الحـمد اللـه الذي بلغنا شـهر الصـيام وعرفنافضـله وفضـل القـيام .
وجعل لمن احتسب صيامه وقيامه مغفرة الذنوب والآثام .
وأشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أنَّ محمداً عبده ورسوله خير من صلَّى لربه وصام، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه خير الأنام .
أما بعد : -
فاتقوا الله عباد الله واعرفوا قدر نعمة إدراك رمضان فإنَّ شهر رمضان موسم عظيم، وشهر مبارك كريم تضاعف فيه الحسنات، وتكفر فيه السيئات، فلعلكم لا تدركونه بعد عامكم هذا، أو لا تستكملونه وقد أدركتموه، فقدِّموا لأنفسكم خيراً عند ربكم تجدوه ، فبالصوم يستكمل العبد أحد أركان الإسلام .
وبالصوم يجعل الإنسان بينه وبين عذاب الله جُنة ووقاية قال النبي صلى الله عليه وسلم " الصوم جنة يستجنُّ بها العبد من النار " .
وإنَّ للصائمين باباً من أبواب الجنة يسمى باب الريان لا يدخله إلا الصائمون، فإذا دخلوا منه أغلق إكراماً لهم وتعظيماً لشأن الصيام .
فالصيام هو التعبد لله بترك ما حرَّم الله على العبد حال صيامه من طلوع الفجر الثاني إلى غروب الشمس .
فأعظم ما حرَّم الله على العبد حال صومه ويأثم بفعله، وعليه التوبة الصادقة منه، هو الجماع في نهار رمضان، وفيه الكفارة المغلظة ، وهي عتق رقبة فإن لم يجد فصيام شهرين متتابعين لا يفطر فيها إلا من عذر شرعي ، وإلا لزمه الاستئناف من جديد، فإن لم يستطع فإطعام ستين مسكيناً .
وعلى المجامع أيضاً أن يمسك بقية يومه، ويقضي يوما مكانه .
فهذه خمسة أمور على المجامع في نهار رمضان ( إثمٌ، عليه أن يرفعه بتوبة، وكفارة مغلظة، وإمساك بقية يومه ، وقضاء لهذا اليوم) .
ولقد تردَّت حال طائفة من الصائمين فاستزلهم الشيطان فزيَّن لهم ما حرَّم الله عليهم فوقعوا في هذا المفطر تساهلا وجرأة على حدود الله، ثم هو يسأل وقد أتى أهله في نهار رمضان في عام سابق المرة بعد المرة في أيام متعددة مجتمعة ومتفرقة، وهو أبعد الناس عنهم في الليل الذي أحل الله الرفث فيه إلى النساء، نسأل الله العفو والعافية .
ومما يجتنبه الصائم الأكل والشرب وما في معناهما سواءً كان أكلاً أو شرباً معتاداً أو غير معتاد حتى ولو كان ضاراً كالدخان مثلاً .
وكذلك ما كان بمعنى الأكل والشرب، وهي الإبر المغذية دون غيرها من سائر الإبر على ما هو الراجح في ذلك .
ومما يتجنَّبه الصائم ويفطر به إنزال المني يقظة بمباشرة أو تقبيل أو استمناء بيده أو غيرها .
وكذلك يفطر الصائم بخروج الدم بالحجامة أما خروجه بجرح أو قلع سن، أو لأجل التحليل فلا بفطر بذلك .
ويفطر أيضاً بخروج القيء إن تعمده وتسبب به أمَّا إن خرج بغير اختياره فلا يفطر بذلك .
وكذلك خروج دم الحيض والنفاس بالنسبة للمرأة .
فاعرفوا رحمكم الله حدود الصيام، واحفظوا صيامكم مما يبطله أو ينقص أجره .
فاحذروا المعاصي عموماً في كل وقت واحذروها أيضاً في حال صيامكم لئلا تنقص أجوركم وتخرقوا صيامكم ، فاجتنبوا الغيبة والنميمة والسباب وسيئَ القول فإن سابك أحدٌ فقل: إني صائم .
يقول النبي صلى الله عليه وسلم " من لم يدع قول الزور والعمل به والجهل فليس لله حاجةٌ في أن يدع طعامه وشرابه"
فما يغني ترك الأكل والشرب لمن تخبَّط في محارم الله واستهان بما أوجب الله .
فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " رب صائم حظه من صيامه الجوع والعطش " حديث صحيح رواه ابن ماجه والنسائي
كمِّلوا رحمكم الله صيامكم بآداب الصيام " تسحروا فإنَّ في السحور بركة "
وفي حديث ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم : "إنَّ الله وملائكته يصلون على المتسحرين " حسنه الألباني.
وأكلة السحر عون لكم على صيام يومكم .
وإن بعض الناس يأكلون من آخر ليلهم ثم ينامون فهؤلاء فوَّتوا أنفسهم بركة السَّحور ، وربما كان عملهم هذا سبباً في ثقل صلاة الفجر عليهم، أو تركها وصلاتها بعد وقتها .
ومتى تحقق الإنسانُ غروبَ الشمس بواسطة المشاهدة أو بالمؤذن الثقة فليبادر في الفطر فلا يزال الناس بخير ما عجلوا الفطر . ويقول الله عزَّ وجلَّ " أحبَّ عبادي إلى أعجلهم فطراً " .
وإذا أفطر أحدكم فليفطر على رطب فإن لم يجد فعلى تمر، فإن لم يجد فعلى ماء فإن لم يجد فعلى أي طعام مباح.
