• ×

د.عبدالرحمن الدهش

خطبة الجمعة بعنوان العبرة من قصة نوح وابنه، وتنبيهات 22-7-1432هـ

د.عبدالرحمن الدهش

 0  0  8.5K
زيادة حجم الخط مسح إنقاص حجم الخط

الحمد لله يهب لمن يشاء إناثاً ، ويهب لمن يشاء الذكور ، وهي نعمة بين شاكرٍ لها وكفور . أو يزوجهم ذكراناً وإناثاً ، ويجعل من يشاء عقيماً ، لحكمٍ بالغة ، ألا إلى الله تصير الأمور . وأشهد ألا إله إلا الله العزيز الغفور . وأشهد أنَّ محمداً عبده ورسوله الصابر في تبليغ رسالة ربه ، العابد الشكور . صلى الله عليه وعلى آله وصحبه ، ما توالت الأيام والدهور أما بعد : - فإنَّ الله أسبغ على عباده النعم ، ومن أعظمها نعمة الأولاد ، وجعلهم فتنة يتميز بها العباد . فمن أدَّى حق الله فيهم ، وحفظهم من أسباب الشر والفساد قرَّت عينه بصلاحهم في الدنيا ويوم يقوم الأشهاد . وإنَّ الأولاد قرين الأموال في كتاب الله لكثرة تفريط الناس فيهما ، وقلة السَّالمين من عظم مسؤوليتهما . ) إنما أموالكم وأولادكم فتنة ( ) المال والبنون زينة الحياة الدنيا ( وقال هود عليه السلام مذكراً قومه هاتين النعمتين ) واتقوا الذي أمدكم بما تعلمون أمدكم بأنعامٍ وبنين ( فإذا أصلح الله الأولاد ذكورهم وإناثاً تمَّت حينئذ النعمة ، وصاروا لأهليهم من الله رحمة . فبصلاحهم تسكن النفس ، ويطمئنُّ القلب ، ويتفرغ العبدُ إلى ما سواهم من مصالح دينه وشؤون دنياه . وإن لتحصيل هذه النعمة أسباباً كثيرة ، يأخذ بها العبد متوكلاً على الله موقناً أنَّ لله حكماً يجريها ، وأسراراً في خلقها يمضيها . وفي قصة نوح - عليه السلام مع ابنه عظة وعبر للمدَّكر ، حيث فتح الله أبواب السماء بماء منهمر ، وفجر الأرض عيونا ، قال الله تعالى )فالتقى الماء على أمر قد قدر ( . فأدركت الأبَّ شفقةُ الأبوة، وفاضت من قلبه الرحمة ، وهو ومن معه في فلك يجري بهم في موجٍ كالجبالِ فعبَّر عن هذه العاطفة مستعملاً مع ابنه آخر محاولة ) يا بني اركب معنا ولا تكن مع الكافرين ( وقدر الله نافذ ، وحكمنه مستعلية ) وحال بينهما الموجُ فكان من المغرقين ( . ألا ما أصعبه من موقف، وما أشده من امتحانٍ تبقى أحداثه في الذهنِ، وملامحُ صورته رأي العين ، لا يستطيع دفعه وتناسي وقائعه إلا المؤمنون العارفون معنى قوله تعالى ) إنَّ ربك حكيم عليم ( وقوله تعالى ) إنَّ ربك فعَّال لما يريد ( ثمَّ تنتهي هذه القصة بمراجعة نوح عليه السلام ربه يستجلي الأمر، ويستوضح الحال ) ونادى نوحٌ ربه فقال ربِّ إنَّ ابني من أهلي وإنَّ وعدك الحقُّ وأنت أحكم الحاكمين ، قال يا نوحُ إنَّه ليس من أهلك إنه عملٌ غيرُ صالحٍ فلا تسألني ما ليس لك به علمٍ إني أعظك أن تكون من الجاهلين ( فابنه ليس من أهله ، أي : الناجين فليس داخلاً فيمن وعد الله بنجاتهم خلافاً لما ظنه نوحٌ عليه السلام فما كان منه إلا أن أعلن ندمه ورجوعه إلى أمر ربه ) قال رب إني أعوذ بك أن أسألك ما ليس لي به علم وإلا تغفر لي وترحمني أكن من الخاسرين ( ففي هذه القصة أعظم تسلية لمن ندَّ عن