• ×

admin

خطبة الجمعة 15-11-1431هـ بعنوان المغانم الخمس‎

admin

 0  0  7.6K
زيادة حجم الخط مسح إنقاص حجم الخط
الحمد لله رب العالمين ، جعل الأيام دولا , والحياة فرصاً، فوفق من وفق ، فعمروا أوقاتهم ، بالتقوى ، وخذل بعدله آخرين ، فلم يسلكوا للخير درباً ، ولم يطرقوا للتوفيق باباً .

وأشهد ألا إله إلا الله ، له الحكم ، وإليه المنتهى .

وأشهد أن محمداً عبده ورسوله ، وخليله المجتبى ، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه ، ومن بهداهم اهتدى .

أما بعد :-

فتتوالى أمور الدنيا وتتجدد ملهياتها ، ويكثرون الساقطون في أحضان الترف والدَّعة مؤثرين الحياة الدنيا على الآخرة.

(كلا بل تحبون العاجلة وتذرون الآخرة)

(بل تؤثرون الحياة الدنيا والآخرة خير وأبقى) .

ولذا يتأكد التذكير ، وتزداد حاجتنا إلى التواصي بالبر والتقوى ، والتواصي بالصبر وانتظار حسن العقبى

(تلك الدار الآخرة نجعلها للذين لا يريدون علواً في الأرض ولا فساداً والعاقبة للمتقين) .

وقد أدرك النبي صلى الله عليه وسلم أهمية التناصح والموعظة فكان يتخول أي : يتعاهد أصحابه بالموعظة وهو القوم الذين اختارهم الله لصحبة نبيه ، ويرون الوحي يتنزل على رسوله ، وسوق الدعوة والجهاد قائمة على أصولها .

إلا أنَّ التذكير لا غنى عنه ، لأنَّ النفس البشرية تستعصي على الإنسان ، ويصعب تذليلها إلا أن يعين الله عليها .

فمن ظنَّ أنه في غنى عن التذكير بحجة أنه عرف كل شيء ، وترفع عن النصيحة لأنه ظنها هضماً في حقه ، أو تنقص قدره ، فقد غشَّ نفسه وأوردها المهالك .

فاستمع يا عبد الله إلى نصيحة من ينصحك ، وخذ بتوجيه من يوجهك من أب مشفق ، أو معلم ناصح ، أو زميل محب ، أو جار يرغب لجاره ما يرغب لنفسه ، أو حتى رجل في الشارع أبت عليه غيرته إلا يذكرك بما يكون سبباً في دفع اللوم عنك أو العقوبة عليك . واعلم أن هؤلاء هم أصحاب الفضل عليك حيث كنت محل اهتمامهم ، فاقتطعوا جزءا من جهدهم ، ووقتهم ، فكلموك أو هاتفوك ، أو وضعوا لك رسالة دفعاً لإحراجك .

كل هؤلاء لو عرفت قدرهم لكان حقهم أن تلهج بالدعاء لهم ، لا أن تنتفخ أوداجك ، ويحمر وجهك ، وربما طال بعض الناصحين شيء من أذيتك وسلاطة لسانك .

فاعرف أيها المقصر نعمة الله أن هيأ الله لك من ينصحك قبل أن تزل بك قدم ، وتقول نفس يا حسرة على ما فرَّطت في جنب الله .

عباد الله : إنَّ من خير ما نتذاكر به ، ما أوصى به النبي r ابن عمه عبد الله بن عباس في أمور خمسة جعلها النبي r غنائم تغتنم ومكاسبَ تكتسب ، فقد روى الحاكم والبيهقي وغيرها عن ابن عباس t أن النبي r قال له (اغتنم خمساً قبل خمس حياتك قبل موتك ، وصحتك قبل سقمك ، وفراغك قبل شغلك ، وشبابك قبل هرمك ، وغناك قبل فقرك )

فهذه خمسة مغانم ، إن فرطت فيها فيوشك أن تفقدها إلى ضدها .

فأولها الحياة ، العمر الذي جعله الله زمناً للعمل ، الإنسان قبل هذا الزمن لم يكن شيئاً مذكوراً ، قال تعالى ) هل أتى على الإنسان حين من الدهر لم يكن شيئاً مذكوراً (

فاغتنم يا عبد الله هذه الحياة في عمل صالح ينفعك بعد الممات فإن لحظة تمر عليك ، لم تزدد فيها علماً نافعاً ، أو عملاً صالحاً هي خسارة عليك ، ومن مات انقطع عمله ، وفات أمله ، وحق ندمه ، وتوالى همه ، فخذ من نفسك لنفسك .

