• ×

د.عبدالرحمن الدهش

تفاءلوا‎

د.عبدالرحمن الدهش

 0  0  4.5K
زيادة حجم الخط مسح إنقاص حجم الخط

إن الحمد لله .... أما بعد:-

فمن منا معاشر الحاضرين من تحققت كل آماله، وتيسرت كل أموره، من هذا الذي يقول: كل ما أردته حصلته، وكل ما خفته نجوت منه ؟ لا أحد ! لماذا ؟ لأنَّ الدنيا بنيت على النقص، أحزان وأفراح، وابتهاج وأتراح، شدة ورخاء، وعسر ويسر. أما الذين لهم ما تشتهي الأنفس، ولا يبغون عنها حولا فهم سكان الجنة، (ولنعم دار المتقين جنات عدن يدخلونها). (فلا تعلم نفس ما أخفي لهم من قرة أعين جزاء بما كانوا يعملون) عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال إن الله عز وجل يقول لأهل الجنة: يا أهل الجنة فيقولون لبيك ربنا وسعديك والخير في يديك فيقول هل رضيتم فيقولون وما لنا لا نرضى يا ربنا، وقد أعطيتنا ما لم تعط أحدا من خلقك فيقول: ألا أعطيكم أفضل من ذلك فيقولون: وأي شيء أفضل من ذلك فيقول: أحل عليكم رضواني فلا أسخط عليكم بعده أبدا\" رواه البخاري ومسلم. وعن صهيب عن النبي صلى الله عليه و سلم قال: \"إذا دخل أهل الجنة الجنة يقول الله تبارك وتعالى: تريدون شيئا أزيدكم ؟ فيقولون ألم تبيض وجوهنا؟ ألم تدخلنا الجنة وتنجنا من النار؟ قال فيكشف الحجاب فما أعطوا شيئا أحب إليهم من النظر إلى ربهم عز وجل\" رواه مسلم. أيها الإخوة: هذه الدنيا لا بد أن تقابل بشعاره رفعه النبي صلى الله عليه وسلم في صلح الحديبية في وقت ضيق وشدة، في وقت الأعداء يتشاورون كيف يغيظون النبي صلى الله عليه وسلم، ويحفظون كرامتهم؟ لما قدم سهل بن عمرو وكان مشركاً يومئذ، قدم ليفاوض النبي صلى الله عليه وسلم . قال النبي صلى الله عليه وسلم : \"سهل لكم من أمركم\" تيمنا باسم هذا الرجل القادم . هذا هو مبدأ التغلب على صعاب الدنيا، ونكد عيشها، وكيد الأعداء فيها . أيها الإخوة: من أعظم أعمالك التي تعملها في الدنيا، وتكون عوناً لك في سير إلى الله، وتعمر بها قلبك إنه حسن الظن بالله، والثقة أن لهذا الكون رباً خلقه فهو المتصرف فيه، وهو العالم بما يصلحه (ألا يعلم من خلق وهو اللطيف الخبير) . كان النبي صلى الله عليه وسلم مثالاً للعمل لهذا الدين دعوة للناس، وإصلاحاً لما يستطيعه من أديانهم وأخلاقهم (قل هذه سبيلي أدعو إلى الله على بصيرة أنا ومن اتبعني) ومع صدق قيامه بهذه المهام الجليلة لم تصف له الدنيا لا في خاصة حياته، ولا في مسير تبليغه لدعوته. استهزئ به ورمي بالتهم ، حاصرهم المشركون في شعب أبي طالب حتى أجهدهم الجوع توفي عمه أبو طالب وزوجه خديجة وهما عضداه في الدعوة فصبر واحتسب . حتى كاده قومه فأذن له ربه بالهجرة ومفارقة أهله وبلده فخرج مهاجراً خائفاً يترقب إلى المدينة ، خرج حيث أمره الله إلى قوم بابعوه على النصرة ، والحماية مما يحمون منه أولادهم ونساءهم فأظهره الله وكتب له تمكيناً في المدينة وهو مع هذا لم يفارقه البلاء والتمحيص له ولإتباعه فهو بين أذية المنافقين ومن ورائهم من اليهود الحاسدين ، وبين مناوشات المشركين وتحزبهم حرباً لرب العالمين . ولم ذلك لم يتسرب يأس إلى قلبه، أو قنوط من تغير حال، وتبدل وضع! كيف وهو المبلغ عن ربه (ولا تيأسوا من روح الله) (ومن يقنط من رحمة ربه إلا القوم الضالون) وإذا كان الأول يقول: ما أضيق العيش لولا فسحة الأمل! فإن الله تعالى يقول (فإن مع العسر يسرى إن مع العسر يسر) إن حسن الظن بالله تعالى يجعل الإنسان دائماً متفائلا في أمره كله فيقبل على صعوبات الحياة بنفس واثقة رضية. وفي الحديث القدسي: يقول الله تعالى \"أنا عند ظن عبدي بي\" حديث صحيح رواه أحمد وغيره. التفاؤل يعطي الإنسان أملا في إصلاح نفسه . نعم هو عاصي، جريء على