• ×

د.عبدالرحمن الدهش

خطبة الجمعة 26-02-1433هـ امتحان الغيرة

د.عبدالرحمن الدهش

 0  0  3.7K
زيادة حجم الخط مسح إنقاص حجم الخط


لحمدُ لله بنعمته تتم الصالحات، وبالعمل بطاعته تطيب الحياة، وبالتعاون على البر والتقوى تسهل الصعوبات، وبالنهي عن المنكر تتطهر المجتمعات، وبالأمر بالمعروف، تكثر الخيرات .

وأشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك له، ما من أحدٍ أغير من الله .

وأشهد أنَّ محمداً عبده ورسوله، ذو الصفات المرضية، والغيرة النبوية . صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه إلى يوم الدين وسلم تسليماً كثيراً .

أما بعد :-

فاتقوا ربكم، واعرفوا الرعاية الذي حملكم، وغاروا على محارمكم .

فالغيرة صفة إلهية تمدَّح الله بها، وكمل بها نبيه، وعباده الأسوياء، فهي فطرة قبل أن تكون شرعة، والتفريط بها عارٌ ومذمة ، قبل أن يكون معصية .

غارت البهائم على إناثها، فكيف لا تغار الرجال على نسائها .

ففي صحيح البخاري عن عمرو بن ميمون " أنَّ قِرْدَة زنت فاجتمع عليها قردةٌ فرجموها " [1].

وفي الصحيحين أنَّ سعد بن عبادة رضي الله عنه قال " لو رأيت مع امرأتي رجلاً لضربته بالسيفِ غير مصفح _ أي يضربه بحده فبلغ ذلك النبي صلى الله عليه وسلم ، فقال : أتعجبون من غيرة سعدٍ ، واللهِ لأنا أغير منه ، والله أغير مني " .

فالغَيْرَةُ هي تَغَيُّرُ القَلْبِ، وهَيجانُ الغضبِ؛ لانتهاك حرمة من محارم الله، وأشدُّ الغيرة فيما يتعلق بحفظ النساء وصيانتهن .

(يا أيها الذين آمنوا قوا أنفسهم وأهليكم ناراً وقودها الناس والحجارة عليها ملائكة غلاظ شداد لا يعصون الله ما أمرهم ويفعلون ما يؤمرون ) .

كل شيء يهون، وتنسيه الأيام، وتعتاض عنه بما يقوم مقامه إلا ما خدش دينك، ومس كرامتك، واستهان بعرضك، وطالت أنامله حصن حرماتك .

أجل أيها الإخوة:

وكل كسر فان الدين يجبره.. وما لكسر قناة الدين جبران

وإن حماية الأعراض والذود عن البنات والأخوات والزوجات ونحوهن هو جزء من تدين الإنسان لربه، وإن أدي هذا إلى إزهاق روحه، وفلق هامته والنبي صلى الله عليه وسلم يقول : "من قتل دون أهله فهو شهيد، ومن قتل دون عرضه فهو شهيد" متفق عليه.

وإن المجتمعات يعرف انضباطها، وطمأنينة أفرادها، واستقرار أسرها حينما تحمى فيها الأعراض، وتحفظ فيها النساء عن الأهواء وسيء الأغراض .

جعل النبي صلى الله عليه وسلم "خير صفوف النساء في الصلاة آخرها، وشرها أولها" لبعدها عن الرجال هذا في موضوع العبادة في بيت من بيوت الله .

فهل يعقل أن من قال ذلك يبيح تجمعات الرجال والنساء تحت أي مظلة زعمت؟

ثم يأتي قليل البضاعة علماً، وديناً، ورأياً ليقول: لم تحرم الشريعة الاختلاط، فأين المانع من اختلاطهم في المدارس والجامعات وورش العمل، والمهرجانات، ثم يصف الغيورين من العلماء والدعاة الذين يذودون الأمة عن أن تنكفيء بهم السفينة يصفهم بتشدد أو غلو أو نحو ذلك.

أمن العقاب فأساء الأدب .

أيها الإخوة دعونا من هؤلاء (وسيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون) .

إن القلوب في هذه الأزمنة تمتحن الغيرة التي فيها، وللغيرة - وهي مطلب فطري قبل أن يكون شرعياً- لها مواطن تبرز فيها ليميز الله الخبيث من الطيب، ليعلم من كان حي القلب ممن ران عليه ما كانوا يكسبون.

ليعلم من كان على بينة من ربه، ممن ركب الموجه وغرته البهرجة، وجادل بالباطل ليدحض به الحق، والله تعالى يقول لنبيه (ولا تجادل عن الذين يختانون أنفسهم) .

