• ×

د.عبدالرحمن الدهش

خطبة الجمعة11-5-1432هـ بعنوان لا تطلق

د.عبدالرحمن الدهش

 0  0  3.6K
زيادة حجم الخط مسح إنقاص حجم الخط

 

إن الحمد لله نحمده ونستعينه .... أما بعد :- فعراك أسري، وخصومة شرارتها كلمة، زاد إيقادها كلمة أخرى من الخصم المقابل، تحول المكان إلى ساحة تحد، وتهديد، وأيمان مغلظة، ووعيد. كل يستعرض قدراته التي يمكنه أن يتحدى بها في هذه اللحظات الحرجة. هذا هو الجو العام لظروف الحدث الذي وقع! أما مكان الحدث فلا خيرة لأحد فيه! صالح أن يقع في صالة البيت أو إحدى غرفه، وربما تبدأ الأحداث في استراحة استأجروها للأنس والمتعة فصارت بغير ترتيب مكان مجريات ذلكم الحدث. وأحيانا يجري كل هذا على متن سيارة يركبونها في طريق عابر داخل البلد أو خارجه . أما الذين يحضرون فلم يدع أحد ولم يمنع أحد فهو لم يرتب له . خرجت الكلمة من فمه، ووصلت مسامع الحاضرين، وخيم عليهم سكون مخيف، وخفتت أصوات اللغط شيئاً فشيئاً حتى انتهى آخر واحد منهم من لغطه، وانقضى مشهد سريع فالجميع يعرك عينيه، هل نحن في يقظة أو منام ؟ تبادل الحاضرون نظرات الخوف، وشحبت الوجوه، واضطربت القلوب وبلغت الحناجر، وتزاحمت التساؤلات والوساوس . ما الذي حصل ؟ أبوهم طلق أمهم فعلت وجوه الحاضرين سحابة من الكآبة، فبكى صغار الحاضرين، واسترجع الكبار، وحوقلوا نادمين. والمطلقة تجلدت مستقبلة هذه الكلمة، تستعرض بسرعة مدلول هذه الكلمة، وماذا بعدها ؟ ثم تبع الطلقة التي أفرغت على الآذان، طلقة أخرى تصل إلى الرأس وثالثة علها تستقر في القلب بين الأحشاء. إذن هو طلَّق بالثلاث فلم تعد في الطلاق بقية . ولم يعد في امرأته المطلقة مسكة من تجلد وصبر فسقطت من هول ما رأت، وعظم ما أسمعت! وأما المطلق ذو القوة والسلطان . الذي توعد وحقق، وهدد وشدد . فقد تناثرت شجاعته، ومسكنته عقب هذه المجريات لا تقل عن مسكنة أحد الموجودين! ما المخرج؟ ماذا قلت لأمكم، وأنتم بالله عليكم ماذا سمعتم ؟ أين المفتون ؟ اتصلوا اسألوا من يعرف جوال الشيخ فلان ؟ لا مفتي فالوقت غير مناسب .... هذا مشهد صورت أحداثة، وتم إخراجه في أكثر من بيت، وقام بأدواره جمع من أفراد تلك البيوت. ولقد كنا نظن عقل القيم عليها لا يسمح بمثل هذه الأحداث. وثقتنا بخوفه من الله تبعد عنها احتمال حصول تلك التعديات! أيها الإخوة أجدني محتاجاً أو مضطراً أن يكون الكلامُ عن انفصامٍ يضاد الإلفة والوفاق، وفرقة تفلُّ ما أبرمته عقدة النكاح فيسر بها العدو وتضيق بها صدور الأحباب والرفاق، إنه موضوع التسرع في الطلاق . أجل التسرع، وإن شئت قل التهور ... والطلاق من حيث هو، هو حدٌّ شرعي وحكم إلاهي . (تلك حدود الله فلا تتعدوها ومن يتعد حدود الله فأولئك هم الظالمون) إنَّ المزعج في الطلاق أن يكون سلاحاً بيد بعض السفهاء والحمقى يشهرونه في وجوه أزواجهم عند أدنى مخالفة فهو سلاح يرفع عند اختلاف في خروج أو