محارم الله، ليس له همة في التزود في الخير يشرب الدخان، أو ما هو أعظم من ذلك، ومهمل في حقوق بيته من والديه، وأولاده، ليس له صلاة يذكر بها . هل من سبيل إلى حال جديدة، وصفحة مضيئة أجل وليس بينك وبين هذا إلا همة وتأكيد، وعزم على نقلة وتجديد. التفاؤل يفتح للإنسان باب أمل في صلاح أولاده، وعودتهم إلى حظيرة البيت المطمئن فحسن ظننا بعد دعائنا وانكسارنا بين يدي ربنا يجعل الحياة المتنغصة حياة ملؤها الفأل وحسن الظن وانتظار فرج قريب . وأنت أيها المريض في نفسك أو في عزيز عليك وقد ركبك الهم! أتدري ماذا يعني المرض بالنسبة للمؤمن؟ نعم خرجت التقارير الطبية، وليس فيها ما يبعث الطمأنينة ! سبحان الله من الذي يعطي الطمأنينة ؟ . هذه تقارير البشر، أما التقارير العلوية الإلهية . فالبند الأول منها (ما أصاب من مصيبة إلا بإذن الله ومن يؤمن بالله يهد قلبه) . والبند الثاني فعن أنس مرفوعاً \" إن عظم الجزاء من عظم البلاء، وإن الله إذا أحب قوماً ابتلاهم، فمن رضي فله الرضا، ومن سخط فله السخط \" وفي رواية: \"ومن جزع فله الجزع\" رواه الترمذي . بارك الله لي ولكم ... الثانية الحمد لله . أما بعد:- فإنَّ الذينَ يُعرفون مجريات الحياةِ، ويدركون سنن الله هُمْ أكثرُ الناسِ أملاً وتفاؤلاً، وأقلُّهمْ يأساً وتشاؤماً . ولقَدْ كانَ رسولُنا صلى الله عليه وسلم يُعْجِبُهُ الفأْلُ لأنَّه حُسْنُ ظَنٍّ باللهِ سبحانه وتعالى، ففي الصحيحين عَنْ أنسٍ رضى الله عنه أنَّ نبيَّ اللهِ صلى الله عليه وسلم كان يُعُجِبُه الفأْلُ: الكََلِمَةُ الحسَنَةُ، الكَلِمَةُ الطَّيِّبَةُ\". وكان إِذَا خَرَجَ لِحَاجَةٍ يُعْجِبهُ أَنْ يَسْمَع: يَا نَجِيح يَا رَاشِد. وَكَانَ عليه الصلاة والسلام إِذَا بَعَثَ عَامِلاً يَسْأَل عَنْ اِسْمه, فَإِذَا أَعْجَبَهُ فَرِحَ بِهِ . بل بلغ من تفاؤل النبي صلى الله عليه وسلم أنه غيَّر بعض أسماء الرجال أو النساء لقبح أسمائهم، وأبدلهم بأسماء جديدة، فقد غير عاصية إلى جميلة، وغير اسم الصحابي حزن إلى سهل. أيها الإخوة الحياةَ قصيرةٌ فلا تُقَصِّروها بالهمومِ والأحزانِ، ولا تَحْمِلُوا الأرضَ فوقَ رؤوسِكُمْ وقَدْ جعلَها اللهُ تحتَ أقدامِكُمْ . ورُبَّ مِحْنَةٍ ولدتُ مِنْحَةً، وربَّ نورٍ يَشِعُّ مِنْ كَبِدِ الظَّلامِ، فإنَّ النصرَ معَ الصبرِ، وإنَّ الفرجَ معَ الكربِ، وإنَّ معَ العُسْرِ يُسْراً، فأبشِروا وأمِّلُوا فما بعدَ دياجِيرِ الظلامِ إلاَّ فَلَقُ الصبْحِ المشرِقِ. وإذا كان هذا مطلوباً في نظرة الإنسان لأمور الإنسان الخاصة فإن النظر بالتفاؤل لعموم أمور المسلمين من آكد ما يكون . وما نشاهده من تسلط الأعداء على المسلمين، ورخص دمائهم في سبيل تحقيق مصالحهم لهو بإذن الله بداية نهاية للظالمين (ولله الأمر من قبل ومن بعد) فها هو طاغية ليبيا يعمل سلاحه في قوم قالوا: لا نريد الظلم، و والغرب الكاذب يستمهله في البقاء حتى إذا خرج يخرج من بلد أحرقه على أهله، وقتل خيرة من رجاله، وحقق فيه ما توعد به شعبه . (والله غالب على أمره) وهاهم النصيرون حكام سوريا والنصيرون لمن جهلهم هم من أخبث فرق الرافضة لا يرقبون في مؤمن إلا ولا ذمة . (والله غالب على أمره) والرافضة المنافقون في إيران وغيرها يتباكون على مصالح المسلمين، وهم ألد أعداء الدين (والله غالب على أمره) والرؤساء أصحاب المصالح وليسوا أصحاب إصلاح يتلاعبون بمشاعر المسلمين (والله غالب على أمره) . (يا أيها الذين آمنوا اصبروا وصابروا ورابطوا واتقوا الله لعلكم تفلحون) . فاللهم إنا نسألك ...

 

للإستماع للخطبة هنا



التعليقات ( 0 )

جميع الأوقات بتوقيت جرينتش +4 ساعات. الوقت الآن هو 11:41 مساءً الخميس 18 سبتمبر 1445.