• ×

admin

خطبة يوم الجمعة الموافق 3-4-1431هـ بعنوان العبرة في الرياح والأعاصير

admin

 0  0  11.5K
زيادة حجم الخط مسح إنقاص حجم الخط
الحمد لله غافر الذنب وقابل التوب شديد العقاب ذي الطول ، لا إله إلا هو إليه المصير .
وأشهد أن محمداً عبده ورسوله البشير النذير .
صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين وسلم تسليما كثيراً .
أما بعد :-
فتتوالى النذر ويري الله آياته عباده في الآفاق وفي أنفسهم حتى يتبين لهم أنه الحق وأنَّ ما يدعون من دونه هو الباطل، وأنَّ الله هو العلي الكبير .
ومع توالي هذه الآيات وتنوع صروفها تبقى طائفة من عباد الله كما قال تعالى (وإن كثيراً من الناس عن آياتنا لغافلون) (وكأين من آية في السموات والأرض يمرون عليها وهم عنها معرضون)
ألم ينقل الله عن المشركين حينما أراهم القمر وقد انشق فلقتين أنهم قالوا سحر مستمر وكذبوا واتبعوا أهواءهم .
قال الله تعالى (وكل أمر مستقر ولقد جاءهم من الأنباء ما فيه مزدجر حكمة بالغة فما تغن النذر) .
عباد الله : إن شأن ما يحدثه الله في هذا الكون من أمور تخرج عن مألوف الناس وما اعتادته حياتهم شأن عظيم .
لا يدركه إلا من ملأ قلبه بعظمة الله، وتشربت نفسه الإيمان بكمال قدرته، وأيقن أنَّ كل دقيق و جليل هو منطوي على أمر الله وحكمته (وما خلقنا السموات والأرض وما بينهما لاعبين ما خلقناهما إلا بالحق ولكن أكثر الناس لا يعلمون)
(وما خلقنا السماء والأرض وما بينهما باطلاً ذلك ظن الذين كفروا فويل للذين كفروا من النار)
وإن من ظلم النفس أن يقف الإنسان مع الأسباب المادية الحسية بمعزل عن الأسباب الشرعية والحكم الإلاهية
لقد ذكر الله الرياح في كتابه بأوصاف عديدة فمن الرياح ما تكون بشرى بين يدي رحمة الله بعباده (وهو الذي يرسل الرياح بشرى بين يدي رحمته)
فالرياح تثير السحاب فينتشر في السماء (الله الذي يرسل الرياح فتثير سحاباً فيبسطه في السماء كيف يشاء)
ثم لا تدع السحاب حتى تلقحه فينزل المطر بإذن الله (وأرسلنا الرياح لواقح فأنزلنا من السماء ماء فأسقيناكموه) .
فللمطر خمسة رياح : ريح ينشر سحابه وريح يؤلف بينه وريح تلقحه وريح تسوقه حيث يريد الله وريح تذور أمامه وتفرقه .
ثم منفعة أخرى لهذه الرياح أنها تسوق الفلك على ظهر البحر حتى يفرح بها من في الفلك ويستبشروا بالوصول إلى اليابسة مغتبطين بنعمة الله
(حتى إذا كنتم في الفلك وجرين بهم بريح طيبة وفرحوا بها) فهي ريح طيبة لأنهم يرون فيها سبب نجاتهم من هذا البحر الذي قد يبلعهم ويخفي أثرهم فيكونون خبراً من الأخبار .
ثم من ريح الخير ما يكرم الله بها أولياءه وبعض أنبيائه فتكون قضاء لحوائجهم وعوناً في أمورهم (ولسليمان الريح عاصفة تجري بأمره)
(ولسليمان الريح غدوها شهر ورواحها شهر)
بل تعظم المصلحة في الرياح حتى تكون سبباً لنصر أولياء الله وخذلان أعداء الله يقول النبي صلى الله عليه وسلم (نصرت بالصَّبا وأهلكت عاد بالدبور) والصَّبا هي الريح الشرقية ، والدَّبور هي الريح الغربية .
ففي غزوة الأحزاب التي جعلها الله فيصلاً بين المسلمين والكافرين والنبي صلى الله عليه وسلم يقول بعدها : اليوم نغزوهم ولا يغزوننا .
