• ×

د.عبدالرحمن الدهش

الصلاة

د.عبدالرحمن الدهش

 0  0  886
زيادة حجم الخط مسح إنقاص حجم الخط

إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره …

أما بعد :-

فإنَّ موضوعاً لا ينبغي أن يشغلنا عنه أيُّ موضوعٍ، وحديثٌ لا يليق أن يجعل كسائر الأحاديثِ .

ولأهميته، وعظمه لا بدَّ أن يبدأ القولُ فيه و يعاد .

ولخطورته، وتساهل الكثير فيه لا بدَّ أن تسمعه الآذان، وأن تعيه القلوبُ .

إنَّ هذا الموضوع من آخر ما تكلَّم به النبي  r ، وإن شئت قل : هو وصية النبي  r لأمته

فعن أنس – رضي الله عنه – قال : كانت آخر وصية رسول الله  r ، وهو يغرغر بها في صدره، فلا يكادُ يفيضُ بها لسانه :

الصلاة … الصلاة ، اتقوا الله فيما ملكت أيمانكم "  حديثٌ حسن ([1])

أجل : عباد الله، إنه موضوع الصلاة .

موضوع عليه نجاة الإنسان وفلاحه فعن أبي هريرة – رضي الله عنه – عن رسول الله  r أنه قال : " أوَّل ما يحاسب عنه العبدُ صلاته، فإن كان قد أتمها فقد أفلح وأنجح، وإن نقصت فقد خاب وخسر " رواه أبو داود .

إنَّ الصلاة هي العهد الذي بين العبد وربه قال النبي  r " العهد الذي بيننا وبينهم الصلاة فمن تركها فقد كفر " حديث صحيح رواه أحمد وغيره .

ولقد ذكر النبي r الصلاة يوماً فقال : " من حافظ عليها كانت له نوراً ، وبرهاناً ، ونجاةً ، يوم القيامةِ ، ومن لم يُحافظ عليها لم تكن له نورٌ ولا برهانٌ ، ولا نجاةٌ ، وكان يوم القيامة مع قارون وفرعون وهامان وأبي بن خلف " ([2]) .

وبعد هذا نجد في كثير من المسلمين من كانت الصلاة في ثانويات أعمالهم، وفي أخريات اهتماماتهم ، خفَّ ميزانها في نفوسهم .

فمنهم من عطَّلها فترك الصلاة تركاً كلياً، فهؤلاء الذين خسروا أنفسهم، وضل سعيهم، وحبطت أعمالهم فأحسن الله عزاء المسلمين فيهم .

هؤلاء قد حكم فيهم النبي r حكمه فعن جابر بن عبدالله رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:  " بين الرجل وبين الكفر والشرك ترك الصلاة " رواه مسلم.

وقال عبد الله بن شقيق : كان أصحاب النبي  r لا يرون شيئاً من الأعمال تركه كفر غير الصلاة " وهو صحيح.

ومن الناس من تكاسل عن الصلاة فصار يؤخرها عن وقتها من غير عذر شرعي .

فإن نام فصلاة بعد نومه طال نومه أو قصر .

وإن جلس مع رفاقه ، وأصحابه يتحدثون فصلاته بعد مجلسه مهما امتدَّ هذا المجلس ، وعلى أي حال هم في هذا المجلس .

وإن كان مشتغلاً في محله، أو مزرعته، أو في بيته، أو متابعاً لمباراة، أو مشاهداً لتلفزيون، أو مقلباً في جواله فصلاته بعد هذه كلها، لا يقبل في ذلك صرفاً و لا عدلاً !

ومن الناس من حرص على الصلاة ، ولكنَّه ظنَّ صلاته في بيته هي كصلاته في مسجده فتخلَّف عن جماعة المسلمين، وهجر بيت رب العالمين .

ومن ترك الجماعة من غير عذرٍ فهو على خطرٍ عظيمٍ ولقد همَّ النبي r أن يُحَرِّق بيوتاً على أقوامٍ لم يشهدوا الصلاة مع الجماعة، ولم يقل النبي  r لعلهم يصلون في بيوتهم .

فكيف تطيب نفسك يا عبد الله : أن تسمع النداء وأنت صحيح في بدنك، آمن في بيتك ثم لا تجيب داعي الله ؟

أرأيت لو فاجأك مرض لم تعط أملاً في شفائه، أو حلَّ بك كربٌ لا قدرة لك بدفعه ، كيف حالك مع هذا ؟

إن الظنَّ بك أن تسابق مؤذن المسجد في الحضور ترجو فرج الله، تعطي العهود بالمحافظة على الصلاة! وعبادتك حينئذ عبادة ضرورة .

فلم لا تعبدِ الله عبادة اختيارٍ، ورغبة ؟.

تعرف إلى الله في الرخاء يعرفك في الشدة .

وإنَّ مما ابتلي به كثيرٌ من المسلمين التفريطَ في صلاة الفجر فثقلت رؤوسهم في هذا الليل الباردة، واعتاد كثير منهم السهر الكثيرَ

فشابهوا المنافقين في تخلفهم عن هذه الفريضة محتجين أنهم لا يستطيعون القيام، ولو علِموا لهم مصلحة عاجلة لجاؤوا إليها وهم يجمحون .

ولقد رأى النبي r أقواماً ترضخُ رؤوسهم بالصخر، كلَّما رضخت عادت كما كانت ، لا يفتر عنهم من ذلك شيء، قال : يا جبريل مَن هؤلاء، قال هؤلاء الذين ثقلت رؤوسهم عن الصلاة " رواه البزار بسند حسن .

