

فمن منا معاشر الحاضرين من تحققت كلآماله، وتيسرت كل أموره، من هذا الذي يقول: كل ما أردته حصلته، وكل ما خفته نجوتمنه ؟ لا أحد ! لماذا ؟ لأنَّ الدنيا بنيت على النقص، أحزان وأفراح، وابتهاج وأتراح، شدة ورخاء، وعسر ويسر. أما الذين لهم ما تشتهي الأنفس، ولايبغون عنها حولا فهم سكان الجنة، (ولنعم دار المتقين جنات عدن يدخلونها). (فلا تعلم نفس ما أخفي لهم من قرة أعينجزاء بما كانوا يعملون) . (إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات كانتلهم جنات الفردوس نزلا خالدين فيها لا يبغون عنها حولا) عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أنرسول الله صلى الله عليه وسلم قال إن الله عز وجل يقول لأهل الجنة: يا أهل الجنةفيقولون لبيك ربنا وسعديك والخير في يديك فيقول: هل رضيتم ؟ فيقولون: وما لنا لا نرضى يا ربنا، وقدأعطيتنا ما لم تعط أحدا من خلقك فيقول: ألا أعطيكم أفضل من ذلك؟ فيقولون: وأي شيءأفضل من ذلك؟ فيقول: أحل عليكم رضواني فلا أسخط عليكم بعده أبدا" رواه البخاري ومسلم. وعن صهيب عن النبي صلى الله عليه و سلمقال: "إذا دخل أهل الجنة الجنة يقول الله تبارك وتعالى: تريدون شيئا أزيدكم ؟فيقولون ألم تبيض وجوهنا؟ ألم تدخلنا الجنة وتنجنا من النار؟ قال فيكشف الحجاب فماأعطوا شيئا أحب إليهم من النظر إلى ربهم عز وجل" رواه مسلم. أيها الإخوة: هذه الدنيا لا بد أن تقابلبشعار رفعه النبي صلى الله عليه وسلم في صلح الحديبية في وقت ضيق وشدة، في وقت كانالأعداء يتشاورون كيف يغيظون النبي صلى الله عليه وسلم، ويحفظون كرامتهم؟ لما قدم سهيل بن عمرو وكان مشركاًيومئذ، قدم ليفاوض النبي صلى الله عليه وسلم . قال النبي صلى الله عليه وسلم :"سهل لكم من أمركم" تيمنا باسم هذا الرجل القادم وهو لا يزال على كفره . هذا هو مبدأ التغلب على صعاب الدنيا،ونكد عيشها، وكيد الأعداء فيها . أيها الإخوة: من أعظم أعمالك التيتعملها في الدنيا، وتكون عوناً لك في سيرك إلى الله، وتعمر بها قلبك إنه حسن الظنبالله، والثقة أن لهذا الكون رباً خلقه فهو المتصرف فيه، وهو العالم بما يصلحه(ألا يعلم من خلق وهو اللطيف الخبير) . كان النبي صلى الله عليه وسلم مثالاًللعمل لهذا الدين دعوة للناس، وإصلاحاً لما يستطيعه من أديانهم وأخلاقهم (قل هذهسبيلي أدعو إلى الله على بصيرة أنا ومن اتبعني) ومع صدق قيامه بهذه المهام الجليلة لمتصف له الدنيا لا في خاصة حياته، ولا في مسير تبليغه لدعوته. استهزئ به ورمي بالتهم، حاصرهم المشركونفي شعب أبي طالب حتى أجهدهم الجوع توفي عمه أبو طالب وزوجه خديجة وهماعضداه في الدعوة فصبر واحتسب . حتى كاده قومه فأذن له ربه بالهجرةومفارقة أهله وبلده فخرج مهاجراً خائفاً يترقب إلى المدينة ، خرج حيث أمره الله إلىقوم بابعوه على النصرة ، والحماية مما يحمون منه أولادهم ونساؙ?م فأظهره الله وكتبله تمكيناً في المدينة وهو مع هذا لم يفارقه البلاء والتمحيص له ولإتباعه فهو بينأذية المنافقين ومن ورائهم من اليهود الحاسدين، وبين مناوشات المشركين وتحزبهمحرباً لرب العالمين . ومع ذلك لم يتسرب يأس إلى قلبه، أو قنوطمن تغير حال، وتبدل وضع! كيف ؟ وهو المبلغ عن ربه (ولا تيأسوا منروح الله) (ومن يقنط من رحمة ربه إلا القومالضالون) وإذا كان الأول يقول: ما أضيق العيش لولا فسحة الأمل! فإن الله تعالى يقول (فإن مع العسر يسرىإن مع العسر يسر) إن حسن الظن بالله تعالى يجعل الإنساندائماً متفائلا في أمره كله فيقبل على صعوبات الحياة بنفس واثقة رضية. وفي الحديث القدسي: يقول الله تعالى"أنا عند ظن عبدي بي" حديث صحيح رواه أحمد وغيره. التفاؤل يعطي الإنسان أملا في إصلاحنفسه . نعم هو عاصي، جريء على محارم الله، ليسله همة في التزود في الخير يشرب الدخان، أو ما هو أسوأ وأعظم منه ، ومهمل في حقوقبيته من والديه، وأولاده، ليس له صلاة يذكر بها . هل من سبيل إلى حال جديدة، وصفحة مضيئة أجل وليس بينك وبين هذا إلا همة وتأكيد،وعزم على نقلة وتجديد. التفاؤل يفتح للإنسان باب أمل في صلاحأولاده، وعودتهم إلى حظيرة البيت المطمئن فحسن ظننا بعد دعائنا وانكسارنا بين يديربنا يجعل الحياة المتنغصة حياة ملؤها الفأل وحسن الظن وانتظار فرج قريب . وأنت أيها المريض في نفسك أو في عزيزعليك وقد ركبك الهم! أتدري ماذا يعني المرض بالنسبة للمؤمن؟ نعم خرجت التقارير الطبية، وليس فيها مايبعث الطمأنينة ! سبحان الله من الذي يعطي الطمأنينة ؟ . هذه تقارير البشر، أما التقارير العلويةالإلهية . فالبند الأول: منها (ما أصاب من مصيبةإلا بإذن الله ومن يؤمن بالله يهد قلبه) . والبند الثاني: عن أنس مرفوعاً "إن عظم الجزاء من عظم البلاء، وإن الله إذا أحب قوماً ابتلاهم، فمن رضي فله الرضا،ومن سخط فله السخط " وفي رواية: "ومن جزع فله الجزع" رواه الترمذي. بارك الله لي ولكم ... الثانية الحمد لله . أما بعد:- فإنَّ الذينَ يُعرفون مجريات الحياةِ،ويدركون سنن الله هُمْ أكثرُ الناسِ أملاً وتفاؤلاً، وأقلُّهمْ يأساً وتشاؤماً . ولقَدْ كانَ رسولُنا صلى الله عليه وسلميُعْجِبُهُ الفأْلُ لأنَّه حُسْنُ ظَنٍّ باللهِ سبحانه وتعالى، ففي الصحيحين عَنْأنسٍ رضى الله عنه أنَّ نبيَّ اللهِ صلى الله عليه وسلم كان يُعُجِبُه الفأْلُ:الكََلِمَةُ الحسَنَةُ، الكَلِمَةُ الطَّيِّبَةُ". وكان إِذَا خَرَجَ لِحَاجَةٍ يُعْجِبهُأَنْ يَسْمَع: يَا نَجِيح يَا رَاشِد. وَكَانَ عليه الصلاة والسلام إِذَا بَعَثَعَامِلاً يَسْأَل عَنْ اِسْمه, فَإِذَا أَعْجَبَهُ فَرِحَ بِهِ . بل بلغ من تفاؤل النبي صلى الله عليهوسلم أنه غيَّر بعض أسماء أصحابه بأسماء جديدة ذات معان جميلة، فقد غير عاصية إلىجميلة، وغير اسم الصحابي حزن إلى سهل. أيها الإخوة الحياةَ قصيرةٌ فلاتُقَصِّروها بالهمومِ والأحزانِ، ولا تَحْمِلُوا الأرضَ فوقَ رؤوسِكُمْ وقَدْجعلَهااللهُ تحتَ أقدامِكُمْ . ورُبَّ مِحْنَةٍ ولدتُ مِنْحَةً، وربَّنورٍ يَشِعُّ مِنْ كَبِدِ الظَّلامِ، فإنَّ النصرَ معَ الصبرِ، وإنَّ الفرجَ معَالكربِ، وإنَّ معَ العُسْرِ يُسْراً، فأبشِروا وأمِّلُوا فما بعدَ دياجِيرِالظلامِ إلاَّ فَلَقُ الصبْحِ المشرِقِ. وإذا كان هذا مطلوباً في نظرة الإنسانلأموره الخاصة فإن النظر بالتفاؤل لعموم أمور المسلمين من آكد ما يكون . وما نشاهده من تسلط الأعداء علىالمسلمين، ورخص دمائهم في سبيل تحقيق مصالحهم لهو بإذن الله بداية نهاية للظالمين(ولله الأمر من قبل ومن بعد) فاللهم ربنا لا تجعلنا فتنة للقومالظالمين ونجنا برحمتك من القوم الكافرين . اللهم رد المسلمين إليك رد جميلا . اللهم بصرنا بأعدائنا، وقونا على عدونا....



التعليقات ( 0 )

جميع الأوقات بتوقيت جرينتش +4 ساعات. الوقت الآن هو 02:28 مساءً الخميس 18 سبتمبر 1445.