• ×

admin

خطبة يوم الجمعة 3-5-1431هـ بعنوان قتلى السيارات

admin

 0  0  2.3K
زيادة حجم الخط مسح إنقاص حجم الخط
إن الحمد لله ...
أما بعد :-
فقد جعل الله النفس أمانة عندك يا ابن آدم أوجب عليك ربك حفظها والنأي بها عن كل موارد الخطر عليها و ما يوقع الهلكة بها
(ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة)
تواترت الشرائع على حفظ النفوس كما تواترت على حفظ العقول والأعراض والأموال والأديان .
أراد الله آدم عليه السلام - ليكون خليفة له على هذه البسيطة فقالت الملائكة (أتجعل فيها من يفسد فيها ويسفك الدماء)
فسفك الدماء مناقض لمبدأ الاستخلاف الذي هو مبدأ الاختبار في هذه الدنيا (ثم جعلناكم خلائف في الأرض من بعدهم لننظر كيف تعملون)
وقد عظَّم الله شأن أول قتل وقع على الأرض حيث فتح على الناس باباً يجهلونه وجرَّأهم على منكر ما كانوا ليجرؤا عليه
يقول النبي صلى الله عليه وسلم : \" لا تقتل نفس ظلماً إلا كان على ابن آدم الأول كفل من دمها لأنه أوَّل من سنَّ القتل \" متفق عليه
وفي قصة موسى عليه السلام مع الخضر حينما قتل الغلام وهو مأذون له فيه لأنه على علم لم يطلع عليه موسى لعظم الأمر لم يصبر موسى فبادر الخضر بالإنكار (حتى إذا لقي غلاماً فقتله قال : أقتلت نفساً زكية بغير نفس لقد شيئاً لقد جئت شيئاً نكراً) .
والنصوص في تأكيد حرمة النفوس وتعظيم شأنها أكثر من أن تحصى يقول النبي صلى الله عليه وسلم : \" لا يزال المرء في فسحة من دينه ما لم يصب دماً حرام \"
وإذا كانت هذه النصوص في القاتل المتعمد الذي سعى باختياره ليخرج إنساناً من هذه الدنيا تحت حمأة غضب أو تسلط هوى أزَّه الشيطان .
فإن التسبب في القتل مع التفريط والاستهانة بأرواح معصومة ونفوس ترجو السلامة هو شريك للعمد بنوع من العدوان والظلم .
فالقتل خطأ وإن لم يستوجب صاحبه القصاص فيه لفقد شرط التعمد المحض ولكنه يبقى قاتلاً مستوجباً مسؤولية خطئه، مأموراً بالمبادرة بالتوبة إلى ربه .
عباد الله : أنعم الله علينا بهذه السيارات تحملنا وتحمل متاعنا إلى حيث شئنا إلى بلد لم نكن لنبلغه إلا بشق الأنفس فهاهي تقلنا مستوين عليها مطمئنين فيها ، متحدثين آكلين شاربين في جوفها ، وإن شئنا نائمين ، فلم يعد السفر مكلفاً بتيسير الله فيها ، نقطع بها السهل وتصعد بنا الجبل ونتجاوز بها الوعر والحزن .
لا يشتكي راكبها حراً في زمن حرِّ ، ولا يحمل من أقلته هم مطر ولا قرٍّ
فمن يقدر هذه النعمة حقَّ قدرها ، ويقوم بشيء من شكرها ومعرفة عظيم نفعها
أيها الإخوة : حينما تتحول النعمة عند قوم إلى نقمة ، وتصير أداة الخير سبيلاً إلى الهلاك والإعاقة وبتر الأعضاء والإصابات المستعصية التي ربما أقعدت المصاب بها شهوراً أو سنين على سريره مستلقياً على ظهره فضلاً عن الذين أخرجوا من المستشفيات إلى بيوتهم وقد أفلست الجهود الطبية أن تقدم شيئاً لهم فخرجوا ليبقوا أجساداً بلا حركة مدى حياتهم ، وجزءاً لا ينفصل من أركان بيوتهم عالة على غيرهم حسرة على ذويهم .
من يصدق أن تكون قيادة السيارة محلاً للتحدي ؟
ومن يتصور أن السائق يراهن على حياته وحياة المشجعين لطيشه الراكبين معه ليروا مهارته حتى يكونوا شهود عيان ينقلون شجاعة قلبه واستهانته بمن حوله ؟
إذن لا غرابة أن يحذف فارس تلكم السيارة سيارته ذات اليمين وذات الشمال، أو يديرها بما يفجؤ بها مشاهديه وهي على أتم قوتها وأقوى انطلاقتها
