• ×

admin

خطبة بعنوان نقاط في بداية عام جديد ليوم الجمعة28-12-1429هـ

admin

 0  0  9.9K
زيادة حجم الخط مسح إنقاص حجم الخط
إن الحمد لله ...

أما بعد : -

فإنَّ الله فضَّل الأمة الإسلامية ، وجعل المسلمين أمة وسطاً، وأشهدهم على كلِّ البشرية

فقال ( وكذلك جعلنا أمة وسطاً لتكونوا شهداء على الناس ويكون الرسول عليكم شهيداً )

فلا تزال هذا الأمة أمة قائدة بدينها معتزَّة، لا تزال أمة متميزة في سائر شؤونها ، فهي متميزة في عقيدتها، واضحة ميسرة في شرعتها ، ومن ذلك تميزها في تأريخها و عدَّة أيامها وحسابها شهورها .

فهي لم ترض التاريخ اليهودي ولا التاريخ النصراني ليكون مبدأ تاريخها، واجتمع رأي الصحابة رضي الله عنهم في عهد فاروق هذه الأمة في عهد عمر بن الخطاب رضي الله عنه على التأريخ بهجرة النبي صلى الله عليه وسلم بعد أن رفضوا التأريخ بتاريخ الفرس والروم لأنَّ التاريخ بهما فيه تبعية المسلمين لغيرهم، وتشبُّه بمن فضلنا الله عليهم، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم \"من تشبه بقوم فهو منهم \"

فتلقت الأمة هذه الخطوة العمرية بالمباركة والقبول، وبدأ التاريخ الهجري يأخذ عالميته، ويسير في ركب الحضارات، وظل الوضع على هذه الحال قرونًا عديدة .

حتى تخاذل المسلمون عن دينهم وفرطوا في كثير من أسباب عزهم واتبعوا سنن من كان قبلهم حذو القذة بالقذة، وصار من تبعيتهم أن استبدل أكثرهم التاريخ الإسلامي الهجري بالتاريخ النصراني الميلادي

أيها الإخوة: حين وطأت قدم الاستعمار البلاد الإسلامية، وعبثت يده في شؤنه حرص على محو ذاكرة الأمة وقطع الصلة بينها وبين تاريخها وحضارتها المجيدة؛ فكان من أوائل سهامه أن يحل التأريخ الميلادي محل التاريخ الهجري، ولا تزال مزاحمة التاريخ الميلادي للتاريخ الهجري حتى صدرت قرارات المستعمر بإلغاء التأريخ الهجري واستبدال التاريخ الميلادي في النصف الأول من القرن الماضي .

فقبلت الأمة المستضعفة ذلك، وتبع ذلك أن نشأ جيل جهل التاريخ الشرعي الإسلامي أي: جهلوا تأريخهم، ونسوا أسماء شهورهم في حين حفظوا أسماء الشهور الميلادية وأرخوا بها دراساتهم وأعمالهم وسائر شؤون حياتهم، والتاريخ الميلادي لا حقيقة له وإنما هو اصطلاح عبثت فيه أيدي بعض الملوك ورهبان النصارى ، ونسبوه إلى ميلاد عيسى بن مريم بعد قرون من ولادته ، ثم أسماء الشهور والأيام عندهم تحمل معاني وثنية ذات ارتباط بآلهة الرومان وعظمائهم .

أيها المسلمون : إنَّ بداية عام هجري جديد له عدَّة دلالات ، ويتذكر المسلم به جملة أمور : -

منها يتذكر المسلم بالسنة الهجرية الجديدة هجرة النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه إلى المدينة ، وهي أعظم هجرة عرفتها البشرية في التاريخ .

خرج النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه من مكة يوم أن كانت بلد شرك إلى المدينة مخلصين لله تعالى \" ومن كانت هجرته إلى الله ورسوله فهجرته إلى الله ورسوله \"

خرجوا تاركين أوطانهم وأموالهم وأهليهم ومعارفَهم تاركين كلَّ ذلك لله مؤملين ثواب الله .

