• ×

admin

خطبة الجمعة 8-3-1432هـ بعنوان شيئ من أخبار عمر رضي الله عنه وفتح مصر

admin

 0  0  3.7K
زيادة حجم الخط مسح إنقاص حجم الخط
إنَّ الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا من يهده

أما بعد :-

فلقد أثنى الله على السابقين، فقال ] والسابقون السابقون أولئك المقربون [

وأعلا كتاب الأبرار في عليين، وقال ] وفي ذلك فليتنافس المتنافسون [

حديثنا أيها الإخوة عن رجل في زمن قلَّ فيه الرجال، وكثر فيه الذكور، عن عظيم في زمن رضي أكثر أهله بالدون والحقارة، وعن قوي في زمن الضعفاء

إنه حديث عن الفاروق أظهر إسلامه بمكة ففرَّق الله به بين الحق والباطل، والكفر والإيمان .

نعم أظهر إسلامه في مكة على استبعاد من الناس حتى قال أحدهم: إنه لا يسلم حتى يسلم حمار الخطاب .

إلا أنَّ الله أراد له خيراً، وأراد به خيراً .

قال عبد الله بن مسعود \" كان إسلامه فتحاً، وكانت هجرته نصراً، وكانت إمارته رحمة، لقد رأيتنا وما نستطيع أن نصلي ونطوف بالبيت حتى أسلم عمر، فلما أسلم قاتلناهم حتى تركونا نصلي \" .

كمل بإسلامه ثلاثين رجلاً، فأيد الله به الإسلام وفتح به الأمصار، وهو الصادق المحدث الملهم الذي جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: \"لو كان بعدي نبي لكان عمر\" .

أحد العشرة المبشرين بالجنة .

فو الله ما يبغض عمر إلا جاهل زائغ، أو رافضي فاجر .

فعن أي شيء نتحدث في عمر، ومن أي أطراف سيرته العطرة نبدأ الخبر، حياة كلها دروس وعبر .

أتمَّ الله عليه الدين، وملأ قلبه من الخشية واليقين .

يقول النبي صلى الله عليه وسلم \" بينما أنا نائم رأيت الناس عرضوا عليَّ وعليهم قمص فمنها ما يبلغ الثدي ومنها ما يبلغ دون ذلك، وعرض علي عمر وعليه قميص اجتره، قالوا : فما أولته يا رسول الله ؟ قال الدين \" رواه مسلم .

لقد بسطت الدنيا بين يدي عمر رضي الله عنه - ، وفتحت بلاد الدنيا في عهده فما نظر إليها بعين ، ولا اهتزَّ لها قلبه ، بل كانت سعادته في إعزاز دينه .

خطب يوما الناس وهو خليفة المسلمين وأمير المؤمنين وعليه إزارٌ فيه اثنتا عشرة رقعة .

وأبطأ على الناس يوم الجمعة، ثم خرج معتذراً إليهم، وقال إنما حبسني غسل ثوبي هذا، كان يغسل ولم يكن لي ثوب غيره .

وأخباره في زهده لا ينقضي منها العجب .

ولما عاتبته بنته حفصة أم المؤمنين فقال : لو أكلت طعاماً أطيب من ذلك ، ولبست ثياباً ألين من ثوبك ؟

فقال لها : سأجعلك حكماً على نفسك !

فذكر أمر النبي صلى الله عليه وسلم وما كان يلقى من شدة العيش فلم يزل يذكرها حال النبي صلى الله عليه وسلم وهي كانت معه زوجة له فلم يزل كذلك حتى أبكاها .

فرضي الله غاية في الإتباع، وتشب بمن في التشبه به أسوة حسنة ، لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة .

إن من أبرز مظاهر سيرة عمر رضي الله عنه اعتزازه بدينه وصدق ولائه للمسلمين ولأمته فلم يكن ذلك الرجل المهزوم في داخله المتذبذب في نفسه الذين يبيع دينه وقيمه قال أبو موسى الأشعري رضي الله عنه قلت : لعمر رضي الله عنه إن لي كاتباً نصرانياً فقال : مالك : قاتلك الله أما سمعت الله يقول (يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا اليهود والنصارى أولياء بعضهم أولياء بعض) ألا اتخذت حنيفاً مسلماً قال: قلت: يا أمير المؤمنين: لي كتابته وله دينه ، قال : لا أكرمهم إذ أهانهم الله ، ولا أعزهم إذ أذلهم الله ، ولا أدنيهم إذ أقصاهم الله .

وكتب خالد بن الوليد يقول : إنَّ بالشام كاتباً نصرانياً لا يقوم خراج الشام إلا به فكتب إليه عمر لا تستعمله فكتب خالد إلى عمر إنه لا غنى بنا عنه فردَّ عليه لا تستعمله فكتب إليه خالد إذ لن نستعمله ضاع المال فكتب إليه عمر مات النصراني ، والسلام .