تلكم بعض أعمال صغار العقول وإن كبرت أسنانهم وأجسامهم الذين فتحوا أعينهم على روضة خضراء وحديقة غناء فظنوا أن الحياة تؤخذ غلاباً ، والسعادة هي في تصفيق المشاهدين وتصفير المعجبين .
فمن لهؤلاء الغافلين ؟
من يوقظهم من سكرة شبابهم ؟ ونشوة طيشهم ؟
أنرجع هذا كله إلى قضية الفراغ الذي ضرب أطنابه في حياة أولئك الشباب أم نرجعه إلى النعمة والجِدة و توفر المال وعدم الاكتراث بالضرر والتلف المادي وقد قال الأول :
إن الشباب والفراغ والجدة مفسدة للمرء أي مفسدة
أو ترانا نرجع هذه الظاهرة إلى تفريط أولياء الأمور حيث سلطوا صغار السن أو صغار العقول على هذه المركوبات وغفلوا عن متابعتهم بعد ذلك .
أو تريد اختصار الأمور فالمسؤولية كلها على رجال الأمن وشُرَط المرور لماذا تساهلوا مع هذه الشبيبة ؟
إنَّ واقع الحال لا يعفي كل هؤلاء من المسؤولية نعم بعضها أقوى من بعض ولكنها تحمل جزءاً لا يغفل ، ولا يقبل أن يلقيه على غيره .
وفي هذا المقام نذكر والذكرى تنفع المؤمنين .
فتذكر يا من سيارته هي أداة لعبثه وطال بها لعبه تذكر ما قد ينزل بك نتيجة تلك التجاوزات من أمور لا يمكن دفعها من موت أو إصابة أو خسارة سيارتك أو تسبب في شيء من ذلك على أحد من عباد الله
والسعيد من اتعظ بغيره .
فهل سمعت تراجعات بعض من مَنَّ الله عليهم بالتوية عن هذه الأمور فصاروا يحدثون ببعض مآسيهم السابقة ، ويذكرون مرارة تجربتهم الماضية
نعم السعيد من اتعظ بغيره ، فاطلب تلك التجارب القاسية مسجلة مرئية أو مسطرة مكتوبة ، اطلبها لتعلم أن هؤلاء المتهورين والمحترفين أن حقيقة أمرهم أنهم منحرفون يسعون إلى سراب لن يبلغوه .
فبالله عليك أيها الغافل
ما رأيك بهذا المشهد بل مشهدين اثنين فاستمع :
طفلة صغيرة أوصلها والدها إلى باب المدرسة، وودعت أباها بابتسامة بريئة وقد حدَّثها أبوها بشراء بعض مستلزماتها وتأمين حوائجها بعد رجوعها من مدرستها فانصرفت على وعود أبوية صادقه ، ثم لما أتى الظهر ساعة العودة فإذا بها عند عتبة الباب تنتظر طلعة أبيها بلهف واشتياق فطالت ساعة الانتظار وتفرق عنها صويحباتها ، لم يأت أبوها بعد ، بدأ القلق يدب إلى قلبها والتساؤلات تقرأ في وجهها ، وفي هذه اللحظات فاجأها مجيء عمها وهو يواري وجهه عن وجهها يبدي تشاغلاً عن سؤالها الملح أين أبي ؟
لم لم يأت هو؟، وقد عوَّدني أن يأتي .
أما المشهد الثاني: فشيخ كبير، ملامح الصلاح في وجهه ووقار السن في سمته ودله مصل عابد خرج ذات يوم مسبحاً ، ذاكراً الله- عزّ وجلّ- من بيت من بيوت الله وقد أدي فرضه، وأرضى ربه، وعندما أراد أن يعبر الطريق إذا بذلك المتهور يتربص به بعد أن خرج مقلعاً من أحد الممرات ليتم تفحيطه فهو إذن في حي سكني خرج ليكون خروجه خروجاً لروح ذلك المسكين بعد أن دهسه وقد حاول ذلك الشيخ تفاديه والهرب من أمامه ، و سائق السيارة لم يدخر وسعاً في تفاديه أيضاً ولكن التفادي يكون قبل باحترام حق الطريق ومراعاة المارة وحسن التصرف في السيارة . إنهما صورتان لا أعني بهما معينين، ولكننا لا نختلف أنها صور متكررة فهي ليست من نسج الخيال نعم تزيد في بعضها بعض تفاصيل وتنقص ولكن تبقى مصائب طالما فجع بها أناس فيتم بسببها أطفال ورمِّلت نساء وقتل فيها أبرياء فهي أحزان متواصلة ودموع متتالية في فقد أقارب وفراق أحبة ! فمن يبوء بإثم قتلهم وقطعهم عن الحياة !
فإنا لله وإنا إليه راجعون










