• ×

د.عبدالرحمن الدهش

يوميات نبوية

د.عبدالرحمن الدهش

 0  0  835
زيادة حجم الخط مسح إنقاص حجم الخط

إن الحمد لله . ..
أما بعد :-
فهل لك أن تتعرف على مواقف من عمر شريف أقسم الله به (لعمرك إنهم لفي سكرتهم يعمهون)،  وأثنى على صاحب ذلك العمر فقال (وإنك لعلي خلق عظيم) .
أنزل الله عليه في أوائل ما أنزل من القرآن (إنك لك في النهار سبحاً طويلا) فالنهار محل السبح وهو التقلب في هذه الدنيا والتنقل في مصالحها، والسعي في نواحيها     (إن سعيكم لشتى) وهو المعاش الذي قال الله فيه "وجعلنا النهار معاشا"
وقال الله عن هذا السبح (طويلا) ففي زمن النهار متسع لأعمال كثيرة، وما فات من عمل الليل فإنه يتدارك في النهار  
(وهو الذي جعل الليل والنهار خلفة لمن أراد أن يذكر أو أراد شكورا) قال ابن عباس رضي الله عنه: عوضاً وخلفاً يقوم أحدهما مقام صاحبه فمن فاته عمل في أحدهما قضاه في الآخر.
قال قتادة : فأدوا لله من أعمالكم خيرا في هذا الليل والنهار فإنهما مطيتان يقحمان الناس إلى آجالهم ويقربان كل بعيد ويبليان كل جديد ويجيئان بكل موعود إلى يوم القيامة .
أيها الإخوة دعونا في وقفات مختصرة نطل إطلالات نيرة، ونشْرُف بمعرفة لحظات نهارية من يوميات خير البرية .
ولنبدأها في ساعات الصباح الباكر، (وبورك لأمتي في بكورها)، ولا تزال أسواق المدينة وأزقتها في غلسها، ولم تطو السماء عن البيوت غسقها وظلمة ليلها .
وكأنك بصوت بلال رضي الله عنه يؤذن في المسجد النبوي معلنا بداية يوم جديد، داعياً إلى إجابة نداء الله فالصلاة خير من النوم .
ومن أقرب البيوت للمسجد بيت النبي صلى الله عليه وسلم فأهل بيت النبي صلى الله عليه وسلم هم أسعد الناس وأول من يصلهم الأذان المهيب .
فعلى أي حال هم أصحاب تلك الحجرات في تلك اللحظات المبكرات ؟.
استيقظ النبي صلى الله عليه وسلم على جمل الأذان الله أكبر ، الله أكبر .
وليست هذه الاستيقاظة الأولى بل سبقتها استيقاظ صلاة الليل (يا أيها المزمل قم الليل إلا قليلا).
فهي استيقاظ من نومه الراحة بعد تهجد طويل (ومن الليل فتهجد به نافلة لك)
فكان صلى الله عليه وسلم ينام نصف الليل ويقوم ثلثه وينام سدسه وقد أخبر عليه الصلاة والسلام أن هذا قيام نبي الله داود عليه السلام وهو أفضل القيام .
أذن لصلاة الفجر فتوضأ عليه الصلاة والسلام لصلاة الفجر، وربما اكتفى بوضوئه الأول فإن النبي صلى الله عليه وسلم تنام عيناه ولا ينام قلبه .
فأول صلاته بعد أذان الفجر راتبة الفجر ركعتان خفيفتان فسنة النبي صلى الله عليه وسلم تخفيف هاتين الركعتين ولا يزيد عليهما وقد قال في فضلهما (خير من الدنيا وما فيها) فماذا بين الأذان والإقامة إن كانت زوجته مستيقظة فربما آنسها بحديث أو خبر مختصر، وإلا اضطجع على شقه الأيمن حنى يجتمع الناس في المسجد، ثم بلال يناديه من المسجد الصلاة يارسول الله .
خرج النبي صلى الله للصلاة المشهودة صلاة الفجر فما ظنك بصلاة النبي صلى الله عليه وسلم، وما ظنك بصلاة خلفه صلى الله عليه وسلم، وقد جعل الله قرة عينه في الصلاة .
سويت الصفوف ودخل الناس مصلين خلف إمامهم الأعظم في قراءة مترسلة يقف على رأس كل آية بترتيل خاشع وإطالة غير شاقة على من خلفه فكانت قراءته في الفجر ما بين الستين آية إلى المائة .
فإذا كان فجر يوم الجمعة قصر القراءة فاكتفى بسورتي السجدة وسورة هل أتى على الإنسان)
اسمعت رحم الله حالنا .
نعد قراءة السجدة و(هل أتى)  هي القراءة الطويلة !
وفي المسند و السنن عن نعيم بن همار قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه و سلم يقول : : قال الله عز و جل: يا ابن آدم لا تعجزن عن أربع ركعات في أول النهار أكفك آخره" قال ابن القيم رحمه الله: سمعت شيخ الإسلام ابن تيمية يقول: هذه الأربع عندي هي الفجر وسنتها
قضيت صلاة الفجر فاستقبل النبي صلى الله عليه وسلم أصحابه بوجهه الشريف ذاكراً ربه، داعياً بما علمه لأمته من أذكار الصباح .
وربما سأل عن بعض أصحابه الذين لم يرهم في الصلاة ، أو افتقدهم من قبل .
وربما وهو في مجلسه وعظ أصحابه وذكرهم بما يعينهم على أنفسهم من غير إطالة ولا إكثار مخافة السآمة فعن العرباص بن سارية قال وعظنا رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد صلاة الفجر موعظة بليغة ذرفت منها العيون ووجلت منها القلوب، حتى قال رجل: يارسول الله كأنها موعظة مودع"
وقال مرة لأصحابه (من رأى منكم رؤيا فليقصها عليَّ أعْبُرَها له)
وربما بادرهم هو صلى الله عليه وسلم برؤيا رآها فيقصها عليهم ويعبرها لهم .