أي قدر أنه مات النصراني

وأنت يا صاحب المؤسسة والعمل ، ويا أصحاب مكاتب الاستقدام يا من أبتلي باستقدام الكفار وزين الشيطان العمالة الكافرة على غيرهم، أو عملهم أزين من غيرهم في الواقع!

نقول لك منع الاستقدام من دول الكفر والسلام!

فهل ستغلق مؤسستك؟ وهل ستتعطل مصالح المسلمين؟ .

فاتق الله في جلب هؤلاء الكفرة خصوصاً بعد أن أعلنت كثير من حكوماتهم عداءها للمسلمين إشارة أوصراحة .

أيها المسلمون : وإن اختصرنا في سيرة الفاروق رضي الله عنه - كثيراً فلا يمكن أن نختصر صفة اتصف بها عمر رضي الله عنه ، وفقدها كثير من الناس اليوم .

إنها صفة الغيرة ، نعم ، يا عباد الله الغيرة على المحارم ، والسعي في حفظ النساء وإقصائهن عن مزاحمة الرجال لأنه تربى على مثل قول النبي صلى الله عليه وسلم \" ما تركت بعدي فتنة أضر على الرجال من النساء \"

بل إن الغيرة على المحارم فطرة قبل أن تكون شرعه .

يقول عمر رضي الله عنه ، قلت : يا رسول الله يدخل عليك البر والفاجر ، فلو أمرت أمهات المؤمنين بالحجاب ، فأنزل الله تعالى آية الحجاب .

هذه نظرة عمر رضي الله عنه - في زمن الطهر والحياء والحشمة، وهذا هو تحسبه للعواقب .

فالله المستعان على من يسعون لدخول البر والفاجر على نساء المؤمنين وبنات الغيورين ، وعلى إدخالهن على البر والفاجر عبر مقاعد التعليم ووسائل الإعلام والأماكن المختلطة وأماكن تردد الذين في قلوبهم مرض .

وصدق الله العظيم \" ويريد الذين يتبعون الشهوات أن تميلوا ميلاً عظيماً \"

ألا ما أحوجنا إلى غيرة عمر وبُعد نظره .

فإن لم يمكن فما أحوجنا إلى دِرة عمر تلك الدِّرة الذي تعلو رؤوس المفسدين والمتربصين بالأمة ساعات الحرج وأيام الفتن!

ولا عاصم اليوم من أمر الله إلا من رحم .

اللهم احفظ نساء المسلمين.

أقول قولي هذا

الحمد لله رب العالمين...

أما بعد :-

فإن مما توج عمر رضي الله عنه به خلافته، وكل خلافته تاج يتلألأ في تاريخ الأمة، ولكننا نختار من تلك اللآلئ فتحاً عظيماً لرقعة عظيمة من أرض الله الواسعة، والأرض كلها لله يورثها من يشاء من عباده، والعاقبة للمتقين.

هذه الرقعة قال عنها عمرو بن العاص مغرياً عمر بن الخطاب في فتحها، وملتمساً الأذن له بالتوجه إليها قال

قال له عمرو بن العاص : إنك إن فتحتها كانت قوة للمسلمين وعوناً لهم .

إنها أرض مصر أرض الجنات والعيون، والكنوز والمقام الكريم، والنعمة التي كان أهلها فيها فاكهين .

هذه أرضها، وأما سكانها فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم فيهم \" إذا فتحت مصر فاستوصوا بالقبط خيرا فإن لهم ذمة، و رحما \" صححه الألباني .

وتطلع النبي صلى الله عليه وسلم إلى أرض مصر قديم، فقد اختارها ضمن الدول التي راسلها بدعوته، وبلغت خطاباته ملوكها .

اختار لحمل هذا خطابه حاطب بن أبي بلعته رضي الله عنه، فلما دخل حاطب على المقوقس عظيم القبط، من قبل الرومان، قال له: إنه كان قبلك رجل يزعم أنه الرب الأعلى، فأخذه الله نكال الآخرة والأولى, فانتقم منه , فاعتبر بغيرك , ولا يعتبر غيرك بك.

فقال المقوقس: إن لنا دينا لن ندعه إلا لما هو خير منه .

ثم قال المقوقس : إني قد نظرت في أمر هذا النبي, فوجدته لا يأمرك بمزهود فيه , ولا ينهى عن مرغوب فيه , وسأنظر.

وفي العام الثامن عشر من الهجرة، وبعد إلحاح عمرو بن العاص وتشوقه إلى فتح مصر، وتخليصها من الظلم الروماني، وكان عمر متردداً لأن الجيوش الآن خرجت من فتوح الشام ويخشى علي المسلمين الإرهاق في حروب متواصلة، والمسلم الواحد أحب إلى عمر من ألف رجل من الروم، ولا يزال الأمر بين عمرو وعمر مرجعة، حتى أعطى عمر عمرا بن العاص بعض إذن وقال: إني مرسل إليك كتاباً وآمرك فيه بالانصراف عن مصر، فإن أدركك قبل أن تدخلها أو شيئاً من أرضها فانصرف، وإن دخلتها قبل أن يأتيك كتابي فامض لوجهك، واستعن بالله واستنصره.