الهداية ابنه ، وشرد إلى الضلالة مَن تحت يده ، وهو مع ذلك قد أفرغ جهده ، وطرق لإصلاحه كلَّ سبيلٍ في وسعة . ) لقد كان في قصصهم عبرةٌ لأولي الألباب ( عباد الله : إنَّ من أسباب صلاح الأبناء التي سلكها نوح مع ابنه هو دعوته ونصحه . فلا بد من الدعوة و التوجيه السليم والتحذير المستمر ، فقد يجهل الولد ما يضره ، وما يبته له رفيق السوء ، وقد يخفى عليه ما ينفعه . فعلى الولي من أب أو غيره النصح المتكرر مراعياً في ذلك حال المنصوح يلمح مرة ، ويصرح أخرى مبتعداً عن نصيحته أمام أقرانه ، وإخوانه فهذا يحرجه غالباً، وقد يكون سبباً في ردِّ النصيحة أو عدم الاهتمام بها ، أو تأخذه العزة بالإثم فيرد النصيحة ، وتضيع الهيبة ، ويتجرأ على ما لم يجرؤ عليه من قبل . واقرأ وصايا لقمانَ لابنه وهو يعظه فإنها وصايا جامعة متعددة يُظْهِر فيها لقمانُ لابنه التودد فيصدرها بقوله (يا بُنَيَّ ) . (يا بني لا تشرك بالله)، (يا بني إنها إن تك مثقال حبة)، (يا بني أقم الصلاة ) ( وما كان الرفق في شيء إلا زانه ) ومن أسباب صلاح الأولاد واستقامتهم أن يَظهر الولي من أبٍ أو غيره أمام أولاده بمظهر المربي الصالح والقدوة الناجح . فلا يقبل ابنك أن تحثه على الجلساء الصالحين وهو يرى في جلساءك المتهاون، وبعض الفاسقين . وتحذره من رديء القول وأنت تملأ فمك مما يستحيا من الحديث فيه! ولا يقبل منك ابنك أن تحثه على الصلاة، وهو يراك فيها من المتكاسلين . ولا يقبل منك ابنك أن تحثه على استغلال الوقت وحفظ القرآن ، ثم أنت في هذا كله من الزاهدين . فالقدوة أبلغ تأثيراً ، وأدوم أثراً . فإياك أن يراك ابنك على حال لا تحب أن تراه أنت عليها ولذا من الأمور التي لا ينبغي للأب أن يغفلها ، وهي اصطحاب أولاده ، وإحضارهم مجالس كبار السن ليأخذوا من آدابهم ، ويتعلموا من حكمتهم . أصلح لنا ذرياتنا ... أقول قولي هذا .... الحمد لله رب العالمين أما بعد :- فأنتم معاشر الأولاد معاشر الطلاب هنيئاً لكم نجاحُكم ، وتفوقُكم في دراساتكم ، وجعل الله التوفيق لمن تخلَّف منكم . وتذكروا وأنتم على أعتاب إجازتكم بعد دراسة طويلة ، وامتحاناتٍ مشغلة تذكروا أنَّ أمامكم ما يقارب ثلاثة أشهر . فما أنتم بها صانعون ، وفي أي مجالٍ أنتم لها باذلون ؟ وقبل هذا وذاك هي من أعماركم ، وإن سميت عطلة أو إجازة . يقول عبد الله بن مسعود : (ما ندمت على شيء ندامتي على يومٍ غربت شمسه نقص فيه أجلي ولم يزدد فيه عملي) . أيها الموفق: هل تعلم أن من الناس ناساً تكون أيام الإجازة نقصاَ في بيوتهم وأولادهم، وينفتح عليهم من أبواب الشر ما كانوا عنه غافلين، وإليكم الذكرى الفراغ مظنة للضياع . فانظر كيف إذا تساهلنا نهدم بيوتنا بأيدينا ؟ . معاشر الفضلاء أبناؤنا يعيشون في زمن ثورة التقنية، وحمأة التطور الإعلامي والمعلوماتي، والتواصل الاجتماعي، والتعارف بلا حدود . فانتبه يابني أن تكون ضحية لهذه التطورات المتسارعة، واحذر أن يكون نصيبك من هذه النعمة التي لم يحلم بها جيل أبيك، بل لم تكن إلا في السنوات القريبة، احذر أن يكون نصيبك منها النصيب المسود، فتخترق في أخلاقك، وتهتز منك ثوابت عقيدتك، وتملى عليك حثالات المبادئ حينما تتواصل مع شعوب الدنيا عبر المواقع والمنتديات والصفحات الاجتماعية، وترتقي هذه العلاقات إلى تبادل الآراء ومحادثات صوتية، وأخرى مرئية قي أمور أصبحت من فرسانها، ومن المهررة في اتقانها، ولك حيل في تجاوز ما ينغلق منها، ويصعب في طريقها. فالله الله أن يكون الخير سبباً للشر، وما أصله لزيادة الإنسان يتردى به غير الموفق لما هو أقل من حال الحيوان فيضيع وقته، فهو رهين شاشة حاسوبه طال جلوسه، وتعطلت مصالحه فينقلب بهمة ضعيفة، وقلب فارغ إلا مما لا ينفعه بل ينقصه ولا يزيده، وهذه حال كثير من مرتادي الانترنت، والمتعاملين مع الشبكة العالمية يأخذون منها ما يضرهم ولا ينفعهم، والاحصائيات في هذه المجالات ونسب المترددين عليها، المتردين فيها ليس جهلاً منهم فهم معذورن، ولكنها معصية على بصيرة، وغواية بعد رشد نسب هؤلاء مهولة في التقارير الرقمية العالمية سواء ما يتعلق منها في العالم العربي كله، أو في بلاد الخليج بلاد الحرمين، ومنبع الأخلاق والفضيلة. أيها الأب والولي المعان بإذن الله على تربية بناته، هل تأذن أن تحادث بنتك رجلا غريباَ في سوق أو محل على غير مرأى منك، ولا مسمع في موضوع غير ذي بال، أو في موضوع مريب ! لحظة كأن السخونة بدأت تدب في جسدك، وازداد نبض قلبك! لأنك لا ترضى، فهنيئاً لك تلك الغيرة، وأقر عينك بصلاح بناتك، وعفة نسائك . ولكن اعرف من باب (الوقاية خير من العلاج) أن من الناس أناساً صاروا يدخلون بيوتاً من غير إذن أهلها، ويبقون فيها الساعات الطوال وقد تكون ساعات الليل أنسب وقت لدخولهم. فتتعدد مواضيع الحديث، وتنزل وتصعد، ويوعد فيها ويتوعد، وتذوب عبارات، وتهيج نفوس، وتعقد صداقات، ثم سرعان ما تتطور إلى طلب لقاءات تصد بالممانعات، ولكن (يغلبهم اللئيم، ويغلبن الكريم) إلى هذا الحد كافي من تصوير ما يقع خلف ستار بيوت سترها الله بستره، يحدث هذا عبر جهاز الحاسوب المحمول (اللاب توب) الذي كان هدية نجاحا بنتك، أو هي اشترته لحاجتها له، وأظنها صادقة . ولكن لا بد من ضبط الاستعمال، ومعرفة زمن الدخول في الانترنت، وأين ستدخل، وعلى شاطئ سترسو سفينة بنتي مهجة قلبي فالعالم مفتوح . ثم هل من لازم الاستفادة من هذا الجهاز أن تغيب عن أعيننا، ثم ما هذا الصمت المريب، والشرود الذهني المخيف الذي جد في عالم بنتنا بعد انشغالها بهذا المحمول؟ الحديث يطول! ولكنها أسئلة، أجعلها محل نقاش في جلسة ما بعد الجمعة، واعلم أن من التغافل ما هو غفلة ذم الله من يتصف به، (لقد جاءك الحق من ربك فلا تكونن من الغافلين)، وأرجو أن تكون إن شاء الله في دائرة (الوقاية خير من العلاج). وق الله بنات المسلمين الشر وأسبابه، اللهم قنا الشرور، واحفظنا من الفتن في أنفسنا وأهل بيتنا ...



التعليقات ( 0 )

جميع الأوقات بتوقيت جرينتش +4 ساعات. الوقت الآن هو 11:02 مساءً الأربعاء 15 أكتوبر 1445.