يقول الله في هذه الغزوة (يا أيها الذين آمنوا اذكروا نعمة الله إذ جاءتكم جنود فأرسلنا عليهم ريحاً وجنوداً لم تروها وكان الله بما تعملون بصيراً)
فلم تبق الريح للمشركين خيمة إلا قلعتها ولا بناء إلا أزالته ولا قدراً إلا كفأته ولا ناراً إلا أطفأتها .
حتى جعل أبو سفيان وهو قائد معسكر المشركين ينادي: يا معشر قريش : إنكم والله ما أصبحتم بدار مقام، ولقينا من هذه الريح الذي ترون ، والله ما يطمئن لنا قدر ، ولا تقوم لنا نار ، ولا يستمسك لنا بناء فارتحلوا فإني مرتحل .
وبالجملة يا عباد الله : فحياة ما على الأرض من نبات وحيوان بالرياح ، فإنه لولا تسخير الله لها لعباده لذوى النبات ومات الحيوان وفسدت المطاعم وأنتن العالم وفسد، ولهذا يخبر الله عن رياح الرحمة بصيغة الجمع لاختلاف منافعها ، ومن حكمته أنَّ الرياح قد تتعدد مهابها فتنكسر حدتها وتخف سورتها فتبقى لينة رقيقة على ما تمر به .
يحبسها الله سبحانه إذا شاء ويرسلها إذا شاء تحمل الأصوات إلى الأذان والرائحة إلى الأنوف والسحاب إلى الأرض الجرز وهي من روح الله تأتي بالرحمة وهي من أقوى خلق الله كما رواه الترمذي في جامعه من حديث أنس بن مالك عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : (لما خلق الله الأرض جعلت تميد فخلق الجبال عليها فاستقرت فعجبت الملائكة من شدة الجبال وقالوا يا رب هل من خلقك شيء أشد من الجبال ؟ قال نعم الحديد قالوا : يا رب فهل من خلقك شيء أشد من الحديد ؟ قال نعم النار قالوا : يارب فهل من خلقك شيء أشد من النار ؟ قال : نعم الماء قالوا : يارب فهل من خلقك أشد من الماء ؟ قال نعم الريح قالوا : يارب فهل من خلقك أشد من الريح ؟ قال نعم ابن آدم تصدق بصدقة بيمينه يخفيها عن شماله ) ورواه الإمام أحمد في مسنده ، وفيه ضعف إلا أنه صحيح بمعناه .
أما ريح العذاب فهي ريح توحدَّت في جهة هبوبها وفي قصدها فهي مرسلة لا تلوي على أحد (فيرسل عليكم قاصفاً من الريح فيغرقكم بما كفرتم)
فريح العذاب ريح عقيم، تكون عاصفا قاصفا، صرصرا عاتية ، يسلطها على من حقَّت عليه كلمة العذاب .
أهلك الله بها عادا الذين كذبوا الرسل وقالوا من أشدُّ منا قوة فقال تعالى في عقوبتهم : (إنا أرسلنا عليهم ريحاً صرصراً في يوم نحس مستمر تنزع الناس كأنهم أعجاز نخل منقعر) أي جذوع النخل الخاوية .
ولقد بلغت عاد في الأمن من مكر الله مع إصرارهم على سبب العقوبة ما حكاه الله بقوله (فلما رأوه عارضاً مستقبل أوديتهم قالوا هذا عارض ممطرنا بل هو ما استعجلتم به ريح فيها عذاب أليم تدمر كل شيء بأمر ربها فأصبحوا لا يرى إلا مساكنهم كذلك نجزي القوم المجرمين)
والمقصود أن الرياح من أعظم آيات الرب الدالة على عظمته وربوبيته وقدرته .
واسمع عجباً من القصص ففي صحيح مسلم (ج 4 /1784) عن أبي حميد قال : خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم غزوة تبوك حتى قدمنا تبوك فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ستهب عليكم الليلة ريح شديدة فلا يقيم فيها أحد منكم فمن كان له بعير فليشد عقاله فهبت ريح شديدة فقام رجل فحملته الريح حتى ألقته بجبلي طئ في شمال الجزيرة .
أو تشك بعد كل هذا أن الرياح من جنود الله وصدق الله العظيم وما بعلم جنود ربك إلا الله .