كيف ، وأنت ترى السائرين إلى ربهم ، في جنائز تترى ، زرافات ووحداناً ، شيباً وشباباً .

ثم الغنيمة الثانية : الصحة ، (صحتك قبل سقمك ) أجل الصحة اعتدال المزاج ، وسلامة الأعضاء فلا يشتكي علة في جزء من بدنه ، ولا يحس ألماً في بعض جسده ، فهو سليم معافى ، أسبغ عليه ربه لباس الصحة والعافية ، فهو لا يجد حرجاً في أكله وشربه ، يأكل ويشرب ما تشتهيه نفسه ، ليس عنده قائمة بالممنوعات ، ولا حظر على بعض المقدمات .

ينام ملء عينيه ، أعضاؤه لم يتعطل منها شيء فهو القائم الماشي ، الآخذ المعطي بقوته .

فكيف لا تكون الصحة مغنماً وهذه بعض أوصافها ، وكيف لا تكون الصحة فرصة قبل مرض يهجم أو علة تجثم .

إذا السقم ضيق في النفس وضعف في العزيمة ، وخور في النشاط ، وربما تردد وتذبذب في القصد والإرادة فهو يريد وتحت حمأة السقم والمرض لا يريد .

والسقم تعطل في القوة فلا يصل إلى مايصل إليه حال صحته ، فهو حبيس بيته يخشى هبوب الرياح ، وتغير الأجواء ، يحترز في أكله وشربه ، وعلى حيطة في قعوده ومشيه .

فلعلك بعد هذا أدركت شيئاً من معنى قوله عليه الصلاة والسلام (اغتم صحتك قبل سقمك) ، واغتنامها يكون بتوظيفها في طاعة الله في أمر ديني أو دنيوي نافع .

ومن أول ما يكون به اغتنام الصحة أن يقوم الإنسان بآكد فرائض الدين الصلاة لرب العالمين .

قيام مع القدرة ، ركوع ، وسجود على أتم وجه وأكمل هيئة إعمال للخطى إلى المساجد ، لايصلي كما تصلي النساء في البيوت ، وقد همَّ النبي صلى الله عليه وسلم أن يحرق بيوت المتخلفين عن المساجد لولا ما فيها من النساء والذرية .

مغتنم الصحة قبل السقم : لا يخادع نفسه فيتخلف عن صلاة الفجر حيث ينادى لها ، وعذره في الشتاء أنَّ الجو بارد ، وعذره في الصيف أن الليل قصير .

مغتنم الصحة قبل السقم يجتهد في صيام نفل يرجو ذخره وأجره يوم القيامة ، يحمل نفسه على ورد صلاة وقرآن ، وتبكير للجمع والجماعات وشهود مجالس الذكر وتشييع الجنائز والبر والصلات ؛ لأنه يعلم أنَّ السقم يمنع هذه أو بعضها والمريض في شغل مع مرضه .

وفي ذلك فليتنافس المتنافسون .

وإن كان السقم والمرض مع احتسابه يكفر به السيئات ، ويرفع به الدرجات، ولكن تبقى الصحة مغنماً قبل السقم .

وأما الغنيمة الثالثة : فهي الفراغ قبل الشغل ، وأعظم الفراغ وأهمه فراغ القلب ، من هم لمستقبل ، أو حزن على ماضي ، فحينئذ يعيش العبد مطمئناً في قلبه ، منشرحا في صدره ، لا يرى في الدنيا من هو أسعد منه ، فيقبل على مصالح دينه ودنياه على أحسن حال ، وأتم استعداد

فالفراغ بهذه الصورة غنيمة يغتنمها المؤمن قبل أن يفاجئه ما يشغل قلبه ، ويشتت همته ، فيصبح مشغولاً بمدافعة ما نزل به ، من مرضٍ نزل به، أو بحبيب إليه ، أو بانتظار غائب لا يدري ما صنع الله به ، أو بتطلعِ أمر مجهولٍ لديه يحتاجه لا يدري ما وراءه .

ومشاغل القلب لا تحصى ، وصوارف البال تتجدد .

وأما الغنيمة الرابعة ، فهي الشباب قبل الهرم ، الشباب زمن الفتوة والقوة، والنشاط والحيوية ، في الذهن ، والبدن فهو فرصة ومغنم لمن اغتنمه ، ولذا كان أحد الذين يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله شاباً نشأ في طاعة الله .

فيا أيها الشاب أنت تعيش فرصة بل غنيمة ، أترى استغلالها في الذهاب والمجيء ، والجلسات الطويلة ، والاتكالية المذمومة ، وبذل المال فيما لا تحمد عاقبته ، أترى ذلك يحصل به اغتنام هذه الفرصة ، وشكر هذه النعمة . فتش في نفسه ، ونقب في رفاقك .

