• ×

admin

خطبة يوم الجمعة 7-11-1431هـ بعنوان نهاية السرعة

admin

 0  0  5.7K
زيادة حجم الخط مسح إنقاص حجم الخط
إن الحمد لله ...

أما بعد :-

فقد كان من هدي النبي صلى الله عليه وسلم الخطب العارضة التي ينادى لها الصحابة رضي الله عنهم (الصلاة جامعة)

وإنما خطبتنا هذه عارضة في موضوعها.

وللأسف هو موضوع عارض ولكنه متجدد لم ينقطع.

معاشر السامعين كانت الأيام القريبة الماضية أياماً محزنة على قوم فقدوا أحبة لهم، وحزن لحزنهم كل من سمع بحالهم .

في الأيام الماضية حملت فيه أجساد على الأعناق لتوارى الثرى في غيبة طويلة، وفرقة مؤلمة لم يراجع فيها المفارق أخذ على غفلة، ولم يسبق علم للمفارق فجاء الخبر صاعقة .

فالحدث مباغت، والنقلة سريعة لم تمهل أصحابها .

أجل أيها الإخوة تنادى الناس الصلاة على فلان وفلان .

ولا اعتراض على آجال تمت، وأنفس انقضت (حتى إذا جاء أحدهم توفته رسلنا وهم لا يفرطون) (إن ذلك في كتاب)

ولكن الأسف أن يكون لخروج الإنسان من هذه الدنيا استعجال فيه، فهو لم يراع قواعد السلامة، ولم ينأ بنفسه عن التهلكة .

(ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة)

فقد جعل الله النفس أمانة عندك يا ابن آدم أوجب عليك ربك حفظها .

تواترت الشرائع على حفظ النفوس كما تواترت على حفظ العقول والأعراض والأموال والأديان .

أراد الله آدم عليه السلام - ليكون خليفة له على هذه البسيطة فقالت الملائكة (أتجعل فيها من يفسد فيها ويسفك الدماء)

فسفك الدماء مناقض لمبدأ الاستخلاف الذي هو مبدأ الاختبار في هذه الدنيا (ثم جعلناكم خلائف في الأرض من بعدهم لننظر كيف تعملون)

وقد عظَّم الله شأن أول قتل وقع على الأرض حيث فتح على الناس باباً يجهلونه وجرَّأهم على منكر ما كانوا ليجرؤا عليه

يقول النبي صلى الله عليه وسلم : \" لا تقتل نفس ظلماً إلا كان على ابن آدم الأول كفل من دمها لأنه أوَّل من سنَّ القتل \" متفق عليه

وفي قصة موسى عليه السلام مع الخضر حينما قتل الغلام وهو مأذون له فيه لأنه على علم لم يطلع عليه موسى لعظم الأمر لم يصبر موسى فبادر الخضر بالإنكار (حتى إذا لقي غلاماً فقتله قال : أقتلت نفساً زكية بغير نفس لقد شيئاً لقد جئت شيئاً نكراً) .

والنصوص في تأكيد حرمة النفوس وتعظيم شأنها أكثر من أن تحصى يقول النبي صلى الله عليه وسلم : \" لا يزال المرء في فسحة من دينه ما لم يصب دماً حرام \"

وإذا كانت هذه النصوص في القاتل المتعمد الذي سعى باختياره ليخرج إنساناً من هذه الدنيا تحت حمأة غضب أو تسلط هوى أزَّه الشيطان .

فإن التسبب في القتل مع التفريط والاستهانة بأرواح معصومة ونفوس ترجو السلامة هو شريك للعمد بنوع من العدوان والظلم .

فالقتل خطأ وإن لم يستوجب صاحبه القصاص فيه لفقد شرط التعمد المحض ولكنه يبقى قاتلاً مستوجباً مسؤولية خطئه، مأموراً بالمبادرة بالتوبة إلى ربه .

عباد الله: أنعم الله علينا بهذه السيارات تحملنا وتحمل متاعنا إلى حيث شئنا إلى بلد لم نكن لنبلغه إلا بشق الأنفس فهاهي تقلنا مستوين عليها مطمئنين فيها، متحدثين آكلين شاربين في جوفها ، وإن شئنا نائمين، فلم يعد السفر مكلفاً بتيسير الله فيها ، نقطع بها السهل وتصعد بنا الجبل ونتجاوز بها الوعر والحزن .

لا يشتكي راكبها حراً في زمن حرِّ ، ولا يحمل من أقلته هم مطر ولا قرٍّ

فمن يقدر هذه النعمة حقَّ قدرها ، ويقوم بشيء من شكرها ومعرفة عظيم نفعها

أيها الإخوة : حينما تتحول النعمة عند قوم إلى نقمة، وتصير أداة الخير سبيلاً إلى الهلاك والإعاقة وبتر الأعضاء والإصابات المستعصية التي ربما أقعدت المصاب بها شهوراً أو سنين على سريره مستلقياً على ظهره فضلاً عن الذين أخرجوا من المستشفيات إلى بيوتهم وقد أفلست الجهود الطبية أن تقدم شيئاً لهم فخرجوا ليبقوا أجساداً بلا حركة مدى حياتهم ، وجزءاً لا ينفصل من أركان بيوتهم عالة على غيرهم حسرة على ذويهم .

