• ×

د.عبدالرحمن الدهش

خطبة الجمعة 2-8-1433هـ بعنوان خطر الشائعات‎

د.عبدالرحمن الدهش

 0  0  8.8K
زيادة حجم الخط مسح إنقاص حجم الخط

 

إن الحمد لله نحمده ونستعينه ، ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضلَّ له، ومن يضلل فلا هادي له ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسانٍ إلى يوم الدين . أما بعد:

فإن خير الحديث كتاب الله ، وخبر الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، فاتقوا الله عباد الله وخذوا بوصية ربكم (وقل لعبادي يقولوا التي هي أحسن) فاحذروا عباد الله: أن يكون الواحد سبب أذية لمسلم من حيث يشعر، أو لا يشعر، أو أن يسعى في إلصاق تهمة أو نقيصة في أخيه المسلم وقد تلازمه مدى حياته وهو لا يلقي لها بالا أول ما يتكلم بها . كيف يكون منه ذلك ؟ يكون ذلك حينما يعير الإنسان عقله وينسلخ من ضميره، ويضيع تقدير العواقب، ولا يثمن النتائج يكون ذلك حينما يرضى الإنسان أن يكون بوقاً يردد ما يصل إليه، أو يتحول إلى طبل كل يقرع فيه، رضي لنفسه أن يكون مطية لغيره . ولا يغني عنه أن يقول نبرأ إليه ما ندري! أو لا نضع في ذممنا شيئاً هكذا قيل! لا يغني ذلك بعد أن رضيت أن تكون جسراً يمر عن طريقك كل أحد.

أيها الإخوة: الشائعات التي تلوكها الألسن، وتتناقلها المجالس، وتسير بها الركبان مبدؤها كلمة صغيرة، لعل الأمر كذا، ويحتمل أنه حصل كذا، ثم ناقل الخبر الأول يسقط كلمة الاحتمال، وتصير جزماً في المقال، والناقل الثاني مؤكد بتأكيد الأول وزيادة . ثم تبدأ سلسلة المخبرين، ويتعدد النقلة المتسارعون، وتعددهم لا يزيد الخبر إلا قوة، ثم بين هؤلاء المتطوعين في نشره لن يعدِم المضيفين لأصل الخبر، المتبعِين لأحداثه بتعليل، الباحثين لمفرداته عن داعم ودليل. فالتثبت في الأخبار في سماعها، وتمحيصها، ثم في نقلها وإذاعتها، والبناء عليها من أهم ما يكون في كل زمن . وأشدُّه في هذا الزمن الذي قلَّ فيه الورعُ، وكثر فيه النقل والخلط . (يا أيها الذين آمنوا إن جاءكم فاسق بنبأ فتبينوا أن تصيبوا قوماً بجهالة فتصبحوا على ما فعلتم نادمين) . (ولا تقف ما ليس لك به علم إن السمع والبصر والفؤاد كل أولئك كان عنه مسؤولاً) إنَّ مِن أعظم ما يطالب به ناقل الخبر بيانَ ثقة المصدر، وصحة النقل . فلا تقف ما لم تعلمه علم اليقين من قول قيل، أو قصة وقعت، أو واقعةٍ تنوقلت، أو حكمٍ شرعي لم يثبت صدقه بعد، ولا نسبته إلى قائله . عن المغيرة بن شعبة رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إنَّ الله حرم عليكم عقوق الأمهات، ووأدَ البنات، ومنعاً وهات، وكره لكم قيل وقال، وكثرة السؤال، وإضاعة المال " متفق عليه . يتساهل أقوام في نقل أخبار خاصة أو عامة ثم بعد تتبعها يتبين كذبها بل يتضح ألا مرجع لها أصلاً . إنَّ لهذه الشائعات أسباباً تسهل انتشارها، وتعين على قبولها وتصديقها فمن ذلك :-