\" فاستجاب لهم ربهم أنِّي لا أضيع عمل عامل منكم من ذكر أو أنثى بعضكم من بعض فالذين هاجروا وأخرجوا من ديارهم وأوذوا في سبيلي وقاتلوا وقتلوا لأكفرنَّ عنهم سيئاتهم ولأدخلنهم جنات تجري من تحتها الأنهار ثواباً من عند الله والله عنده حسن الثواب \"

إن حدث الهجرة فيه أكبر دليل على أنَّ هذا الدين لا يقوم في نفوس الناس ولا يمكن لأهله في الأرض إلا بعد بذل و هجرة وإيثار للباقي على العاجل .

فمتى بقيت النفس راكنةَ للدنيا مطمئنةً بها فسوف يكون شأن دينها في آخر اهتماماتها تقدم على مراد الله مرادَ النفس والهوى والزوجة والولد

( بل تؤثرون الحياة الدنيا والآخرة خيرٌ وأبقى ) .

ولما خرج صهيب بن سنان الملقب بالرومي مهاجراً لحقت به قريش واعترضت طريقه بحجة أنَّه جاءهم فقيراَ ثم اغتنى عندهم في مكة فلا يمكن أن يخرج إلا كما دخل فقيراً محتاجاً ، فدلهم على ماله في مكة على أن يخلو سبيله فخرج بنفسه فلما بلغ النبيَّ صلى الله عليه وسلم خبرُه قال : \" ربح البيع أبا يحيى \" رواه الحاكم وقال صحيح على شرط مسلم .

\" إنَّ الذين آمنوا والذين هاجروا وجاهدوا في سبيل الله أولئك يرجون رحمت الله والله غفور رحيم \"

إنَّ مما يتذكره المسلمُ العاقلُ ويتفطنُ له وهو يدخل في عام هجري جديد أن ينظر في عامه المنصرم القريب .

فكم في العام الماضي من أعمارٍ قد انقضت، وكم من نفس أمَّلت البقاء وبالمنية فجئت .

لقد رأيت الجنائز تترى لأقارب ومعارف وغيرهم صغاراً وكباراً ذكوراً وإناثاً ، رأيتهم ورأيت المقبرة الجديدة كيف تزحف في الأرض وتخط طريقها تواري كل يوم أناسا ممن كانوا على ظهرها ليبقوا مرتهنين بأعمالهم عاينوا الغيب الذي وعدوا (هذا ما وعد الرحمن وصدق المرسلون).

فاحذر الغفلة !

فلا تدري بعد أن أبقاك الله فلم تكن ممن طويت أعمارهم فلعلَّ نهايتك في بقية عامك هذا أو في العام الذي تستقبله ولم تضع بعد رحلك فيه .

إنَّ في ما مضى من عمرك أيها العبد لعبرة ، وكيف لا تعتبر وأنت من غدك لست على ثقة .

وكيف لا تعتبر وأنت ترى سرعة الأيام تصديقاً لقول النبي صلى الله عليه وسلم بقوله \" لا تقوم الساعةُ حتى يتقارب الزمان فتكون السنة كالشهر ، والشهر كالجمعة ، وتكون الجمعة كاليوم ، ويكون اليومُ كالساعة ، وتكون الساعة كاحتراق السَّعَفَة في النار \" حديث صحيح رواه أحمد وغيره .

فهي سنة كونية ، وآيةٌ رَبانية نطق بها النبي صلي الله عليه وسلم الذي لا ينطق عن الهوى فشهدها الناس ، وأدركوها ، فعلم كمال خلق الله ، وصدق نبوته رسول الله .

وهي دليل على أنَّ الإنسان ينعم في كمال من العيش والأمن فلا يحسب للزمن حساباً ، رغدٌ في عيش وأمن في وطن، وإن قالوا : زادت الأسعار وغلت الأثمان .

ولو فقد الإنسان إحدى هاتين النعمتين ، أو نقص عليه شيء منهما لعرف قيمة الزمن ، ولكانت الساعة يوماً ، والشهر دهراً .

فاتقوا الله عباد الله واعرفوا نعمة الله عليكم واعتبروا بمن حولكم ممن ضاقت عليهم الأرض بما رحبت وتسلط عليهم أعداؤهم وزلزلوا زلزالاً شديداً .

(يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله ولتنظر نظر نفس ما قدمت لغد واتقوا الله إن الله خبير بما تعملون )

بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم ، ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم

أقول قولي هذا واستغفر الله لي ولكم

الحمد لله على إحسانه ، أما بعد :-

ففي صحيح مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلَّى الله عليه وسلم قال: (بادروا بالأعمال فتناً كقطع الليل المظلم يصبح الرجل مؤمناً، ويمسي كافراً، ويمسي مؤمناً ويصبح كافراً، يبيع دينه بعرض من الدنيا) .

فتوبوا إلى الله جميعاً أيها المؤمنون لعلكم تفلحون ، واعتصموا بدينكم لعلكم ترحمون .

واحسنوا عملكم في بداية عامكم، واعلموا أنه من نعمة الله علينا أننا لا نشهد احتفالاتٍ في بلادنا تخصَّ هذه المناسبة ، ولا نقيم إجازات لها لأنَّ هذا لم يكن من هدي السلف ، ولو كان خيراً لسبقنا إليه الصحابة وتابعوهم بإحسان .

وليس من السنة أن نعتاد التهاني ببلوغه ، ولا إرسال عبارات التبريك عبر الجوالات ولا غيرها .

وغاية ما عندنا في بداية العام أنه يبتدأ بشهر حرام قال فيه النبي صلى الله عليه وسلم \" أفضل الصيام بعد رمضان شهر الله المحرم \" .

وبهذا تدرك خطأ الاجتهاد الذي استحسنه بعض الناس فصاروا يتنادون لختم العام بمزيد استغفار أو صيام أو صدقة أو نحو ذلك .

أو دعوة إلى التسامح في نهاية العام أو القول بأنَّ صحيفة الأعمال تطوى في آخره أو نحو ذلك كل ذلك لا دليل عليه، ولا شك أن ما يدعون إليه عبر رسائل الجوال هي أعمال صالحة جليلة إلا أن تخصيصها في آخر العام هي من البدع التي يحذر منها

وأما محاسبة النفس فهي من أعظم الواجبات ومتأكدة في كل الأوقات .

فلننظر عباد الله في أنفسنا وفي أولادنا وأهلينا وفي كسبنا وفي أمانتنا في أعمالنا ووظائفنا ومقاولاتنا فو الله ما فاتنا خير إلا بذنوبنا، وما حلَّ بنا شر إلا بما كسيت أيدينا (قل هو من عندي أنفسكم) .

أيها الإخوة هذا التنبيه إنما هو في بداية التاريخ الهجري .

وحيث تتقارب في هذه السنة بداية التأريخين الهجري الصحيح، والميلادي الوهمي فإن القول في إنكار التهنئة في العام الميلادي أشد وأعظم قال ابن القيم :\" وأما التهنئة بشعائر الكفر المختصة به فحرام بالاتفاق مثل أن يهنئهم بأعيادهم وصومهم فيقول عيد مبارك عليك أو تهنأ بهذا العيد ونحوه فهذا إن سلم قائله من الكفر فهو من المحرمات \" وارجع إلى كلامه في أحكام أهل الذمة .

فتبصروا يا من ابتلوا بزملاء عمل من النصارى، قال مشايخنا: وأعظم من ذلك حضور احتفالاتهم، وتبادل الهدايا معهم، أو توزيع الحلوى، أو أطباق الطعام، أو تعطيل الأعمال.

وحيث إننا في زمن غربة الدين في كثير من أحكامه فلن يروق هذا الكلام لبعض أبنائه، وسوف ترى أو تسمع غير ذلك من أبناء المسلمين عبر وسائل الإعلام أو غيرها.

فاللهم أعز الإسلام والمسلمين ...




نقاط الخطبة :-

1. فضيلة هذه الأمة

2. اجتماع رأي الصحابة على التاريخ الهجري بعد رفضهم غيره زمن عمر رضي الله عنه .

3. التحول إلى التاريخ الميلادي من آثار الاستعمار .

4. دلالات وعبر البدء بعام هجري جديد .

5. المبادرة بالأعمال الصالحة .

6. حكم التهاني بالعام الهجري وختمه بمزيد عمل .

7. حكم التهنئة بالعام الميلادي والتهادي بمناسبة ونحو ذلك .


التعليقات ( 0 )

جميع الأوقات بتوقيت جرينتش +4 ساعات. الوقت الآن هو 05:15 صباحًا الإثنين 20 أكتوبر 1445.