دخول، وسلاح يرفع عند إرادة سفر أو إقامة، وسلاح يرفع عند حضور دعوة أو مناسبة ، وسلاح يرفع عند اختلاف في شراء ثوب أو إرجاعه، بل هو سلاح لزيادة أو قلة ملح الطعام ،وهكذا ... أمور تضحك العاقل الرزين ، وشر البلية ما يضحك . والإجازات هي أنسب وقت عند بعضهم للتطليقات! حتى تتهم إحداهن زوجها أنه يوقت خصامه على بداية كل إجازة ليجعل ذلك حجة في التنصل من مسؤولية بيته زمن الإجازة! أيعقل هذا! نعم، قد قيل! . ألا فاعلموا عباد الله : أنَّ الله عظمَّ شأن الطلاق وجعله حداً من حدوده وقال (ومن يتعد حدود الله فأولئك هم الظالمون) ، وقال (تلك حدود الله يبينها لقوم يعلمون) والطلاق حلَّ ومخرج من مسؤولية النكاح إذا تعذرت سبل البقاء، وانغلقت أمام الزوجين طرق الإصلاح يعد التأني والصبر لعلَّ الله يحدث بعد ذلك أمراً حينئذ يطلق ممتثلاً أمر الله تعالى لنبيه صلى الله عليه وسلم (يا أيها النبي إذا طلقتم النساء فطلقوهن لعدتهن) فالطلاق له عدة أي : زمن ووقت يصح فيه ويكون شرعياً إذا وافق العدة فلا يجوز أن يطلقها وهي حائض ولا في طهر قد جامع فيه ففي الصحيحين أن ابن عمر طلق زوجته وهي حائض! فكيف كان موقف النبي صلى الله صلى الله عليه وسلم من هذا الطلاق البدعي يقول عمر رضي الله عنه والد المطلق تغيظ النبي صلى الله عليه وسلم لذلك، وقال : مره ليراجعها، ثم يمسكها حتى تطهر ثم تحيض ثم تطهر، فإن بدا له أن يطلقها فليطلقها قبل أن يمسها فتلك العدة التي أمر الله بها أن تطلق لها النساء \" فعلم من هذا أن الطلاق لا بد أن يكون في حال طهر لم يجامع فيه، وعلم من ذلك أن الحامل يصح طلاقها، والطلاق واقع عليها . ثم بعد مراعاة الوقت فليحذر الحَمَق من جهة أخرى فلا يجوز أن يطلق بأكثر من واحدة، فلا يجوز أن يطلق مرتين ولا ثلاثاً فهذا تلاعب بالطلاق، واستعجال لأمر كانت للناس فيه أناة، وروي أن رجلا طلق امرأته ثلاث تطليقات جميعا فقام النبي صلى الله عليه وسلم غضبان ثم قال أيلعب بكتاب الله وأنا بين أظهركم حتى قام رجل وقال يا رسول الله ألا أقتله ؟ سنن النسائي وقال الشيخ الألباني : ضعيف . ومن الاستخفاف بحكم الطلاق أن بعضهم يحملُّه ولده الصغير ليوصله إلى أمه، أو يكتبه في رسالة جوال لزوجته فالطلاق وسيلة إغاضة، و انتقام وطريق لإثبات الرجولة كما يتصور بعضهم . لقد بلغ من تهاون بعض الناس في شأن الطلاق أن ظن أن في الطلاق مجالا للمزاج، والترويع والنبي صلى الله عليه وسلم جعل هزل الطلاق كجده . ( ثلاث جدهن جد وهزلهن جد النكاح والطلاق والرجعة ) حديث حسن رواه الخمسة إلا النسائي من التساهل الذي لا يغفل أن بلغت الحال بهذا المطلق أن يقول لزوجته سلي عن حكم طلاقي، بل إن الزوجة هي التي تسأل، وإذا قيل أين زوجك لم لا يسأل قالت إنه رفض، وأنا أسأل حتى لا أقع في أمر محرم . (يا أيها النبي إذا طلقتم النساء فطلقوهن لعدتهن وأحصوا العدة واتقوا الله ربكم لا