الثانية :-
الحمد لله
أما بعد :-
فعن عائشة رضي الله عنها قالت : كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا رأى مَخِيلة في السماء - والمخيلة : السحابة يخال فيها المطر - أقبل وأدبر ودخل وخرج وتغير وجهه فإذا أمطرت السماء سري عنه فعرفته عائشة ذلك فقال النبي صلى الله عليه وسلم ( ما أدري لعله كما قال قوم عاد (فلما رأوه عارضا مستقبل أوديتهم ) الآية ) متفق عليه .
ومعنى قوله (سرِّي عنه) أي: زال عنه ما خالطه من الخوف والوجل .
فأصحاب القلوب الحية يخافون ربهم ويشفقون من ذنوبهم والله تعالى يقول (أفأمنوا مكر الله فلا يأمن مكر الله إلا القوم الخاسرون)
إنَّ أيامكم هذه أيام رياح يشتد هبوبها ويخف، تكون باردة حيناً وسموماً حينا آخر وبين ذلك أحياناً أخرى تحمل الغبار والرمال، وقد تغطي الأرض بظلمتها حتى لا يستطع الإنسان معها أن يرى ما بين يديه، بل هو مضطر لإغماض عينيه .
فتضيق بالناس الحيلة أين يذهبون ؟
رياح مرسلة بالغبار والرمال محملة تقلع وتدحرج ما نصب نفسه في طريقها .
فلا جهات أمنية سوف تحمي الناس ، و لا قدرات بشرية سوف تكشف كربهم .
فحينئذ يدرك العاقل ويوقن المؤمن ألا ملجأ من الله إلا إليه .
فلو زادت عن حدها بمقدار أو طالت في زمنها للحق الناس ما الله به عليم فلا إغلاق نوافذ يمنع ولا لباس كمام أنف يدفع ولا جلوس تحت المكيفات يرفع .
ومن الذي ينصب نفسك ويعمل أسبابه ليقاوم قدرة الله .
أو نسيتم العاصفة المظلة التي فزع الناس لها في أيام مثل أيامكم هذه من العام الماضي حتى فرَّجها الله وبدد أجزاءها فانقشعت الظلمة وبدت السماء شيئاً فشيئاً واستردَّ الناس أنفاسهم وعاينوا آية ربهم
(ويريكم آياته فأي آيات الله تنكرون)
فاستمسكوا رحمكم الله بدينكم واحذروا مخالفة ربكم فإنَّ الله يغار ، ويمهل ولا يهمل فانظروا في أعمالكم واحفظوا جوارحكم ونقوا مكاسبكم وقوموا بالرعاية لأولادكم، وامنعوا أسباب الفساد في بيوتكم واستراحاتكم مروا بالمعروف، وانهوا عن المنكر، تعاونوا على البر والتقوى .
واعلموا أن هدي نبيكم صلى الله عليه وسلم عند هبوب الرياح ما حدَّثت به عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم أنها قالت : كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا عصفت الريح قال اللهم إني أسألك خيرها وخير ما فيها وخير ما أرسلت به وأعوذ بك من شرها وشرما فيها وشر ما أرسلت به)
واحذروا مسبة الرياح ولو كان الإنسان مازحاً فعن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (لا تسبوا الريح، فإنها من روح الله تأتي بالرحمة والعذاب، ولكن سلوا الله من خيرها وتعوذوا بالله من شرها )
رواه ابن ماجه، و قال الشيخ الألباني : صحيح
وعن ابن عباس أن رجلا نازعته الريح رداءه على عهد النبي صلى الله عليه وسلم فلعنها فقال النبي صلى الله عليه وسلم \" لا تلعنها فإنها مأمورة وإنه من لعن شيئا ليس له بأهل رجعت اللعنة عليه \" رواه أبو داوود ، قال الشيخ الألباني: صحيح .
فتأدبوا بأدب الله واتعظوا بآياته ، وتذكروا بهذه الرياح التي قد تؤذي بأذية محدودة تذكروا دخان آخر الزمان الذي قال فيه (فارتقب يوم تأتي السماء بدخان مبين يغشى الناس هذا أليم ربنا اكشف عنا العذاب إنا مؤمنون) .
وجاء في وصف هذا الدخان أنه يغشى الناس فأما المؤمن فيصيبه منه كالزكام، وأما الكافر فينفخه حتى يخرج من منخريه وأذنيه ودبره .
وتذكروا أيضاً دخان نار جهنم حين يغشى الناس ويعمهم .
فاللهم أحسن عاقبتنا في الأمور كلِّها وأجرنا من خزي الدنيا وعذاب الآخرة . . .


للاستماع للخطبة من هنا


التعليقات ( 0 )

جميع الأوقات بتوقيت جرينتش +4 ساعات. الوقت الآن هو 04:21 صباحًا الأربعاء 15 أكتوبر 1445.