وأما آخر المغانم المذكورة في الحديث فهي غنيمة الغنى قبل الفقر ، وهي الجِدة والسعة في الرزق لمن بسط الله له رزقه، فهي غنيمة لمن عرف قدرها ، ينفق على أهله بسخاء نفسه ، يزكي ماله ، ويتصدق على الفقراء ، يعين حاجاً، ينشر كتاباً، يوزع شريطاً، ومجالات الخير كثيرة .

وقد سبق أهل الدُّثور بالأجور

فاعرف يا عبد الله ، هذه المغانم ، وانظر في نفسك ، واستعن بالله ، ولا تعجز . أقول قول هذا واستغفر الله لي









الخطبة الثانية :

الحمد لله حمداً كثيراً طيباً مباركاً فيه ، أحمده سبحانه وأشكره ، وأتوب إليه واستغفره ، وأشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك له ، وأشهد أنَّ محمداً عبده ورسوله وصفيه وخليله ، صلوات الله وسلامه عليه ، وعلى آله وصحبه ، ومن تبعهم بإحسان .

أما بعد :-

فقد قال ابن مسعود رضي الله عنه \" ما ندمت على شيء ، ندمي على يوم غربت فيه شمسه ، نقص فيه أجلي ، ولم يزدد فيه عملي \" .

فاغتنموا رحمكم الله - الفرصة

ومن استغلال الفرص المبادرة في أداء الحج فمن استطاع في بدنه وماله بعد قضاء الواجبات والنفقات الشرعية ، والحوائج الأصلية فليبادر .

لأنَّ الله تعالى يقول \" ولله على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلا\"

والدين مقدم على الحج إلا ديناً يقول صاحبه : إنَّ بقائي وعدَمه لا يؤثر على الحج كالديون المقسطة ، في السيارات أو غيرها ، ويؤمل لها الإنسان سداداً من مرتب ثابت أو غيره فلا تمنع الحج .

وإنما الدين الذي يقدم على الحج هو الدين الذي يزاحم الحج ، فإما أن يحجَّ أو يقضي دينه فيقال له اقض دينك ، وأخر الحج حتى تستطيع .

× عباد الله : أعينوا أولادكم على الحج ذكورهم وإناثهم إذا كانوا قادرين على ذلك ، واحذروا منعهم بلا سبب صحيح

· المرأة إذا لم يكن عندها محرم من أب ، أو ابن ، أو زوج فلا حج عليها حتى تجد المحرم يقول النبي صلى الله عليه وسلم \" لا تسافر المرأة إلا مع ذي محرم \" متفق عليه .

لقد أدرك قوم عظم فضل الحج ولكنهم أدركوا أيضاً أن ترك الحج بعد أن منَّ الله عليهم بأداء الفريضة أنه أفضل في حقهم من مزاحمة الحجاج الذين يؤدون الفريضة يقول الشيخ : عبد العزيز بن باز (رحمه الله) : إذا أمكن ترك الاستكثار من الحج لقصد التوسعة على الحجاج وتخفيف الزحام عنهم ، فنرجو أن يكون أجره في الترك أعظم من أجره في الحج إذا كان تركه له بسبب هذا القصد الطيب أ .هـ ، ونحو هذا الكلام لغيره من علمائنا الذين أدركوا مقاصد الشرع .

ثم من توفيق الله لهؤلاء أن يعلموا أن إعانة الحجاج هي إعانة على البر والتقوى والنبي صلى الله عليه وسلم يقول : (من جهَّز غازياً فقد غزا) لأنه أعانه في غزوه ، وكذا من أعان حاجاً فقد حجَّ وفي هذا ألفت نظر إخواننا الذين يرغبون في الخير أن باب إعانة الحجاج هو مشاركة لهم وهو أفضل من كون الإنسان يحجج عن نفسه أو والديه فإذا أعنت حاجاً ليؤدي فريضته واحتسبت أجرها لنفسك أو لأحد من أقاربك فهو أجر حاصل بإذن .

ثم أنتم يا من تحجون بنفقة تبرع لكم بها شخص محسن أو جهة خيرية اعلموا أن حجكم صحيح وأجره كامل عند ربكم فطيبوا نفساً ولو لم تدفعوا قرشاً من جيوبكم ولو تكفل المتبرع بالهدى عنكم ، ، فلله الحمد على توسعته على عباده

· وفقني الله وإياكم لفعل طاعته


للاستماع للخطبة من هنا


التعليقات ( 0 )

جميع الأوقات بتوقيت جرينتش +4 ساعات. الوقت الآن هو 04:26 صباحًا الجمعة 17 أكتوبر 1445.