• ×

د.عبدالرحمن الدهش

شيئ عن شعبان

د.عبدالرحمن الدهش

 0  0  2.2K
زيادة حجم الخط مسح إنقاص حجم الخط

الحمد لله جعل عبادته مهوى أفئدة الصالحين، وعلق نفوسهم بما يسرهم أن يلقوه يوم الدين.

وجنبهم الغفلة فتداركوا زمن المهلة، بعد أن أيقنوا أنهم إلى ربهم راجعون.

وأشهد ألا ....

أما بعد:-

فقد نهى الله نبيه محمداً صلى الله عليه وسلم عن الغفلة (وَلا تَكُنْ مِنَ الْغَافِلِينَ)

والغفلة التي نهى الله نبيه عنها، وهو نهي له ولمن سار على دربه هي تضييع مواسم الفضل، والتفريط في ساعات العمر، فساعات عمر الغافل أهون ما يملكه، وأرخص ما يبذله، يستطيل دقائق العبادة، وهو يبذل ساعات العمر في غير ذي حاجة له أو فائدة!

يمضي عليه يومه بل أسبوعه بل شهره، بل إنه يطوي السنوات من عمره ولو استرجع ماضيه لعله يجد عملاً يسر به يرجو ذخره وأجره لا يذكر ما يملأ منه يديه، بل إنه يقلب كفيه على أزمنه مضت، وسنوات ولت وهي خاوية على عروشها.

نعوذ بالله من الغفلة!

أيها الإخوة: إن بداية الغفلة هي غفلة القلب فقلب الغافل ينبض ويضخ الدم في عروق جسده، ولكنه متجمد لا يضخ رغبة في الخير، ولا منافسة في أعمال البر، ولا ندماً عند الوقوع في التقصير.

فعهدك به اليوم كأمس الدابر، حيث تركته وجدته، قلبه عن ذكر الله غافل، ومنتهى أماله تحقيق ما نفسه تهواه، وأمره كعقد انفرط نظامه.

(وَلَا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَن ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطًا)

فهذه من أوضح دلائلهم وأبين صفاتهم ليحذرها من لا يريد أن يكون من الغافلين.

فهل هم موجودون في زمننا؟

أما وجودهم فلا ينقطع منهم زمن!

كما أن المشمرين السابقين لاينقطعون، وإنما يزيدون وينقصون وهم ثلة من الأولين، وقليل من الآخرين!

فكذلك هؤلاء!

فماذا من صفاتهم أيضاً؟ لأننا نخشى أن نكون من الغافلين، ونحن غافلون عن غفلتنا!

أيها الإخوة: الغافلون هم من المسلمين رضوا من الإسلام بعمومه، وأخذوا من العبادة أقلها كلفة، وأقصرها مدة، وآمانيهم عريضة، لهم زهد في الباقيات، ورغبة في اللذائذ العاجلات!

أعظم ما أمروا به بعد التوحيد الصلاة فصلاتهم حدها الفرائض الخمس، لا تحدثهم نفوسهم بركعات نفل تكمل فرائضهم، صلاة الوتر و السنن الراتبة ذكريات خالية!.

وما عساهم فاعلون إن كتب الله لهم يوماً من الدهر تقدماً في جمع أو جماعة !

فخلف الله عليهم تلك اللحظات والدقائق المباركات لم تمض بدعاء ولا ذكر ولا نظر في كتاب الله ولا فكر.

وإنما هي إطلاق نظر في داخل أو خارج، وتسريح قلب، وشرود ذهن؟!

ليس لهم مغتنم في صيام أيام فاضلة، ولا احتساب في صدقة باقية، من أضعف الناس في نفع الناس وصلة الأرحام، والتنبه لحق الوالدين أحياء أو ميتين.

وهكذا يطويهم تعاقب السنين، حتى يروا أنفسهم بقليل أعمالهم مرتهنين، سبقهم القوم، ولا ينفهم مقت أنفسهم ولا لوم.

أيها الإخوة: في مواضع الغفلة عن الشيء يعظم التذكير، وحينما يغفل عن عمل صالح يتميز القائمون به، المتنبهون لثوابه.