من يصدق أن تكون قيادة السيارة محلاً للتحدي ؟

ومن يتصور أن السائق يراهن على حياته وحياة المشجعين لطيشه الراكبين معه ليروا مهارته حتى يكونوا شهود عيان ينقلون شجاعة قلبه واستهانته بمن حوله ؟

إذن لا غرابة أن يحذف فارس تلكم السيارة سيارته ذات اليمين وذات الشمال، أو يديرها بما يفجؤ بها مشاهديه وهي على أتم قوتها وأقوى انطلاقتها

تلكم بعض أعمال صغار العقول وإن كبرت أسنانهم وأجسامهم الذين فتحوا أعينهم على روضة خضراء وحديقة غناء فظنوا أن الحياة تؤخذ غلاباً ، والسعادة هي في تصفيق المشاهدين وتصفير المعجبين .

فمن لهؤلاء الغافلين ؟

من يوقظهم من سكرة شبابهم ؟ ونشوة طيشهم ؟

أنرجع هذا كله إلى قضية الفراغ الذي ضرب أطنابه في حياة أولئك الشباب أم نرجعه إلى النعمة والجِدة و توفر المال وعدم الاكتراث بالضرر والتلف المادي وقد قال الأول :

إن الشباب والفراغ والجدة مفسدة للمرء أي مفسدة

أو ترانا نرجع هذه الظاهرة إلى تفريط أولياء الأمور حيث سلطوا صغار السن أو صغار العقول على هذه المركوبات وغفلوا عن متابعتهم بعد ذلك .

أو تريد اختصار الأمور فالمسؤولية كلها على رجال الأمن وشُرَط المرور لماذا تساهلوا مع هذه الشبيبة ؟

إنَّ واقع الحال لا يعفي كل هؤلاء من المسؤولية نعم بعضها أقوى من بعض ولكنها تحمل جزءاً لا يغفل ، ولا يقبل أن يلقيه على غيره .

وفي هذا المقام نذكر والذكرى تنفع المؤمنين .

فتذكر يا من سيارته هي أداة لعبثه وطال بها لعبه تذكر ما قد ينزل بك نتيجة تلك التجاوزات من أمور لا يمكن دفعها من موت أو إصابة أو خسارة سيارتك أو تسبب في شيء من ذلك على أحد من عباد الله

والسعيد من اتعظ بغيره .

هل نسي هؤلاء أن الذي بأيديهم حديد جعل الله فيها بأساً شديداً .

(وأنزلنا الحديد فيه بأس شديد)

ولا يفل الحديد إلا الحديد!!

فكيف إذا تسلط الحديد بل إذا سلط الحديد على المخلوق الضعيف فهو يفقد اتزانه عند أدنى مفاجئة طريق؟

حقق مراده فساق سيارته بالسرعة التي كان عزم عليها فمؤشر السرعة يوشك أن يبلغ الحد النهائي (الطبلون كله) .

ولكن الحديد فيه بأس شديد سوف يعمل بأسه، وتتحول منافعه للناس حينما أسيء استخدامها لضرر وإتلاف .

فسائق السيارة يتقلب داخل سيارته التي هي الأخرى تتقلب به،

ويغيب عنه الصواب حينما يرى أن سيارته ارتطمت بشيء لم يدر ما هو ولا من أين جاء ؟

وربما لفظته سيارته فهو قد خرج منها وهي في سرعتها إثر اهتزاز في توازنها ..

فاللهم لطفك بعبدك المتهور.

هذه صورة متكررة، وهذا هو الوصف العام لكل حادث في محافظتنا فقط نراه أسبوعيا مرة أو مرتين بل أكثر .

والعجب وليس بعجب أن الضرر والوفيات والمتلفات بنفس الدرجة في حادث داخل البلد، أو خارجه ؟

لأن السرعة عند هؤلاء بمقياس واحد .

فليس للناس حرمة عندهم، ولا لممتلكاتهم فقيادته على حد سواء في الخط السريع، وفي الطريق المؤدي لأماكن التجمع، وقريب من المدارس والمساجد كله سواء ليلا ونهاراً .

لقد بلغت الحال أنه لو تأخر أحد أفراد العائلة ومن ينتظره أهله أن أول هاجس يدور في أذناهم لعله لم يصب بحادث !.

فأصبحت السيارات رعباً في القلوب، وصور حوادثها شؤماً في الخيال, وما من بيت إلا ويعرف ضحايا لهذه المركبات منهم أو من خواصهم .

فخسر آباء أبناءهم !

وأبناء آباءهم !

وترملت نساء !

وطال بكاء صبية لدخولهم صفة اليتم فهم بلا آباء .

فمن لهؤلاء وهؤلاء ... إلا لطف رب الأرض والسماء.