يقول عبد الله بن مسعود – رضي الله عنه – " من سره أن يلقى الله غداً مسلماً فليحافظ على هؤلاء الصلوات الخمس حيث ينادى بهن ، فإن الله شرع لنبيكم سنن الهدى ، وإنهن من سنن الهدى ، ولو أنكم صليتم في بيوتكم كما يصلي هذا المتخلف في بيته لتركتم سنة نبيكم ، ولو تركتم سن نبيكم لضللتم ، وما من رجلٍ يتطهر فيحسن الطهور، ثم يعمد إلى مسجد من هذه المساجد إلا كتب الله له بكلِّ خطوةٍ يخطوها إلى الصلاة حسنة ، ويرفعه بها درجة ، ويحط عنه بها سيئة، ولقد رأيتنا، وما يتخلفُ عنها إلا منافقٌ  معلومٌ النفاقِ ، ولقد كان الرجلُ يؤتى به يهادى بين الرجلين حتى يقامَ في الصفِّ "  رضي الله عنهم ، ووفقنا لما وقفهم ، وأعاننا على أنفسنا  .

     أقول قولي هذا واستغفر الله …

 
الحمد لله على إحسانه ...

أما بعد:-

أيها المصلي، يا من أنعم عليه ربه فصارت صلاته جزءاً من حياته، هنيئاً لك هذا الخير، فاستمسك به في حضرك وسفرك، وفي حيك، وفي مخيمك، وتنزهك خط المسجد في مكان نزولك، وناد للصلاة فيه، أيقظ النائم، وحث الجالس، هيئ المياء للوضوء مسخنا إن لزم الأمر، وعاتب المتكاسل المتأخر !

أيها المصلي هنيئاً لك صلاتك فالمحافِظَ على الصَّلاةَ سوف تنهاه صلاته عن الفحشاء والمنكر؛ لأنَّ الله تعالى يقول عَن الصَّلاةِ ]  إنَّ الصلاةَ تَنْهى عن الفَحْشاء والمنكر [

إنَّ المحافظ على الصلاة قد سلم من وصف الهلع الذي ذكره الله وصفاً للإنسان واستثنى المصلين .

قال تعالى ] إنَّ الإنسان خلق هلوعاً إذا مسَّه الشر جزوعاً، وإذا مسَّه الخير منوعاً إلا المصلين [.

فالمصلي أثبت الناس قلباً فهو لا يجزع عند الشرِّ والمصائب، فإن أصابه فقرٌ، أو مرضٌ، أو ذهابُ محبوبٍ، من أهلٍ أو ولدٍ علِم أنَّ ذلك بقدر الله ، وما أبقى الله أكثر مما أخذ .

والمصلي لا يمنع عند حصول الخير والنعمة، فهو شاكر باذلٌ، يؤدي ما أوجب الله من زكاة ونفقة على من أوجب الله نفقته عليه، ويرى فضل الله في ذلك كلِّه عليه

وكيف لا يكون المصلي كذلك وهو يناجي ربَّه ، ويقف بين يديه ويجيب دعوة خالقه في كلِّ يوم خمس مرات .

إنّ الصلاة عونٌ للعبد في عمله، وقوةٌ له في بدنه ، ومستراحٌ له في قلبه، يتزود منها نشاطاً وطمأنينةً .

ولقد كان نبينا محمد  r إذا حزبه أمر فزع إلى الصلاة ، وجعل الله قرة عينه فيها ، فهو أكمل المصلين ، يطيل قراءتها ، ويتمُّ ركوعها ، ويحسن سجودها

إنَّ الصلاة عصمة للبيوت، ورباط للأسر ، وسدٌّ في وجه الشيطان الذي يريد فصامها ، وهدمها على أهلها ؛ فإن تجد قوله تعالى (حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى) تجدها في كتاب الله في أثناء آيات الطلاق، والعدد وبعد آية الخلع إشارة واضحة أنَّ الصلاة من أكبر الأسباب للمِّ شعث البيوت، والقضاء على نزغات الشيطان فيها

فالمصلي أبعد الناس عن التلاعب بالطلاق، وإيقاعه لأنفه الأسباب ، فصلاته تربط على قلبه ، وتعينه على تحمل نقص زوجه ، والتغاضي عن عيبها .

فالصلاة كلها صلاح الدين والدنيا (قد أفلح المؤمنون الذين هم في صلاته خاشعون)

اللهم اجعلنا مقيمي الصلاة وذرياتنا، وارزقنا بصلاتنا فلاحاً وصلاحاً ونجاة يوم أن نلقاك .

اللهم أعنا على ذكرك وشكرك ....

اللهم لك الحمد أن وفقت رجال أمننا على الأخذ على أيدي سفهاء الأحلام الذين اجتالتهم شياطين الإنس والجن فزينت لهم التكفير والتحطيط للتفجير والعبث بالأمن .

اللهم قو رجال أمننا بالحق، وقو الحق بهم .

اللهم احفظ بلادنا وبلاد المسلمين من أصحاب الأفكار الرديئة ذوي الأهواء الغالية، والتوجهات الآثمة .

اللهم من أرادنا في أمننا أو تمسكنا في ديننا وإيماننا اللهم اكشف ستره وافضح أمره، وسلط عليه ولاة أمرنا لاتأخذهم في ذلك لومة لائم . إنك على كل شيء قدير.

([1]) رواه في تعظيم قدر الصلاة (1/332) ، وابن ماجه ، والنسائي في الكبرى .

([2]) أحمد بسند جيد ، والطبراني ، وابن حبان    … خطب الفوزان .



التعليقات ( 0 )

جميع الأوقات بتوقيت جرينتش +4 ساعات. الوقت الآن هو 02:49 مساءً الخميس 18 سبتمبر 1445.