الحمد لله رب العالمين
أما بعد :-
فإحدى وثلاثون حالة وفاة في عام تسع وعشرين وأربع مائة وألف، وخمس وثلاثون وفاة في العام بعده عام ثلاثين ما بين صغير وكبير ورجل وامرأة رحمهم الله .
هذا تقرير إدارة المرور في المحافظة .
ولن تموت نفس إلا بإذن الله (وما كان لنفس أن تموت إلا بإذن الله كتاباً مؤجلا)
ولن تقع مصيبة موت أو غيره أو إلا وقد علمها الله وقدَّرها (ما أصاب من مصيبة في الأرض ولا في أنفسكم إلا في كتاب من قبل أن نبرأها إن ذلك في كتاب إن ذلك على يسير)
ولا أرغب في إزعاجك في ذكر أرقام وإحصائيات تتعلق بالمصابين وقيم المتلفات.
وإنما كلامنا في التحذير أن يكون أحد متسبباً في موت أحد أو إيصال ضر به، وليس وراء ذلك إلا تساهل واستهانة بأرواح أحد من المعصومين،
ومن التسبب التساهل في تسليم السيارة للأبناء الصغار فهو لا يزال في المرحلة المتوسطة عقله صغير ودعك من جسمه.
أغرك أنه يقود بتؤده وتريث إذا كنت معه، أو ركبت معه أمه .
أغلبتك العاطفة!
فابن عمه يقود السيارة، وكذا ابن الجيران، وزميله في الصف، فلا تزال عواصف الالحاح تعصف، ومراجعات الابن في عاطفة الأب تقصف. . . . والنهاية معروفة .
وأما الخطأ المحض الذي يكون مع حيطة الإنسان وبعده عن أسبابه فإن وقع فلا تثريب على من وقع منه وربما يكون فيه خير للإنسان من جهة تنبيهه لما هو أعظم وقد يكون فيه إن شاء الله تكفير لذنوبه من جهة ما يلحقه من الحزن والأسف على ما حصل .
ثم إن الله أوجب على القاتل خطأ إن باشر القتل أو تسبب أو شارك فيه أمرين اثنين تعظيماً لما وقع منه فأوجب الكفارة حقاً له وهي عتق رقبة مؤمنة فمن لم يجد فصيام شهرين متتابعين لا يفطر بينهما يوماً واحداً إلا من عذر شرعي وإلا لزمه الاستئناف من جديد .
ثم عليه الدية بعد ذلك تسلم إلى ورثته إلا أن يصَّدقوا بها بالشرط الذي بينه الله تعالى بقوله (فمن عفا وأصلح فأجره على الله) .
فتنبه أيها الولي لا تسارع بالعفو عن الدية تريد الأجر إلا أن يكون في ذلك إصلاح للقاتل ، وبه تعرف خطأ كثير ممن يتوفى لهم قريب بحادث أو غيره فتحت صدمة المصيبة ربما بادروا إلى التبرع بالدية وقد يظنون أن ذلك أنفعُ للميت، والدية حق للورثة فلا بعفوا إلا أن يكون في عفوهم إصلاح ، وقد يكون الإصلاح في عدم العفو إذا علم أن المتسبب في الحادث متهور في قيادته صاحب سوابق في ذلك أو على حال غير مرضية من سكر أو تناول مخدر، فلا يجوز العفو لما فيه من الضرر المتوقع ولو على الأقل أن يترك فترة يربص فيها ليذوق وبال أمره، وعاقبة تهوره .
والسعي في العفو لمن لا يستحقه سعي غير مشكور، وشفاعة سيئة والله تعالى يقول (ومن يشفع شفاعة سيئة يكن له كفل منها) فيجب ردها وتأنيب من يقوم بها .



للاستماع للخطبة من هنا


التعليقات ( 0 )

جميع الأوقات بتوقيت جرينتش +4 ساعات. الوقت الآن هو 05:59 صباحًا الخميس 16 أكتوبر 1445.