• ×

د.عبدالرحمن الدهش

خطبة الجمعة1-3-1432هـ بعنوان أثر الذنوب‎

د.عبدالرحمن الدهش

 0  0  3.9K
زيادة حجم الخط مسح إنقاص حجم الخط

 

إنَّ الحمد لله نحمده ، أما بعد :- فيا أيها الناس ، اتقوا الله تعالى وأطيعوه ، وراقبوه في سركم وعلنكم ، ولا تعصوه ، واعلموا أنَّ الذنوب والمعاصي تضرُّ في العاجلِ والآجلِ ، وأنَّ ضررَها في القلوب كضرر السُّموم في الأبدان بل أشدُّ . فالمعاصي ما حلَّت في ديار إلا أهلكتها ، ولا في قلوبٍ إلا أعمتها ، ولا في أجسادٍ إلا عذَّبتها ، ولا في أمة إلا أذلتها فهي سبب لهوان العبدِ على الله وخروجه من محبته رضاه ( ومن يهن الله فما له من مكرم ) فما زالت نعمةٌ إلا بذنب ، ولا حلَّت نقمةٌ إلا بذنب (ذلك بأنَّ الله لم يكن مغيراً نعمةً أنعمها على قوم حتى يغيروا ما بأنفسهم ) فالله لا يغير نعمة أنعمها على عبدٍ في مال ، أو ولد أو صحة ، أو جاه وحسن سمعة أو غيرها ، لا يغير ذلك إلا إذا غيَّر العبدُ ، فيغير طاعة الله بمعصيته ، وشكره بكفره ، وأسباب رضاه بأسباب سخطه وما زالت البركة من الأرض إلا بمعاصي الخلق قال تعالى (ولو أنَّ أهل القرى آمنوا واتقوا لفتحنا عليهم بركات من السماء والأرض ) = وما الذي أغرق قوم نوح وعم أهل الأرض كلهم حتى علا الماء فوق رؤوس الجبال ؟ وما الذي سلَّط الريح على قوم عاد حتى ألقتهم صرعى كأنهم أعجاز نخل خاوية ؟ وما الذي أرسل على قوم ثمود الصيحة حتى قطعت قلوبهم في أجوافهم ؟ وما الذي قلب ديار قوم لوط ، وجعل عاليها سافلها ؟ وما الذي بعث على بني إسرائيل قوماً أولي بأس شديد فجاسوا خلال الديار ، وقتلوا الرجال ، وأحرقوا الديار ونهبوا الأموال قال الله تعالى ( وإذ نجيناكم من آل فرعون يسومونكم سوء العذاب يذبحون أبناءكم ويستحيون نساءكم وفي ذلكم بلاء من ربكم عظيم ) وربطاً للماضي بالحاضر لأن الأمر لله من قبل ومن بعده! ما الذي سلطهم اليوم على أهل فلسطين يذبحون أبناءهم، ويغتالون رجالهم ، ويهدمون مساكنهم على رؤوسهم ما الذي فعل ذلك إلا الذنوب والمعاصي أضاع المسلمون شرع الله فهانوا على الله نسوا الله فنسيهم . وما الذي سلَّط الأمَمَ الكافِرةَ على شُعوبِ المسلمين الفقيرة فجثموا في بلادهم ، ونهبوا خيراتهم . وما الذي جعل المسلمين ذنباً لغيرهم ، وطوعاً لأمر أعدائهم إلا ذنوبهم ؟ وما الذي مكنَّ للولاة الظلمة على شعوب إسلامية كثيرة، فصار هؤلاء الساسة الرؤساء قرة عين لأعداء المسلمين، يرقبون تعاليمهم، ويراعون خواطرهم، ويصدرون عن توجيههم ويخشون تغيرهم عليهم إنها ذنوب الشعوب جلبت لهم مذنبي الرؤساء. وظلم الرؤساء لم يرد من كوكب آخر ولكن الشعوب ظلمت فسلط الله عليهم من يجانسهم في جرأتهم على الله وظلمهم لحقوق عباد الله (وكذلك نولي بعض الظالمين بعضا بما كانوا يكسبون) ولو علم الله فيهم خيراً لولى عليهم من جنس عمر بن الخطاب (رضي الله) أو عمر بن عبدا لعزيز (رحمه الله) قال الإمام أبو بكر لمالكي [1] (لم أزل أسمع الناس يقولون: \"أعمالكم عمالكم\"، \"كما تكونون يولى عليكم\"، إلى أن ظفرت بهذا المعنى في القرآن، في قوله تعالى \"وَكَذَلِكَ نُوَلِّي بَعْضَ الظَّالِمِينَ بَعْضًا\". وكان يقال: \"ما أنكرتَ من زمانك فإنما أفسده عليك عملك\". ويروى أنه قيل للحجاج بن يوسف: لِمَ لا تعدل مثل عمر بن الخطاب وأنت قد أدركت خلافته ورأيت عدله وصلاحه؟! فقال في جوابهم: تباذروا أي كونوا كأبي ذر في الزهد والتقوى أتعمَّر لكم أي أعاملكم معاملة عمر في العدل والإنصاف . بل قال ابن القيم رحمه الله : (حكمة الله تأبى أن يولى علينا في مثل هذه الأزمان مثل معاوية وعمر بن عبد العزيز فضلاً عن مثل أبي بكر وعمر، بل ولاتنا على قدرنا، وولاة من قبلنا على قدرهم) [2]. أيها الإخوة: ليس المقام مقام حساب ولا عقاب حتى نقول: إن ظلم المتنفذين ليس كظلم المتلصصين الذي يختانون أنفسهم . ولكن سنة الله في عباده واحدة تحور الذنوب على أصحابها ذلاً وهواناً ، ويبقى أهلها كالأنعام بل هم أضل سبيلاً . فما أهون الخلق على الله إذا هم أضاعوا أمره . ثم بعدَ هذا فإن سألت ما هي المعاصي الذي هذه بعض آثارها ؟ وهل وقعنا في شيء منها ؟ فدونك طائفة منها: فالإخلال بالتوحيد بضعف التوكل والتعلق بالمخلوقين، والإتيان إلى الكهان والعرافين، والسحر، واستئجار من يؤذي عباد الله بسحرهم ويعيق نعمة أنعمها الله عليهم حسداً من عند أنفسهم . تركُ الصلاةِ تركاً كلياً ، أو تركها مع الجماعة والإصرارُ على ذلك، ثم هو لا يرى نفسه فعل أمراً ذا بال ، أو وقع فيما يوجب الحذر وتغيير الحال . أكل المال المحرم بالربا الصريح تارة ، وبالتحايل عليه في بعض معاملات ما يسمونها بالتقسيط تارة أخرى . تقاضي الرواتب الوظيفية على وظيفة لم يؤدها عملاً ولا حضوراً . السعي لطلب منح الأموال والأراضي بالمعلومات الكاذبة والأسماء المستعارة ، والرشاوي البينة كلُّ هذه وغيرها من أكلِ المال بالباطل ، والاغترار بالظل الزائل . التساهل في مقدمات الزنا من النظر المحرم ، وتقليب العين فيما لا يحلُّ النظر إليه ، والخلوة بالمرأة الأجنية، والمحادثات الشيطانية، واستعمال نعمة الله في تقنية الحاسب فيما يغضب الله، فتضاع الأعمار، وتمرض القلوب، وتفسد الأخلاق، وتقام العلاقات التي يؤزها الشيطان أزاً فلا يكاد يستفيق من تورط بها إلا حين تبعد الخطى، وتنأى الفضيلة وتحل مكانها الرذيلة، والله المستعان . وإنَّا لله وإنا إليه راجعون . وأخبث من هذا الجريمة التي صبح الله أهلها بكرة بعذاب مستقر، وقال تعالى (فذوقوا عذابي ونذر) جريمة إتيان الذكران من العالمين نسأل العافية. ومقدماتها التساهل في رفقاء الأبناء، وعدم السؤال عن غيابهم، وغض الطرف عن تميعهم في لباسهم، وحركاتهم، والغفلة عما حملوه من مقاطع، وتبادلوه من صور. التساهل في السماع المحرم فأصبحت تسمع الأغاني المحرمة والموسيقى الآثمة أقبل الناس عليها في مناسباتهم، وزواجاتهم تسمعُها من بيوتِهم، وتسمعُها من سياراتهم وفي نغمات جوالاتهم فعل المستحل لها، فيجمعون في عملهم هذا الوقوعَ في المحرم والأذيةَ به، فعليهم وزرهم ووزر من طالته أذية منهم ، وكل من سمعها منهم فهو شهيد عليهم بإثمهم ، ووقوعهم فيما حرَّم الله عليهم . فتوبوا إلى الله جميعاً أيها المؤمنون . أقول قولي .... الحمد لله رب العالمين أما بعد:- معاشر من يرجون السلامة والنجاة، ويدعون الله بالعفو والعافية إن لله حكمة فيما