· فصاحة المتكلم وحسن عرضه، وتنظيره، فهو صاحب العرض الأخَّاذ، والكلام المرتب، وربما تجد في كلامه شاهداً أو مثلاً، أو قصة تدعم قوله، وتبرر توجهه . وهذه صفة قديمة تجدها في كلام من قال الله عنهم " وإن يقولوا تسمع لقولهم " فهذه الطائفة طائفة المنافقين، ومن يتشبه بهم، إن قالوا خدعوا، وإذا رأيتهم تعجبك أجسامهم لكمالها وجمالها، وتجميلها، ولكنهم كالخشب المسندة، هم العدو فاحذرهم. وعن النبي صلى الله عليه وسلم : " أخوف ما أخوف على أمتي : كل منافق عليم اللسان " رواه أحمد وصححه الألباني . وهذا النوع من الناس قد تلتقي معه مباشرة، ويجمعك معه مجلس ما، وقد تستمع إليه عبر شريط أو إذاعة أو قناة فضائية مشرقة أو مغربية .

· ومن أسباب رواج الإشاعات كون من يروج الشائعة ممن يسمع له بسبب منصب، أو جاه أو عشيرة، أو هو عضو في كذا من الجهات .

· سذاجة الناقل وقلة بصيرته يردد ما يقوله الناس كالإمَّعة الذي لا يدري ما يقول، ورضي الله عن علي بن أبي طالب حين قال: " الناس ثلاثة : فعالم رباني ، ومتعلم على سبيل النجاة، وهمجٌ رِعاع أتباع كل ناعق، يميلون مع كلِّ ريحٍ، لم يستضيئوا بنور العلم، ولم يلجؤوا إلى ركن وثيق " · موافقة الخبر والشائعة لهوى في النفس، ورغبة في القلب، فصادفت قلباً خالياً فتمكنت . لاسيما إن في نفسه شيء على مديرة أو أميره فيطرب حين إذن للشائعات ضده، ويستحلى مر الكلام الذي قيل فيه، ولسان حاليه يقول: هل من مزيد! أعطونا! اقرؤا ما كتب ! ثم جاء مواقع التواصل فأضرمت النار، وغرَّد كل ذي هوى بما عنده . وما يدري لعل هواه يهوي به .

· ومن أكبر أسباب انتشار الشائعات الفراغ عند مروجي الشائعات، وزهدهم في أوقاتهم . وفي أيام الإجازات تطول المجالس، ويمضي الليل ويزين السهر، ويحلو السمر والله المستعان على ما يكتب عليك يا ابن آدم ويسطر (ما يلفظ من قول إلا لديه رقيب عتيد) .

عباد الله : إنَّ لهذه الشائعات أضراراً لا يستهان بها ، ومن أضرارها:

· تفريق الصف الواحد، وإضعاف الرأي المجتمع، وبلبلة الناس بين مصدق ومكذب، ومتردد متحير فيغدو من أجلها المجتمع فرقاً وأحزاباً، وأعداءً وأحباباً فربما طلقت زوجة من زوجها، وأوقعت خصومات بين المتصافين من الناس بسبب شائعة لم يتق الله ناقلها . وربما ردَّت عن خير، وخذَّلت عن معروف، وأوهنت عن طاعة .

· ومن أضرارها الوقيعة في أناس وهضم الجهود ورفعُ أقوام لا يستحقون الرفعة، وخفضُ آخرين حقهم الرفعة .

· ومن أضرارها استحلال أعراضِ الغافلين من الأمراء أو العلماء أو الوجهاء أو حتى من عامة الناس بسبب شائعة راجت ، وكذبة أخذ بها أناس وماجت. ألا وإن من أسوأ أضرار الشائعات أن تدخل اليأس في قلوب بعض من ضعفت ثقتهم بالليل، وربما أصيبوا بالإحباط حينما يضخم جهد عدوهم، ويبالغ في إعراض الناس عن دينهم حتى كأنه يقول: هلك الناس، وانقضى الخير . ومن قال هلك الناس فهو أهلكهم . وهؤلاء أعمتهم الشائعات وأنستهم الأراجيف أن للدين ناصراً، والله متم أمره وتسلط الأعداء إنما هو مرحلة تمحيص مرة الأمة الإسلامية بنظيره لما أعرضت عن دينها وهاهي الكرة تعود جزاء وفاقاً وما ربك بظلام للعبيد. والمخرج الصحيح من هذه المحنة هي بالرجوع الصحيح لهذا الدين وتحقيق الأمر الذي علق الله عليه نصر عباده (ولينصرن الله من ينصره إن الله لقوي عزيز) (وكان حقاً علينا نصر المؤمنين) فاتقوا الله : عباد الله: واعلموا أنَّ للخير أبواباً ، فكم من مريد للخير لم يوفق له، وكم من محسن أساء من حيث أراد الإحسان . وفقني الله وإياكم لحسن القول والعمل . أقول قولي هذا