وفي أحيان أخرى يبقى في مصلاه صلى الله عليه وسلم يذكر الله حتى ترتفع الشمس ثم يقوم إلى بيته .
وقد وردت عدة أحاديث في فضيلة الجلوس بعد الفجر .
وفي بعضها زيادة صلاة ركعتين .
فعن أنس رضي الله عنه قال قال رسول الله عليه وسلم " من صلى الغداة في جماعة ثم قعد يذكر الله حتى تطلع الشمس ثم صلى ركعتين كانت له كأجر حجة وعمرة تامة تامة تامة" رواه الترمذي وغيره وله شواهد عدة وقد حسنه ابن حجر وابن باز وابن عثيمين
ينظر: فتاوى ابن عثيمين (14/299)  .
خرج النبي صلى الله عليه وسلم بعد أن صلى الفجر وبقي ما شاء الله أن يبقى في المسجد حتى طلعت الشمس حسناء .
فكان يمر على حجر زوجاته يسلم عليهن ويدعو لهن ولا يطيل المكث وهو القائل خيركم خيركم لأهله .
وربما سأل أهل بيته هل عندكم شيئ ؟
يريد عليه الصلاة والسلام طعاماً يأكله فإن كان لديهم شيء من تمر أو أقط أو لبن قدم له فأكل وحمد الله وأثنى عليه .
وربما قالوا له: ما عندنا شيء فيقول: إني إذا صائم .
ما أطيب معاشرته لأهله صلى الله عليه وسلم، لا يتكلف معدوماً، ولا يعيب موجوداً .
فماذا عن يوميات نبينا صلى الله عليه وسلم بعد ذلك .
وما حظ أصحابه وعموم أمته من ساعات يومه .
إذا أتم صلى الله عليه وسلم مروره على أهله ربما عاد إلى المسجد فيجد النفر من أصحابه ربما قلوا وربما كثروا على حسب فراغهم وشؤون حياتهم .
فكيف بك في مجلس زينته، وقمره الساطح النبي صلى الله عليه وسلم .
فكانت أحاديث تلك المجالس أحاديث ودٍّ وتعليم، وتوجيه وتفهيم أحاديث متبادلة ربما كان من ضمنها سؤال لشحذ الأذهان، وتنشيط الحاضرين، سأل مرة أصحابه عن الشجرة التي تشبه المؤمن فلم يعرفوها، حتى قال لهم: إنها النخلة !
وحذرهم مرة عن شهادة الزور حتى كان متكئاً فجلس !
فقال ألا وقول الزور وشهادة الزور ! فما زال يكررها .
وحدَّث أصحابه يوماً عن رجل من أهل الجنة استأذن ربه في الزرع فقال الله له: ألست فيما شئت من النعيم؟
قال بلى، يارب.
ولكني أحب الزرع !
قال فأذن له ربه فزرع فاستوى زرعه فكان كأمثال الجبال!
فقال الله له: دونك يا ابن آدم فإنه لا يشبعك شيء !
فقال أعرابي: يا رسول الله لا تجده إلا أنصارياً أو مهاجرياً فإنهم أصحاب زرع وأما نحن فلسنا بأصحاب زرع !
فضحك من في المجلس وضحك النبي صلى الله عليه وسلم.
وربما استقبل في مجلسه هذا من يحضره من المحتاجين, فيحث أصحابه على الصدقة عليهم وربما خطب في ذلك حتى يجتمع بين يديه الطعام الكثير .
وكان في مجلسه هذا كأحد أصحابه ليس له زي خاص، و لم يرتفع عنهم بكرسي أو دكه وربما دخل الغريب عليهم وهم جلوس فيقول: أين محمد ؟
أو أيكم ابن عبد المطلب ؟
حتى يشار إلى النبي صلى الله عليه وسلم .
وربما أهدي للنبي صلى الله عليه وسلم طعام وهو مع أصحابه فيأكلون جميعاً قال سمرة بن جندب رضي الله عنه بينما نحن  عند النبي صلى الله عليه وسلم إذ أتي بقصعة طعام قال فأكل وأكل القوم فلم يزل القوم يتنابون القعود على هذه القصعة إلى قريب الظهر .
فقال رجل هل كانت تمد من الطعام ؟
قال أما من الأرض فلا !
إلا أن تكون تمد من السماء !
ولبناته وأصحابه الآخرين جانب من زياراته ولطفه .
فيذهب إلى بيت فاطمة بنته فيسألها عن حالها وعن أولادها فيأخذهم ويقبلهم ويدعو لهم .
وسألها مرة عن زوجها علي رضي الله عنه وكان بينها وبينه شيء من الخلاف الأسري فذهب إليه فوجده نائما في المسجد فجعل يمسح التراب الذي علق به ويقول: قم أبا التراب، فكانت أحب كناه له رضي الله عنه .
وأجاب مرة دعوة عجوز ضحى لطعام صنعته له .
وزار مرة الصحابي عتبان بن مالك ليصلي في بيته فصلى في بيته وطعم من طعامه.
ثم استجمع عجبك وإعجابك حينما مرَّ النبي صلى الله عليه وسلم في طريقه يوماً بشاب يسلخ شاة ولم يكن يحسن السلخ فأراه عليه الصلاة كيف يصنع في سلخها ؟
بعد أن أدخل يده بين الجلد واللحم .
وذهب هو وثلاثة من أصحابه لعيادة سعد بن عباده وقد اشتكى حتى غشي عليه .
وقال جابر: مرضت فعادني النبي صلى الله عليه وسلم ومعه أبو بكر ماشيين .
وصلى الظهر وقال لبعض أصحابه اذهبوا بنا نصلح بين أهل قباء على إثر خلاف بلغه عنهم وقال لبلال: إذا حضرت صلاة العصر فمر أبا بكر فليصل بالناس .
وذهب مرة إلى طرف المدينة ليقسم ميرات بنات سعد بن الربيع حتى تاخر عندهم فصلى الظهر والعصر هناك .
وكان يطيب خاطر أصحابه في إجابة دعوتهم وإدخال السرور عليهم دعاه رجل بعد العصر، فقال يا رسول الله إنا نريد أن ننحر جزوراً ونحب أن تحضرها فانطلق إليه النبي صلى الله عليه وسلم مع بعض أصحابه فوجدهم ينتظرونه !
فنحرت الجزور ثم قطعت ثم طبخ منها فأكلوا قبل أن تغيب الشمس .      (وإنك لعلى خلق عظيم)   