يجري في هذه الدنيا، ولن يصلح آخر هذه الأمة إلا ما أصلح أولها، ولم يصلح أول الأمة إلا لما كانت الأمة جادة في التمسك بكتاب ربها، وسنة نبيها صلى الله عليه وسلم لا تقبل فيهما صرفاً ولا عدلاً (ترك فيهم ما إن تمسكتم بهما لن تضلوا أبدا كتاب الله وسنتي) فبالرجوع للكتاب والسنة تصلح العقائد، وتستقيم الأخلاق، وتصح العبادات، وتنتظم الأمور السياسية، وينتعش الاقتصاد، وتؤمن أقوات الناس (وألو استقاموا على الطريقة لأسقيناهم ماء غدقا) ومما يصلح الأمة تربية الناس والأجيال على تعظيم حرمات الله (إن دماءكم وأعراضكم وأموالكم عليكم حرام). مما يصلح الأمة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والتحذير ممن يهون هذه الشعيرة، وينال منها ويسعى في تعطيلها (كانوا لا يتناهون عن منكر فعلوه لبئس ما كانوا يفعلون) مما يصلح الأمة أن تسعى في تعليم عموم الناس والأجيال منهم وتثقيفهم في حقوق الولاة، والموقف من الظالمين منهم من غير تقديس ولا إهانة. وتبين حقائق المفسدين وكشف حقيقة المغربين لبلدان المسلمين، وأبنائهم . مما يصلح الأمة: بيان حقائق الأعداء من النصارى، واليهود، ومن دار في ملكهم وخدمهم من الرافضة والمنافقين وبيان حقائق القنوات الإعلامية التي تسيس الناس وتخدم الصهيونية، وأن يكون الناس على مستوى الأحداث فيرتبطوا بعلمائهم، ومن عرف صدقه من الناصحين، وإلا فإن الفتنة إذا أقبلت عميت، وحيرت العقول، وماجت بالنفوس، وهاجت لها العواطف، وكثر لأجلها التعاطف . (والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لايعلمون) ... ثم تاج هذا كله وسياجه التضرع لله تعالى بالدعاء الصادق، والإلحاح على الله أن يصلح أحوال المسلمين . معاشر إخواننا المصريين جددوا ثقتكم بالله تعالى، وحسن الظن به، وما أغمكم وحصل في قلوبكم هو في قلب كل مسلم غيور على أمته، والمسلمون أمة واحدة . فتعاهدوا إخوانكم، وأبناءكم، ومن لكم بهم اتصال بالصبر، وضبط النفس وانتظار فرج الله، والاشتغال بالعبادة ففي صحيح مسلم عن مَعْقِلِ بْنِ يَسَارٍ رَدَّهُ إِلَى النَّبِىِّ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ « الْعِبَادَةُ فِي الْهَرْجِ كَهِجْرَةٍ إِلَىَّ ». والهرج : القتل والفتن واضطراب الأمور. فاللهم هيأ للمسلمين من أمرهم رشدا.. اللهم احم بلاد المسلمين من عبث العابثين، وكيد الكائدين، اللهم احفظ بلاد مصر وأبنائها، وول عليهم خيارهم، وأطفئ الفتنة في أرضهم، وآمنهم في دورهم . اللهم عليك باليهود المتربصين، وبالنصارى الحاقدين ربنا لا تجعلنا فتنة للقوم الظالمين ونجنا برحمتك من القوم الكافرين. اللهم احفظ علينا أمننا، واحفظ لنا أئمتنا، وعد على ولا أمرنا بصحة وعافية واستعمله في طاعتك ... اللَّهُمَّ إنِّي نَعُوذُ بِك مِنْ زَوَالِ نِعْمَتِك ، وَتَحَوُّلِ عَافِيَتِك ، وَفُجَاءَةِ نِقْمَتِك ، وَجَمِيعِ سَخَطِك ... -------------------------------------------------------------------------------- [1] ينظر كتاب \"سراج الملوك \" [2] مفتاح دار السعادة



التعليقات ( 0 )

جميع الأوقات بتوقيت جرينتش +4 ساعات. الوقت الآن هو 09:32 صباحًا الجمعة 19 سبتمبر 1445.