(يا أيها الذين آمنوا لا تخونوا الله ورسوله وتخونوا أماناتكم وأنتم تعلمون)

فحينما يتواتر النقل عن تقليعة من تقليعات أهل الشهوات، ومغربي المجتمعات، تحت أي ستار، وخلف أي جدار، ويصبر الأمر أثرا ينظر بعد أن كان خبرا ينشر، حينها تمتحن القلوب، فتستنكر السليمة منها خطوات شياطين الإنس رافضة، مشفقة أن يصيب بلادنا ما أصاب غيرها، وتعلم أن الحياة الطاهرة تحتاج إلى عزائم الأخيار، وقوة الأطهار، وأما عيشة الدَّعارة فما أسهلها فأولها انبهار ثم انحدار وانهيار .

أصحاب هذه القلوب يضعون أيديهم في أيدي المنكرين المستنكرين كل بحسبه، ويحمدون صنيع الموفقين الناصحين الذين يتواصلون مع ولاتهم ويوقفونهم على مواطن السوس الذي ينخر في المجتمع، ويعلمون أن التباكي على مصلحة البلد، والدندنة على الوطنية من تلك الزمرة هم أبعد الناس عنها، وأكذبهم فيها .

أيها الأفاضل تمتحن الغيرة أكثر ما تمتحن في أيام إجازات الناس، حينما يسعى الناس للبحث عن أماكن ترفيه لأولادهم.

فأصحاب الغيرة لا يرضون أن يكون ترفيه أولادهم ينهش من حيائهم ويعرضهم للعابثين .

فاحفظوا أولادكم مما يضر بأبدانهم ويوقعهم في الهلكة فكفى حوادث سببها تهور مراهق في سيارته أو عبث في دبابه .

ثم احفطوهم مما يضر في أديانهم ويعرضهم للفتنة فامنعوا التميع والتساهل في الحجاب .

ولئن تحولت السياحة إلى تجارة فالغيرة تقول: لا تجعل أهل بيتك هي السلع التي تباع في السياحة التجارية .

والغيرة تقول: لا ترخص نساءك فتأذن لهن أن يذهبن مع صغير من محارمهن، أو سائق لا يلبث أن يلقيهن كما تلقى الشياه في مراعيها، بألبسة يضيق القلب بذكرها، وتنقبض النفس عن وصفها، ثم يعود يأخذهن متى طابت نفوسهن ؟.

كيف ضعفت الغيرة، وبردت الحمية ؟.

هي أيام إجازة ولكنها ليست إجازة من الأخلاق والفضيلة.

الحمد لله

إن مما نعانيه، ويعانيه كلُّ صاحبِ غيرة، يخشى أن يكثر الخبث، فنهلك وفينا الصالحون، كما قال ذلك النبي صلى الله عليه وسلم فالقضية قضية الجميع، لا يخاطب بها رجال الهيئة، ولا الدعاة، ولا طلاب العلم فقط .

ولكنها قضية السلامة في هذه الدنيا، والنجاة يوم القيامة إنها قضية تساهل رجال أفاضل ومن المسابقين في الخيرات، وممن هم من أصحابِ الصف الأول في الصلاة

تساهلوا في أمور نسائهم فوكلوا أمرَهن إليهن، خروجاً ودخولاً، وربما سفراً وإقامة .

ويقضى الأمر حين تغيب تيمٌ ولا يستأمرون وهم شهود

معاشر الغيورين: تمتحن القلوب في غيرتها حينما يسارع الولي، أو تسارع موليته في العمل في أماكن لم تهيأ بعد لتكون ملائمة للمرأة وخصوصيتها، وتأنيث المحلات المرتجل ليس مبرراً أن تكون من ربيت على عينك محلا لتجربة القرار، أو تمرير النظام .

كيف وبوادر فشل هذه الخطوة قد بدت؟ إلا أن تتدارك بضبط صحيح، وحفظ صريح .

وحاجة المرأة للعمل لا تقوى على زحزحة الغيرة، أو رميها في مواطن الفتنة .

ولئن قيل: تجوع الحرة ولا تأكل بثدييها .

فالمسلمة تجوع وتظمأ ولا تتنازل عن شيء من عفافها.

ومن حرم الغيرة حرم طهر الحياة، ومن حرم طهر الحياة فبطن الأرض خير له من ظهرها !!

نسأل الله أن يحفظنا ...


[1] الفتح (7/156)


التعليقات ( 0 )

جميع الأوقات بتوقيت جرينتش +4 ساعات. الوقت الآن هو 12:34 مساءً السبت 25 أكتوبر 1445.