الحمد لله ..
ما سمعته هو جانب من يومياته مع أهله وأصحابه .
بتألف أصحابه، ويتودد إليهم .
وله مع ربه في نهاره سبح آخر وسر عجيب .
في صحيح مسلم عن عائشة قالت: كان رسول الله صلى الله عليه و سلم يصلي الضحى أربعا ويزيد ما شاء الله"
وفي الصحيحين عن أم هانىء أن رسول الله صلى الله عليه و سلم صلى يوم الفتح ثمان ركعات وذلك ضحى
وكان يستحب تأخير صلاة الضحى إلى ارتفاع النهار وقبل مجيء وقت النهي وذلك قبيل وقت الزوال بنحو عشر دقايق فصلاة الضحى في هذا الوقت أفضل ففي صحيح مسلم عن زيد بن أرقم أنه رأى قوما يصلون من الضحى في مسجد قباء فقال : أما لقد علموا أن الصلاة في غير هذه الساعة أفضل إن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال: " صلاة الأوابين حين ترمض الفصال"
وذلك حين يشتد حر النهار فتجد فصال الإبل حرارة الرمضاء .
هذه وقفات ما تركنا أكثر مما نقنا ولعل في ذكرها حافزاً في البحث عن تتمتها ومدارسة بقيتها 
   ينظر في مادة الخطبة كتاب اليوم النبوي للدكتور عبدالوهاب الطريري .
(لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة لمن كان يرجو الله واليوم الآخر)
يأتي الحديث عن اليوميات النبوية ونحن نستقبل إجازة هي من أيامنا فما نحن صانعون فيها
ماذا أعددت للسبح الطويل في نهارها ؟
فاللهم وفقنا لعمارة أوقاتنا في طاعتك، واستعملنا في مرضاتك .

 



التعليقات ( 0 )

جميع الأوقات بتوقيت جرينتش +4 ساعات. الوقت الآن هو 01:42 صباحًا الجمعة 17 أكتوبر 1445.