فالله إنا نعوذ به من تحول عافيتك، وفجاءة نقمتك .

أقول قولي هذا...

الحمد لله رب العالمين

أما بعد :-

فلن تموت نفس إلا بإذن الله (وما كان لنفس أن تموت إلا بإذن الله كتاباً مؤجلا)

ولن تقع مصيبة موت أو غيره أو إلا وقد علمها الله وقدَّرها (ما أصاب من مصيبة في الأرض ولا في أنفسكم إلا في كتاب من قبل أن نبرأها إن ذلك في كتاب إن ذلك على يسير)

ولا أرغب في إزعاجك في ذكر أرقام وإحصائيات تتعلق بالمصابين وقيم المتلفات.

وإنما كلامنا في التحذير أن يكون أحد متسبباً في موت أحد أو إيصال ضر به، وليس وراء ذلك إلا تساهل واستهانة بأرواح أحد من المعصومين،

ومن التسبب التساهل في تسليم السيارة للأبناء الصغار فهو لا يزال في المرحلة المتوسطة عقله صغير ودعك من جسمه.

أغرك أن يقود بتؤده وتريث إذا كنت معه، أو ركبت معه أمه .

أغلبتك العاطفة!

فابن عمه يقود السيارة، وكذا ابن الجيران، وزميله في الصف، فلا تزال عواصف الالحاح تعصف، ومراجعات الابن في عاطفة الأب تقصف. . . . والنهاية معروفة .

وأما الخطأ المحض الذي يكون مع حيطة الإنسان وبعده عن أسبابه فإن وقع فلا تثريب على من وقع منه وربما يكون فيه خير للإنسان من جهة تنبيهه لما هو أعظم وقد يكون فيه إن شاء الله تكفير لذنوبه من جهة ما يلحقه من الحزن والأسف على ما حصل .

ثم إن الله أوجب على القاتل خطأ إن باشر القتل أو تسبب أو شارك فيه أمرين اثنين تعظيماً لما وقع منه فأوجب الكفارة حقاً له وهي عتق رقبة مؤمنة فمن لم يجد فصيام شهرين متتابعين لا يفطر بينهما يوماً واحداً إلا من عذر شرعي وإلا لزمه الاستئناف من جديد .

ثم عليه الدية بعد ذلك تسلم إلى ورثته إلا أن يصَّدقوا بها بالشرط الذي بينه الله تعالى بقوله (فمن عفا وأصلح فأجره على الله) .

فتنبه أيها الولي لا تسارع بالعفو عن الدية تريد الأجر إلا أن يكون في ذلك إصلاح للقاتل ، وبه تعرف خطأ كثير ممن يتوفى لهم قريب بحادث أو غيره فتحت صدمة المصيبة ربما بادروا إلى التبرع بالدية وقد يظنون أن ذلك أنفعُ للميت، والدية حق للورثة فلا بعفوا إلا أن يكون في عفوهم إصلاح ، وقد يكون الإصلاح في عدم العفو إذا علم أن المتسبب في الحادث متهور في قيادته صاحب سوابق في ذلك أو على حال غير مرضية من سكر أو تناول مخدر، فلا يجوز العفو لما فيه من الضرر المتوقع ولو على الأقل أن يترك فترة يربص فيها ليذوق وبال أمره، وعاقبة تهوره .

والسعي في العفو لمن لا يستحقه سعي غير مشكور، وشفاعة سيئة والله تعالى يقول (ومن يشفع شفاعة سيئة يكن له كفل منها) فيجب ردها وتأنيب من يقوم بها .

وإن الله يزع بالسلطان ما لا يزع بالقرآن .

فجزى الله رجال الأمن في جهودهم في ضبط المخالفين، ووضع العراقيل لإعاقة المتهورين، وملاحقة المستخفين .

جزاهم الله خيراً إدارة وأفراداً ميدانيين.

ونطلب منهم المزيد فالله الله في قوة في غير عنف، ولين في غير ضعف

كما نسأل الله أن يرحم المتوفين وأن يعاملهم بعفوه، وأن يجعل ما قدَّر عليهم تكفيرا لسيئاتهم وأن يتقبلهم في الشهداء .

ونسأل الله أن يجبر المصابين، وأن يجعلهم بقضائه وقدره من الراضين.

وأن لا يفتنهم بعدهم وألا يحرمهم أجرهم .

كما نسأله أن يشفى المرضى وأن يجعل ما أصابهم عظة في قلوبهم، وتغييرا في مسارهم، واستقامة في حياتهم .

معاشر الشباب كفى بالموت واعظاً .

فاللهم احيي قلوبنا، وبصر شبابنا، ورد سفيهنا، ولا تجعلنا فتنة للقوم الظالمين برحمتك يا أرحم الراحمين .



للاستماع للخطبة من هنا


التعليقات ( 0 )

جميع الأوقات بتوقيت جرينتش +4 ساعات. الوقت الآن هو 12:22 مساءً الجمعة 19 سبتمبر 1445.