تخرجوهن من بيوتهن ولا يخرجن إلا أن يأتين بفاحشة مبينة وتلك حدود الله ومن يتعد حدود الله فقد ظلم نفسه لا تدري لعلَّ الله يحدث بعد ذلك أمراً) بارك الله لي ولكم في القرآن .... الحمد لله ... فهاهنا رسالة: أيها المغترب عن أهله، البعيد عن زوجه وعياله، لا تطل الغيبة عن أهلك إلا عن تراض وتشاور بينكما. ولا تكن كذلك الزوج المغترب جاء إلى هذا البلد يسترزق فيه، يطلب لقمة العيش مسكين حينما يطلق زوجته إثر مكالمة هاتفية مع طول الغربة وبعد الشقة ، فتكون هديته أهله في زمن غربتهم وطول صبرهم كلماتِ الطلاق لأنهم خالفوه في أمر في بيته أو لم يكلموه كما يريد، فبعده في بدنه لم يبعد أذيته لأهله فيا سبحان الله . ما ظنَّ هذا المطلق لأهله في زمن الفتن وطول العهد ما ظنه بعد إسماعهم ما يكرهونه ؟ أليس الأجدر بك في مكالمتك إياهم أن توصيهم بتقوى الله، ومراقبته والبعد عن مواطن الفتن والخلوة المحرمة ، والحذر من النظر المحرم والاختلاط بغير المحارم من الأقارب وغيرهم . عباد الله : لا تفرحوا الشيطان بطيشكم ، ولا تسمعوه ما يضركم ولا ينفعكم وتأمل مارواه مسلم (4/2167) عن جابر قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إن إبليس يضع عرشه على الماء ثم يبعث سراياه فأدناهم منه منزلة أعظمهم فتنة يجئ أحدهم فيقول فعلت كذا وكذا فيقول ما صنعت شيئا قال ثم يجئ أحدهم فيقول ما تركته حتى فرقت بينه وبين امرأته قال فيدنيه منه ويقول نعم أنت قال الأعمش أراه قال: فيلتزمه أي : يضمه إلى نفسه ويعانقه . عباد الله بعد أن تضيق الحيلة ويتعين الطلاق حلاً لا انتقاماً فإن على المرأة ما دام طلاقها رجعياً أن تبقى في بيت زوجها حتى تنتهي عدتها وهي في حكم زوجاته لا يجوز خروجها ولا يجوز لزوجها أن يخرجها (لا تخرجوهن من بيوتهن ولا يخرجن) تتزين له وتكلمه ولا تمتنع من أي شيء يكون بين الزوجين فإن جامعها فهو إرجاع لها وإبقاء لنكاحها . وإذا كان الحكم هو أن تبقى المطلقة الرجعية في بيت زوجها فإن ما يتسرع فيه بعض الأولياء من الآباء أو الإخوة بل حتى بعض الأعمام والأخوال حينما يسمع أن موليته قد طلقت لا يقر قراره حتى يخرجها من بيت زوجها من أي ساعة من ليل أو نهار ويرى في ذلك حفظاً لحقها وحق أهله، وهذه حمية جاهلية، وجرأة على حق أوجبه الله فتعقلوا أيها الأولياء فالمرأة ليس لها إلا بيت زوجها وعصبية المحرم الشيطانية لن تنفع المرأة في عاجل أمرها ولا في آجله وحينما يثبت الطلاق تجد هذا المتعجل هو أولَ من يضيق ذرعاً بموليته المطلقة والذي كان سبباً في إخراجها من بيتها . بل إنَّ الواجب لو طلبت من وليها أن يخرجها لكان على وليها أن يعقلها ويبن لها تبعات ذلك . اللهم أصلح أحوال المسلمين والمسلمات وألف بين قلوبهم وأهدهم سبل السلام ...

 



التعليقات ( 0 )

جميع الأوقات بتوقيت جرينتش +4 ساعات. الوقت الآن هو 06:39 مساءً الأربعاء 15 أكتوبر 1445.