الحمد لله. أما بعد:-

فالإيمان أيها الإخوة يدعو إلى قول الخير أو الصمت "من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقُل خيراً أو ليصمُت" وإن مهمة الآباء والمربين والقدوات بين الناس أن يرتفعوا بهمم من تحت أيديهم من الشباب والأبناء إلى أعالي الأمور وأعاظمها دون التافه منها فتهدر أوقاتهم وتضيع قدراتهم في قيل وقال، وإشاعة بلا زمام ولا خطام . لا سيما في زمن الانفتاح الإعلامي، في مواقع الإنترنت وغيرها، ربما بلغت الكذبة الآفاق يسطرها أناس مجهولون أو معروفون بأسماء صريحة أو مستعارة، أفسدت أفهاماً، وحيرت عقولا، فانظروا ماذا تقرؤن ولمن تقرؤن . وأذية المؤمنين لم تعد قاصرة على وضع شوكة أو حجر في طريق . والأشواك والأحجار التي لا ترى قد تكون الأذية فيها أبلغ من غيرها حفظنا الله من أذية المؤمنين، ووقانا أسباب المجرمين ...

أيها الإخوة: هلَّ علينا شهر شعبان الشهر الذي جعله الله بين يدي رمضان، وهو شهر يغفل عنه كثير من الناس ولهذا كان هدي النبي صلى الله عليه وسلم أن يكثر فيه من الصيام وربما صامه إلا قليلاً منه فلنا برسول الله أسوة حسنة (ومن صام يوما في سبيل الله باعد الله وجهه عن النار سبعين خريفا) . ولا يشرع تخصيص شعبان بشيء آخر من العبادات والأحاديث التي وردت في فضل النصف منه أو ليلة النصف منه وأن فيها تقديراً للمقادير أو مغفرة للذنوب ونحو ذلك أهل التحقيق من مشايخنا على أنها أحاديث ضعيفة لا عمل عليها. كما أن التشاؤم به والتخوف من كثرة الموت فيه لا يجوز بل كان السلف يسمونه شهر القراء لاستعدادهم لقراءة رمضان في التراويح وقيام الليل . ثم من كان عليه قضاء من رمضان فإن آخر فرصته نهاية هذا الشهر فلا تغلبوا على أمر دينهم واستعينوا بالله .

فاللهم بارك لنا في أيامنا وبلغنا شهر رمضان على أحسن حال . اللهم أصلح أحوال المسلمين في كل مكان وول عليهم خيارهم ... اللهم أصلح أحوال المسلمين في سوريا وعجل فرجهم. اللهم أصلح ولاة أمورنا ووفقهم لكل خير . اللهم أغفر لولي عهدنا الأمير نايف بن عبد العزيز وجازه بالحسنات إحساناً وبالسيئات صفحاً وغفراناً اللهم لاتفتنا بعده ولا تحرمنا أجره، اللهم اجعل الخير والتوفيق في الذين قاموا بالأمر بعده واجمع كلمتهم ووحد وجهتهم على ما تحب وترضى . اللهم قنا شر الحاسدين وأبطل كيد الرافضين المفسدين واحفظ بلادنا من مطامع العلمانيين ومؤامرات المغربين . الذين يخرقون سفينتنا ويعبثون بوحدتنا اللهم اجعل في كيدهم في نحورهم وتخطيطهم تفريقاً لهم .



التعليقات ( 0 )

جميع الأوقات بتوقيت جرينتش +4 ساعات. الوقت الآن هو 03:13 صباحًا الجمعة 24 أكتوبر 1445.