واعلموا أن وقت الإفطار وقت فرحٍ وسرور، فللصائم فرحتان ، فرحةٌ عند فطره، يفرحُ أن منَّ الله عليه بإتمام هذا اليوم ، وأنَّ الله أباح له الأكل بعد أن كان حراماً عليه، وفرحة عند لقاء ربه ، يسرُّ بعمله واحتسابه بصيامه.
فليتذكر بالفرحة الأولى الفرحة الثانية فيزدادُ شوقه إلى ربه، وإخلاصه في عمله .
وإذا كان في فطره يجتمع بأهله وأولاده صغارهم أوكبارهم في بيته آمناً فليتذكر بهذا الاجتماعِ أقواماً لم يستطيعوا الاجتماع مع أهلهم وأولادهم بسبب ظروف معيشتهم واغترابهم بحثاً عن لقمة عيشهم وهم مأجورون بنيتهم الصادقة.
وكذا ليتذكر أقواماً حالهم أسوء حال فرقتهم رحى الحروب ودوي الانفجارات فصاروا يتخطفون من بيوتهم، ومن بين ذويهم وأولادهم
(وما نقموا منهم إلا أن يؤمنوا بالله العزيز الحميد) فاحمد الله على جمع الشمل وحلول الأمن، واحذر الأشر والبطر ، واستعن بنعم الله على طاعته .
وفقنا الله وإياكم لفعل الخيرات
الحمد لله أمر بالمسارعة إلى الخيرات، ووعد على ذلك بتكفير الذنوب والسيئات.
وأشهد ألا إله إلا الله ، وأشهد أنَّ محمداً
أما بعد : -
فإنَّ إدراك رمضان نعمة كبرى ، وفرصة عظمى لكلِّ مسلم عرف قدر الحياة، وتفلتَ أيامها ، وتنوعَ صروفها، وقربَ غيرها .
فهو فرصةٌ لمن عرف من نفسه التخلف عن حضور صلاة الجماعة ، يسمع النداء ولكن نفسه غلبته والتسويف ما زال طبعَه فلم يُر في المسجد وهو صحيح في بدنه وآمن في بيته .
فها هو رمضان قد أظلك، وكتب الله لك بقاءً في هذه الدنيا حتى أدركت رمضان، فما أنت صانع بصلاتك ؟
أيها المسلم إن غفلت ما أعظم خسارتك حينما ينتهي رمضان، ويأتي الجادون لم تفتهم صلاة واحدة في هذا الشهر، ويأتون وقد قرؤا القرآن مرة بعد مرة، وبذلوا أموالهم وتنوعت دعواتهم ثم تأتي يا من أتبع نفسه هواها لم تفتك حلقة من المسلسل الفلاني، ولم تغب عن جلسة قوامها القيل والقال، والسخرية بعباد الله، وحظك من الطاعة أقل حظ، فلا قلب منك استقام، ولا حسن منك خلق .
أيها الأفاضل: الغيرة على المحارم فطرة جعلها الله في قلوب الأسوياء من عباده، وإن الإنسان مهما أسرف على نفسه فإنه يأنف أن يرى فلذات أكباده من بنيه وبناته أن يراهم نهباً لقنوات الضلال والإضلال يملون عليهم أسوأ الأخلاق، ويصبغونهم بصبغة الانحلال والفساد عبر قنوات الرذيلة، ومسلسلات دأبت على قتل الفضيلة وقد أعدوا لأولادنا من البرامج التي يسمونها رمضانية ما يستحي من ذكره، ليتحول رمضان بساعاته المباركة ونفحاته الإيمانية إلى موسم أجوف تروج فيه البضاعة الكاسدة، وتهون فيه منكرات الأقوال والأفعال .
وسوف يعود أثر هذا على متابعي تلك الرزايا ضعفاً في استقامتهم، ورقة في تدينهم، وسوف يتبع ذلك تساهل في المحارم التي طالما عظموها، وسينكسر حاجز النفس عما حرم الله من الفواحش فتصبح الشهوة هاجساً له، والوصول إلى إشباعها مطلباً يدور حوله في سوقه ومكان عمله، بل و بين محارمه في بيته .
فاللهم لا تسلط علينا بذنوبنا، ولا تؤاخذنا بما فعل السفهاء منا .
فاللهم احفظ لنا ديننا، واحم شباب المسلمين مما يدار خلفهم لإسقاطهم.
اللهم اعمر بيوتنا بطاعتك، وطهرها من فساد الإعلام، وقنوات الفساد .
اللهم بصر قادة الأمة الإسلامية وشعوبها بكيد أعدائها، وقها شر المسارعين في قتل غيرتها، وإفساد أخلاقها ممن عظم شرهم، وتلون مكرهم، والله المستعان عليهم، ولا حول ولا قوة إلا بالله .
أيها الموفقون النهار طويل، والوقت قيظ، والحرارة شديدة ولكن الأجر على قدر المشقة، وحفت الجنة بالمكاره، وهاهي عشركم الأولى توشك أن تنفضي والله المستعان، فاحتسبوا صيامكم وكلفة عبادتكم.
وتعاهدوا أولادكم وحثوهم على مراقبة الله في صيامهم وإن منهم من سولت لهم أنفسهم وجرأ بعضهم بعضا فافطروا في نهار رمضان، وتواعدوا على هذا المنكر العظيم في استراحاتهم، ومن أفطر يوما في رمضان لم يقضه صيام الدهر كله .
فاللهم اهد الضالين من المسلمين، وبصِّر شباب المسلمين في دينهم وارزقهم تعظيم حرماتك، والوقوف عند حدودك .