حدثت عائشة رضي الله عنها تقول: " كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَصُومُ حَتَّى نَقُولَ لا يُفْطِرُ، وَيُفْطِرُ حَتَّى نَقُولَ لا يَصُومُ، وَمَا رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم اسْتَكْمَلَ صِيَامَ شَهْرٍ قَطُّ إِلا رَمَضَانَ، وَمَا رَأَيْتُهُ فِي شَهْرٍ أَكْثَرَ صِيَامًا مِنْهُ فِي شَعْبَانَ" رواه البخاري ومسلم، وفي رواية عن النسائي والترمذي قالت: " ما رأيتُ النَّبيَّ في شهرٍ أكثرَ صيامًا منه في شعبانَ، كان يصومُه إلا قليلًا، بل كان يصومُه كلَّه"، وفي رواية لأبى داود قالت: "كان أحبَّ الشُّهورِ إلى رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم أن يصومَه شعبانُ ثمَّ يصِلُه برمضانَ".

أما سر ذلك وشاهد الموضوع ففيما رواه أُسَامَة بنِ زَيدٍ - رَضِيَ اللهُ عَنهُمَا - قَالَ: قُلتُ: يَا رَسُولَ اللهِ، لم أَرَكَ تَصُومُ مِن شَهرٍ مِنَ الشُّهُورِ مَا تَصُومُ مِن شَعبَانَ!!

قَالَ: " ذَاكَ شَهرٌ يَغفَلُ النَّاسُ عَنهُ بَينَ رَجَبٍ وَرَمَضَانَ، وَهُوَ شَهرٌ تُرفَعُ فِيهِ الأَعمَالُ إِلى رَبِّ العَالَمِينَ، وَأُحِبُّ أَن يُرفَعَ عَمَلِي وَأَنَا صَائِمٌ " رَوَاهُ النَّسَائِيُّ وَحَسَّنَهُ الأَلبَانِيُّ.

وبهذا الحديث يلفت النبي صلى الله عليه وسلم النظر إلى العبادة التي يغفل عنها الناس، وربما دخلت في طور النسيان، فأصبحت سنناً مهجورة.

(ومن سن في الإسلام سنة حسنة فله أجرها وأجر من عمل بها إلى يوم القيامة)

فالصيام في شعبان والإكثار منه قلَّ من يتفطن له؛ فله مزية، وهو بين يدي شهر رمضان المعظم – بلغنا الله وإياكم إياه – قال العلماء فهو بمنزلة السنن الرواتب القبلية مع الفرائض، وفيه من تهيئة النفوس لشهر الصوم الشيئ الكثير، وتدريبها فلا يأتي رمضان إلا وقد ألفت الصوم واعتادت على نظامه!

فالموفق من كان له من هذه السُّنة نصيب، ومن كثر فالله أكثر، وأعظم وأكرم!

وقد صام بعض الناس في شهر رجب ظانين أن للصوم فيه مزية وليس كذلك فالفضل في صيام شعبان.

ولو أن تصوموا الأيام البيض منه الثالث عشر والرابع عشر والخامس عشر.

ولو صام من أي الشهر فهو خير قال الله تعالى: و(الصَّوْمَ لِي وَأَنَا أَجْزِي بِهِ) وأما حَدِيثُ: "إِذَا انْتَصَفَ شَعْبَانُ فَلَا تَصُومُوا حَتَّى رَمَضَانِ" فَقَدْ أَنْكَرَهُ كِبَارُ أَئِمَّةُ الْحَدِيثِ، كالإِمَام أَحْمَد وغيره.

ولو صح الحديث فهو محمول على من يصوم مسابقة لرمضان وحرصا في الإحتياط لرمضان، كما ورد النهي عن تقدم رمضان بصوم يوم أو يومين إلا لمن عادة في ذلك.

أيها الإخوة: من أفضل أعمال ابن آدم التي لا ينبغي أن تفوت عليه هو النية الصالحة فينوي المؤمن بين يدي مواسم الفضل أن يقوم بما ييسره الله له من العمل الصالح ينوي بذلك نية جازمة مستبشرة أن الله سيمد في عمره حتى يكون من الصائمين وهو بنيته هذه قد يحصل ما قد يفوته بعمله وكما جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه يقول: "نية المؤمن خير من عمله" فما أعظم فضل الله على عبده.

واحذر يا عبد الله وساوس المتشائمين الذين توهموا أنه في شعبان يكثر الموتى وتتعدد الجنائز، وهذا لا صحة له في شرع ولا واقع وإن صادف ذلك في بعض السنوات فلا يعني شيئاً، لذا يخطئ أصحاب الرسائل الذين يطلبون المسامحة في هذا الشهر، ويطلبون دعوة لهم عند الإفطار إن لم يدركوا رمضان ونحو ذلك.