سياسية عمرية، وتردد جعل الفصل فيه إلى ما يقضيه الله.

وسار عمرو إلى مصر عابراً فلسطين من شمالها إلى جنوبها، وفي رفح وصله كتاب أمير المؤمنين، فلم يتسلمه من حامله، ذكاء من عمرو ابن العاص ودهاء يوظفه لخدمة الدين ونشر الدعوة.

لم يتسلمه من حامله حتى شارف العريش، فأخذ الكتاب، وقرأه على أصحابه، فإذا عمر يأمره فيه بالانصراف إن لم يكن قد دخل أرض مصر، ولكن عَمْراً الآن قد دخل في أرض مصر، فأمر الجيش بالمسير على بركة الله .

ففتح بلدة العريش من غير مقاومة تذكر؛ ولا يزال عمرو بن العاص يفتح نواحي مصر بلداً بلداً، يحاصر حصونها، ويقارع جيوشها، حتى وجد في أحد الحصون ابنة المقوقس عظيم مصر، فأرسلها عمرو إلى أبيها معززة مكرمة .

أخلاق إسلامية، ودعوة للإسلام عملية.

ثم طلب عمرو المدد من أمير المؤمنين، فأرسل أربعة آلاف مجاهد، وعلى رأسهم : الزبير بن العوام ، والمقداد بن عمرو ، وعبادة بن الصامت ، ومسلمة بن مخلد ، وكتب إليه : ( إني قد أمددتك بأربعة آلاف، على كل ألف رجل منهم مقام الألف) .

فاجتمع القواد المسلمون، وتكاملت القوة الإسلامية، ولم يبق أمام عمرو إلا حصن بابليون، فإن فتح فتحت مصر كلها، فطال الحصار، حتى قام الزبير بن العوام فقال للمسلمين : إني أهب نفسي لله تعالى، وأرجو أن يفتح الله بذلك للمسلمين .

فقفز الزبير داخل الحصن، ومن داخل الحصن كبر الزبير تكبيرة، فأجابه المسلمون بالتكبير بصوت واحد، فارتبك أهل الحصن وظنوا أن المسلمين قد دخلوا، فاستطاع الزبير أن يفتح الباب، واقتحم المسلمون الحصن، وامتلكوا بذلك مفتاح مصر .

ولما خاف المقوقس على نفسه ومن معه سأل عمرو بن العاص الصلح ودعاه إليه، فأجابه عمرو إلى ذلك .

وكان فتح مصر يوم الجمعة مستهل المحرم سنة عشرين من الهجرة؛ والذي بسببه انتشر الإسلام في شمال إفريقيا .

أيها الإخوة: نذكر هذه الأخبار عن مصر أم الدنيا، كما يقال: وجرنا إليها سيرة عمر رضي الله عنه، لنعلم أن مصر جزء من الدولة الإسلامية، فهي بلد الإسلام، والعلم، والعلماء، نذكر هذا كله، وأيدينا على قلوبنا، وما يجري فيها أخذ أسماع المسلمين، وأبصارهم، وصار حديثهم، وتردد في أنفاسهم، إي والله.

فالقلوب مشفقة خائفة على تلك الملايين المسلمة، ولكن أمل الجميع بلطف الله عز وجل.

فهو الذي يقلب الليل والنهار، وإنما أمره إذا أراد شيئاً أن يقول له كن فيكون.

فاللهم يا قوي يا عزيز نسألك اللهم في هذه الساعة المباركة أن تهيأ لإخواننا المصريين من أمرهم رشدا، اللهم أرهم الحق حقاً وارزقهم إتباعه، وأرهم الباطل باطلاً وارزقهم اجتنابه، اللهم ألهمهم رشدهم وقهم شرور أنفسهم، اللهم أطفئ الفتنة، واكشف الغمة، وارفع المحنة، وأحفظ لهم دينهم، وسلمهم في أبدانهم، وأمنهم في دورهم، واستر عوراتهم، وآمن روعاتهم.

اللهم واجعل ذلك لإخواننا في تونس، وفي فلسطين وبلاد كثيرة لا يخفى عليك أمرها.

اللهم وفق ولي أمرنا لما تحب وترضي، وقوه في الحق، وقو الحق به.

ربنا لا تجعلنا فتناً للقوم الظالمين، ونجنا برحمتك من القوم الكافرين.

واحفظنا من مكر اليهود الحاقدين، والنصارى المتبرصين، والرافضة المنافقين...

نستغفرك ونتوب إليك، لا حول لنا ولا قوة إلا بك ...

سبحان ربك رب العزة...


للاستماع للخطبة من هنا


التعليقات ( 0 )

جميع الأوقات بتوقيت جرينتش +4 ساعات. الوقت الآن هو 11:29 مساءً الخميس 16 أكتوبر 1445.