أيها الإخوة: من كان عليه من رمضان السابق قضاء فإن فرصته هذا الشهر فليبادر بقضائه إن كان مستطيعاً، وتعاهدوا أهل البيت من النساء و من وجب عليهم الصيام من الصغار والمراهقين أصلح الله لنا ولكم.

أيها الإخوة: فالنفوس المشتاقة للخير ربما بادرت بأعمال يكون غيرها أفضل منها أو تكون فاضلة لكنها لا تقع على وجهها الصحيح، ومن ذلك حرص كثير من الراغبين في الخير على التصدق بالماء في شهر رمضان ومن أفضل الصدقة سقي الماء ولكن لا بد أن يكون تفاهم وتنسيق بين الراغب في الخير وقيم المسجد الذي تريد التبرع فيه تلافيا لما حصل في أعوام مضت أن كثرت المياه في بعض المساجد وزادت بأضعاف عن حاجة المنتفعين منه.

وكذا التنبيه لمن يحضرون التمر أو غيره تفطيراً للصائمين.

فلا يكن همك التصدق وتغفل موضع صدقتك، ومن ينتفع بها.

أقول قولي هذا ...

 

الحمد لله .... أما بعد:-

فإن القول يتأكد في الصدقة الواجبة وهي الزكاة فإنه - ولله الحمد- يخرج كثير الناس صدقاتهم في شهر رمضان والذي أؤكد عليه أن يتحرى الإنسان في مقدار زكاته في وقت مبكر، ثم يتحرى في الجهة التي يصرفها فيه من غير تشدد ولا تساهل وإنما الخطأ أن بعض من يزكون أموالهم لا يستفيقون إلا في آخر رمضان ثم يأتي بزكاته يضعها في أي جهة، أو يعطيها من قد لا يكون من أهلها حرصا منها أن تخرج في رمضان، ويغفل عما هو أهم من ذلك.

والصدقة تعظم بعظم انتفاع من بذلت له من جهة أو شخص حتى ولو كانت في غير رمضان، ولذا وجبت على مدار الحول، وكل بحسبه من السُّنة، و ثبت أَنَّ عُثْمَانَ بْنَ عَفَّانَ كَانَ يَقُولُ: " هَذَا شَهْرُ زَكَاتِكُمْ فَمَنْ كَانَ عَلَيْهِ دَيْنٌ فَلْيُؤَدِّ دَيْنَهُ حَتَّى تَحْصُلَ أَمْوَالُكُمْ فَتُؤَدُّونَ مِنْهُ الزَّكَاةَ " قيل كان عثمان يقول ذلك في شهر محرم.

ثم اعلموا رحمكم أن لم يثبت شيء في فضل ليلة النصف من شعبان والحديث المذكور في أنه يَطَّلِعُ اللَّهُ -عَزَّ وَجَلَّ- إِلَى خَلْقِهِ لَيْلَةَ النِّصْفِ مِنْ شَعْبَانَ فَيَغْفِرُ لِعِبَادِهِ إِلَّا لِاثْنَيْنِ مُشَاحِنٍ وَقَاتِلِ نَفْسٍ"، فهو ضعيف، وَلَيْسَ فِيهِ دَلَالَةٌ عَلَى تْخْصِيصِ النصف بِصِيَامِ،ولا لَيْلَةِ النِّصْفِ بقِيَامٍ، وَما يفعله بعض الناس وربما رأيته عبر وسائل الإعلام من اجتهاد أو احتفال أو تزيين بيوت بسرج ونحو ذلك فكله من البدع المحدثة.

بقيت كلمة لمن شرفهم الله وصدرهم فهم حملة كتاب الله يؤمون الناس في رمضان فهذا شهركم، يقول سلمة بن كهيل: كان يقال: شهر شعبان شهر القراء، لأنهم يستعدون لمراجعة محفوظهم من كتاب الله ليأموا به في صلاة رمضان فهنيئا لمن كان سبباً في إعانة متعبد على عبادته مخلصا لله، متبعا لسنة رسوله صلى الله عليه وسلم .

فاللهم بلغنا رمضان على أحسن حال ...



التعليقات ( 0 )

جميع الأوقات بتوقيت جرينتش +4 ساعات. الوقت الآن هو 01:18 مساءً الأربعاء 15 أكتوبر 1445.